22 ديسمبر، 2024 8:09 م

إشكالية تناول اللغة العربية بالمناهج التفكيكية والحداثوية

إشكالية تناول اللغة العربية بالمناهج التفكيكية والحداثوية

انشغلت الساحة الثقافية والأدبية العربية ، ومنذ أواخر القرن الماضي، بتوظيف مناهج البحث البنيوية ، والتفكيكية، وما بعد البنيوية، ومن ثمّ التوليدية والتداولية، الغربية المنشأ، في دراسة وبحث الادب العربي وعلوم اللغة العربية . وقد امتزج هذا الإنشغال، بنظرة استعلاء، وإزدراء، بآداب اللغة العربية، وعلومها، يؤازره هوس ملحوظ، من بعض النخب، والدارسين العرب في الغرب،وانبهار بما ابدعته الحضارة الغربية من وسائل،وأدوات بحثية حديثة ، فبدأوا يتخلون عن تبني طرائقيات بحث تراثهم التقليدية ، ويلجأون إلى تبني المفاهيم، والمناهج الغربية الحداثوية ، بذريعة مواكبة العصر، وبحجة ضرورة دراسة اللغة العربية، دراسة علمية حديثة.

ولأن العلوم الإنسانية، مهما كانت درجة تجردها،وفي مقدمتها اللغة بالطبع، تظل أداة عاكسة لثقافة أهلها، ووسيلة لرواية تاريخهم، وموروثهم، فإن لها خصوصيتها، وملامحها الفريدة، التي يصعب معها، تطبيقها على بيئة ثقافية أخرى.

ومِن هنا؛ أدرك العرب الأوائل بفصاحتهم الفطرية ، الهُوية المستقلة للنص العربي القرآني، في تركيبه اللغوي، واعتبروه وعاء مضامين، ومرادات الله تعالى، كما أرادها الله، فتعاملوا في تلقيه، وفهمه، في إطار سياقات لغة التنزيل العربية، بعيدا تماماً، عن أي تأويلات متعسفة، أو قراءات لاحقة، بمنهجيات غريبة عن لغتهم ، فهو( كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ )، وذلك رغم مماحكة، وعدم إيمان البعض منهم بالإسلام.

واستنادًا لذلك، فإن القارئ باستخدامه اللسانية الأصلية للغة النص الأم ، يمكنه أن يتعرف على ما يقوله النص ذاته، بمعنى أن على القارئ أن يعمل على التعاطي مع النص من داخل النص، وهذا يعني أن اقتدار لغة القارئ، واحاطته بعلومها، واساليبها، في فهمه لمرادات، ودلالات، بنية النص بدقة، هي التي تحدد ما يتجلى لقارئها من معانٍ، ودلالات متصلة بالنص عضويا، وبالتالي فلا علاقة لها، بمتبنيات تصورات القارئ الذاتية، التي تستولدها، الأساليب المنهجية الغربية، بعيداً عن تحيزات لغة النص .

ولهذا؛ فإن الانسياق وراء ثقافة مناهج التفكيك الغربية المعاصرة ، والتهافت على توظيفها في قراءة النص العربي، بعيداً عن المقاييس المعيارية الأصلية في اللغة العربية، للفهم اللغوي العربي الفصيح ، هي التي أفسدت على الدارسين ذائقة التأمل، وحجمت فيهم قدرة التمكن من الفهم الصحيح، والمبدع، للنص العربي، كما ينبغي، ورسخت في نفس الوقت التبعية الثقافية، والانبهار بتلك المناهج، بما هي تفكيكية، وفوضرية، وعدمية، وهدامة .

لذلك فإنه من غير الموضوعي، أن يتم تناول النص العربي ، وتفكيكه دلاليا، بمقتضى تحيزات منهجية أجنبية، هي خارج معايير، وأدوات اللغة الأم ، بذريعة أن النص اللغوي، يخضع للتأويل المفتوح، والتفكيك، مع الزمن ، وبحجة استمرارية حركة المعنى، ليواكب حركة التغير في الحياة، والتماشي مع تطورات العصر، مع كل ما لذلك التبرير من أهمية .

وإذا كانت الاستعانة بمعايير العلوم المعاصرة، ولاسيما الصرفة منها، تزيد من إمكان تعمق الدارسين بدلالات النص ، طالما أن النص في تعامله مع ظواهر الحياة، يشحذ همة العقل الإنساني للتفاعل، والاستدلال، وإذا ما جاز للعصرنة، ان تفرض علينا التناغم مع معاييرها الفنية، في استخدام معطياتها الحديثة، في قيادة وركوب الطائرات، والمركبات الفضائية، على سبيل المثال ، فإنه ليس من حقها ان تفرض علينا معايير ركوب الإبل ، ولا ان تحدد معايير النطق، واساليب اللفظ، وتأويل مدلولاتها، وذلك لأن أساليب ركوب الإبل ، على بدائيتها، هي أحد آليات مكونات تراثنا، وأن اللسانية العربية الفصحى القح، بكل أساليبها المعروفة، هي الهوية الأم، ومن ثم فإن أهل مكة، وفقاً لذلك، هم أدرى من غيرهم، بشعابها.