لا شك إن نسبة النجاح في مرحلة الثالث المتوسط، التي أعلنتها وزارة التربية ،والتي بلغت ( ٦٩، ٣٤) في المائة، هي نسبة متدنية ،وبالطبع فإن هذه النسبة غير نهائية، إذ لم يتم احتساب النتائج للدورين الاول والثاني، وبالتالي فأن نسبة النجاح المعلنة، محسوبة للطلبة الذين ادوا الامتحانات فقط، ولا تشمل العدد الكلي للطلبة،حيث أنها لا تشمل الطلاب الذين لم يسمح لهم بأداء الامتحان، بسبب عدم دخولهم البكالوريا.
ولاشك ان تدني نسبة النجاح، بهذا الشكل المزعج ، تعكس تدني واقع التعليم بشكل عام في البلد، لأسباب كثيرة، ومعروفة للجميع، حيث أنعكس هذا الواقع المزري سلباً، على أولياء أمور الطلاب، وعوائلهم، وبالتالي، فإن المشكلة أصبحت هاجسا عاما، يؤرق الجميع، طالبا، ومدرسة، وجمهورا، ومؤسسة تربوية، إذ من الواضح أن وضع الطالب، بشكل عام، ومستوى أدائه، ولاسيما في هذه المرحلة، إنما هو محصلة دالة، تتفاعل فيها متغيرات عديدة، أهمها، الطالب، المدرسة، الأهل، والمجتمع.
ولعل الأمر يتطلب معالجة جذرية لهذه الإشكالية، وذلك من خلال اعتماد استراتيجية شاملة للمعالجة، تأخذ بنظر الاعتبار كل جوانب هذه الإشكالية، طالبا، ومدرسة، ومنهجا، ومعلما، ومحتمعا. بمعنى أن مشكلة تدني مستوى التعليم، أصبحت متداخلة الأبعاد، ومعقدة، وتحتاج إلى تعاون الجميع، بهدف الوصول إلى الحل الموضوعي الجذري، لهذه المشكلة.
ففيما يتعلق بالأسرة، فإنه يجب عليها الإرتقاء بوعي الطالب، ومراقبته، وترشيد سلوكه، وحثه على الدراسة والاجتهاد، وعدم فسح المجال أمامه لاضاعة الوقت في اللهو، واللعب، والإنغماس في الإنترنت، والأجهزة الذكية، بالشكل الذي يهدر وقته، ويستنزف طاقته، ويستهلك جهده،وحثه في نفس الوقت، على احترام المعلم، وزملائه في المدرسة، وعدم العبث بموجوداتها، والحرص على نظافة المدرسة، والمحافظة عليها.
أما فيما يتعلق بالمعلم، فإن المطلوب منه ان يقوم بواجبه كتدريسي، ومرب، في نفس الوقت، وان عليه أن يضبط سلوك الطلاب داخل الصف، وداخل باحة المدرسة، استكمالاً لدور الأسرة، وان يركز على التأثير الإيجابي في السلوك الجمعي للطلاب، عن طريق الإشعاع، والرمزية، ابتداءً، ليكون القدوة الحسنة، والمثل الأعلى، لطلابه، قبل اللجوء إلى استخدام أساليب الترهيب، والتعنيف، والزجر.
وبخصوص المنهج، فإن المطلوب من الجهة المسؤولة عن وضع المناهج، ان تواكب التطور في العالم، وان تسترشد بتجارب الآخرين، وان تعتمد مناهج متطورة، تتناسب مع المرحلة العمرية للطالب، بحيث يستطيع استيعاب مواد المنهج، ويدركها بسهولة بعد أن يقوم المعلم بشرحها للطلاب، مع التركيز على تكليف الطالب بالواجب البيتي، والتحضير لمادة اليوم التالي، واعتماد الامتحان الفجائي بين الفينة والأخرى، بما يجعل الطالب منشغلا على الدوام، بمهام التعليم، ومستعدا لأي امتحان يجرى له، في أي لحظة.
كما يتطلب الأمر التوسع باعتماد مختلف وسائل الايضاح، والوسائل المختبرية الأولية، التي تعين الطالب على هضم المادة، واستيعابها بيسر، بما فيها استخدام الحاسوب، بشكل مبسط، ليواكب الطالب التطور الحاصل في الثورة الرقمية، ويتفاعل مع معطياتها،بما يمكنه من تجاوز الأمية التقنية في هذا المجال .
أما بالنسبة لتوفير الكادر التعليمي، بالعدد الكافي من المعلمين، فإنه ينبغي مغادرة حالة ما بات يعرف بالمحاضر المجاني، وذلك بالعمل على توفير المعلمين، والارتقاء بمستوى المعلم، معنويا، وماديا، بما يحفزه على تحسين أدائه، ويدفعه للارتقاء بعمله،بالإضافة إلى حماية المعلم، ومنع أي تجاوزات عليه، سواء من قبل الطلاب، او ذويهم،أو أي طرف آخر.
ويتطلب الأمر أيضا ، الإهتمام الجدي، بترميم البنايات المدرسية ، وبناء مدارس جديدة، كافية لاستيعاب الطلاب، للتخلص من مشكلة الاكتضاض، وصعوبة ضبط الطلاب.
ولعل التركيز على تفعيل صيغة الدور التكاملي، للمدرسة والأسرة، بشأن إعداد طالب مؤهل، ومتفوق، سيكون مفيدا في ضمان الحفاظ على انسيابية الحياة التعليمية للطالب، بسلاسة، وبما يحول دون رسوبه، او تسربه من الدراسة، حيث سيخسر عندئذ، فرصة الحياة في تلقي تعليمه بكل حلقاته،في نفس الوقت الذي يخسره المجتمع كطاقة واعدة، ينبغي الحفظ عليها، وصيانتها من الهدر، والضياع.