كثيرأ ما نخلط بين الإصلاح بوصفه هدفا من أجل بناء مؤسسات دولة قادرة على تقديم أفضل الخدمات للمواطن وبين الدولة نفسها إن كانت مدنية أم دينية. القضية على صعيد الإصلاح ومنه المساعي الخاصة بالمجئ بوزراء تكنوقراط لا صلة لها بهوية الدولة بقدر ما لها صلة بمقدرة الحكومة على العمل والإنجاز. الفاتيكان دولة دينية ولكن لايوجد خلل في منظومة الماء والكهرباء والصرف الصحي. إسرائيل دولة دينية بهوية يهودية بصرف النظر عن كونها عدو أم غير ذلك لكنها تعد من حيث التوصيف العام نموذجا ليس على صعيد الديمقراطية على الأقل من المنظور الغربي لها بل على صعيد مؤسساتها الخدمية. إيران نفسها دولة دينية السلطة العليا فيها هي بيد المرشد الأعلى الذي هو “الولي الفقيه” مع وجود رئيس للجمهورية لديه نحو 17 نائبا بصفة مستشارين بإختصاصات دولة “موكلاوات” وهو ماجعل الخدمات الأساسية متوفرة وهو ما ينقصنا وهوما فجر صيحات الغضب والإحتجاج عندنا. دول كثيرة ينطبق عليها هذا الوصف منها المملكة العربية السعودية كذلك التي لاتعاني إشكالية في الخدمات.لكن هناك في المقابل دول مدنية ديمقراطية تبدا من سويسرا ولاتنتهي بالولايات المتحدة الأميركية مرورا بالإمارات العربية المتحدة واليابان حيث مستوى معيشة الفرد هي الاعلى في العالم. نحن نبدو مختلفين حتى على صعيد الدول التي عاشت أو لاتزال تعيش صراع هويات أو ربما دخلت مرحلة عنف طائفي مثل رواندة والكونغو وجمهوريات الإتحاد السوفيتي السابق والدول السلافية ودول البلقان وغيرها في أفريقيا واميركا اللاتينية حيث إنها برغم ما دفعته من أثمان باهظة تفوق ما قدمناه من خسائر وتضحيات حتى في ذروة الصراع الطائفي أعوام 2006 ـ 2008 فإن بعضها حسم إشكالية الهوية بينما البعض الآخر فصل بين إشكالية الهوية وبين ما يتعين على الحكومة أن تقدمه من خدمات ومن يتولى تقديم هذه الخدمات أفندية ام معميين؟ سياسيين ام تكنوقراط.نكاد نكون الدولة الوحيدة التي تعاني خلط عجيب غريب بالمفاهيم والرؤى والسياقات في كل مجالات وميادين العمل السياسي والمجتمعي او الحزبي أو الجماهيري. فقد تداخلت عندنا مفاهيم الهوية بالمواطنة. الخدمة العامة بكيفية تقديمها. لذلك تحولت الدولة الى دكاكين عبر توزيع الوزارات الى حصص بين شركاء سياسيين حولوا الوطن الى بضاعة الى الحد الذي حملت فيه خدمة عامة مثل الكهرباء او الماء او حتى المجاري مضمونا ذا صلة بالهوية القومية او المذهبية. حتى صارت لدينا كهرباء سنية وماء شيعي وطرق وجسور كردية وبضعة مشافي ومدارس للاقليات التي نحرص على تسميتها بـ “المتاخية”. بينما إرتفعت الأحزاب والكتل السياسية الى دولة داخل الدولة. لم يعد أمامنا سوى تقسيم الجنة على طريقة أحد اجدادنا أثناء ثورة العشرين. ففي معرض إشادته بما تحقق خلال تلك الثورة ومشاركة الكرد فيها من خلال الشيخ محمود الحفيد حيث قال إهزوجته الشهيرة “ثلثين الجنة لهادينا وثلث الكاكة احمد واكراده” وحين نظر الى شخص آخر كان له دور في الثورة إسمه بربوتي إستنأف قائلا “وشوية شوية البربوتي”.