18 ديسمبر، 2024 6:56 م

إشكالية العلاقة بين العلمانية والإسلام السياسي ؟

إشكالية العلاقة بين العلمانية والإسلام السياسي ؟

العلمانيون لا ينظرون إلى النص وما فيه من بعد أخلاقي تربوي وروحي، بل هم يقفون موقف الند المنتقد للنص، بسبب الممارسات الظرفية التي يمثلها الإسلام السياسي، وذلك بما فيه من سقطات، ليُسقط تجربة الإسلام السياسي على النص. ولكن هذه تزول ويبقى النص بسمو معارفه وأخلاقه، وهي حقيقة تاريخية لأن المتتبع للحركات الدينية السياسية عبر التاريخ الإسلامي وهي كثيرة وتمثل عشرات التنظيمات، والتي يغلب عليها طابع التطرف، حيث تفسر هذه الحركات النص لمصلحتها ولخدمة موقفها السياسي. بالرغم من ذلك فهي غير قابلة على الديمومة والبقاء، وان أخذت مساحة زمنية وتجحفل معها جمهور متأثرا بأطروحاتهم. على الرغم من دعوة العلمانيين بأن العلمانية ليست بالضرورة هي عدم التدين، وهي بالتأكيد وعلى الدوام ليست معادية للدين. وأنها في بعدها التطبيقي السياسي حياد الدولة تجاه الدين. إلا إن الواقع على الأرض في عالمنا العربي والإسلامي، أنهم قد سخروا كل إمكانياتهم إلى محاربة الدين وإقصائه نهائيا، فجعلوا من العلمانية دين بديل لكل ظواهر الحياة وهو ما وقع بالفعل، فطورت المؤسسة الحاكمة مفهوم العلمانية لتشمل بعد ذلك كل مرافق الحياة،من الحكم إلى الاقتصاد، والعلم، والتاريخ، والحياة الاجتماعية، ومظاهر السلوك والأخلاق، وصور الآداب والفنون. الجدير بالذكر أن موقف العلمانيين العرب من رفض قيم المدينة الفاضلة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ( الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ) في البلاد العربية موقف ثابت لا يتغير ولا يتبدل، تبعا لمصالحهم المادية النفعية القائمة أساسا على علمانية فريدة من نوعها،حيث لا علاقة لها بالحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان. كان ومازال شعار العلمانية في أوطاننا بالنسبة للإسلاميين شعار مخادع، فلم يلمس أصحاب الأرض وبحسب رأيهم مسلمين العالم العربي، أي مدلول ودالة على حيادية العلمانيين ووقوفهم من مجموع معتقدات الناس على مسافة واحدة، بل مارس العلمانيون العرب أقصى أنواع الاستبداد والظلم والديكتاتورية، ولم تجن منها البلاد العربية سوى التخلف والتقهقر سياسياً واقتصادياً واجتماعياً. لقد فسر الإسلاميون هذه النظرة العلمانية على إنها كانت وما تزال سبب كل الحروب والمشاكل التي حدثت وتحدث للأمة العربية والإسلامية، فهو لا ينتقد موقفه وإصراره على إلغاء الهوية الدينية للمجتمع المسلم وإصراره على إلغاء القيم الدينية في المجتمع المسلم، ولكنه يقف وبكل قوة أمام أي ظاهرة نقد لتصرفه. ويرى الإسلاميون أن كل تصعيد لإلغاء المكون الديني والموروث الحضاري للأمة يقابله مزيد من خروج المتطرفين، تطرف في الفكر إلى السلوك ثم إلى إن يصل إلى حمل السلاح، وإدخال المنطقة بحروب مدمرة. إنالدعوات الكثيرة من العلمانيين بالمطالبة بفصل الدين عن الدولة هي دعوات لا تميز بين الظواهر الطارئة التي تتمثل بالإسلام السياسي، وعموم هذه التشكيلات التي تسعى للسلطة على حساب الدين، ولها من السلبيات والسقطات التنظيمية والسياسية، مما دفع دعاة الحداثة بطرح مقولة فصل الدين عن الدولة، الأولى والأجدر هي الدعوة لفصل الدين عن السياسة. لأن الدولة في المجتمع المسلم هي دولة تمثل عموم المجتمع، والإسلام هو ابن المجتمع فهو راعي المجتمع والمجتمع راعيا للإسلام . كما نود تنبيه أن التاريخ الإسلامي لم يعرف مصطلح (دولة) وما رافقها من مدلولات عصرية، إذ كانت المفاهيم والمصطلحات المتداولة هي: الخلافة، الإمامة، الإمارة والسلطنة. كما لم تكن هناك مفاهيم سياسية كتلك المتداولة اليوم مثل الوطن الدستور الانتخابات، بقدر ما كانت هناك مفاهيم ذات طابع إسلامي مثل: الأمة، دار الإسلام، الالتزام بكتاب الله وسنة نبيه، والبيعة. كذلك لم تكن مفردة المؤسسات المدنية متداولة في تاريخنا الإسلامي، فكانت هناك مفردات بديلة لمؤسسات إسلامية فاعلة مثل: صرف موارد الزكاة والصدقات متمثل بالوقف، والقضاء، والفقيه العادل. لا نبالغ أذا قلنا أن المجتمع المسلم كان له الوعي المبكر بفصل الدين عن السياسة، فكل المفاهيم التي ذكرت هي لأجل فصل الدين عن أمراض السياسة وما يعلق بها، وعدم محاولة استخدامه أو استغلال الدين لأغراض دنيوية. وان هذا الفصل لم يكن فصل الدين عن الدولة، فكما ذكرنا فالدولة والمجتمع هما مجتمع مسلم، والدولة دولة مسلمة. لذا كانت هذه المؤسسات والمظاهر التي أنتجها المجتمع المسلم لم تشكل أي حساسية وتضاد بين مؤسسة الخلافة أو مدلولاتها الأخرى. إن ما يقدمه المجتمع من هيئات وتشكيلات خدمية أو رقابية في تلك الفترة. من جملة ما قام به الإسلام على سبيل المثال لا الحصر إعطاء الاهتمام والعناية اللازمتين لكل ما يخص حياة الفرد المسلم، وحماية حياة الفرد وحقوقه، وهي في نهاية المطاف حماية للمجتمع أيضاً. أمام ما تقدم فأن المجتمع الإسلامي مجتمع مؤسسات وهذه المؤسسات لم تكن أدوات دخيلة على الإسلام، بقدر ما كانت نتاج النص الديني المتمثل بكتاب الله وسنة نبيه. وهذا يقودنا إلى حقيقة أن المؤسسات الإسلامية مؤسسات ذات هوية تتخذ من الإسلام تصوراً ومنهجاً في أهدافها وأعمالها، وهي بذلك تكون عامة النفع للمسلمين وغيرهم. فهذه الظواهر هي التي بنت البيئة المسلمة ولم تكن من نتاج السلطة وبقيت على ديمومتها حامية المجتمع وهي خارج أطر السلطة بمفهومها السلطوي.