ينصب اهتمام الكتاب الذي نحن بصدد مراجعته ، على إشكالية الشرعية في الأنظمة السياسية العربية. والاشكالية هنا يقصد بها وجود مسألة أو أزمة تجابه مجتمعاً معيناً أو نظاماً أو سلطة سياسية معينة ، وكيفية تصورها وإيجاد الحلول لها . وفي كتابنا هذا يراد بهذه المسألة أو الأزمة الشرعية وإشكالياتها في السياسة العربية من خلال دولتها ونظامها وسلطتها ، التي لم تعد تعرف على ما يبدو السبل إلى حياة الاستقرار والرفاهية والتطور . حيث لايقر فيه للسلطة ولا للجماعة ولا للفرد أي قرار ، فلم تعد السلطة أو نظامها يجدان مجالاً للاستقرار ، ولم يعد المواطن يجد متسعاً من الراحة والطمأنينة والدعة في العيش . إنهما دوماً في شك وخوف بعضهما من بعضهما الآخر ، وغير مطمئنين إلى ما قد يحمله المستقبل من مخاوف وأزمات ، في زمن تتسابق مجتمعاته ودوله بأتجاه التقدم العلمي والرفاهية بكل إشكالها . ولم تعد مجتمعاتنا تطمئن إلى إنها تمتلك القدرة على أيجاد الحلول للمشكلات التي تعترضها . كما لم تعد السلطة قادرة على تجاوز أنانيتها وذاتيتها لخلق وضع مقبول ومناسب لها ولمجتمعاتها .
إن إشكالية الأنظمة السياسية العربية هي في شرعيتها وأساليبها وأدوات حكمها التي لم تستطيع التطور وفق روح العصر وأساليبه حيث فسدت المسالك وأغلقت الطرق بدعوى العلم والمعرفة بشؤون الدولة والحكم والإخلاص لها والحرص على مصالحها وإنكار هذا الحق على الآخرين مهما كان ألمامهم بشؤون الدولة ومهما كانت أفكارهم حول تطويرها . فالسلطة الحقيقية مازالت بيد حزب أو فرد سواء أكان ملكاً أم رئيساً . إما المؤسسات والهياكل البرلمانية فكلها مؤسسات شكلية ، تضفي الشرعية على أعمال رأس الدولة وتباركها … الرئيس أو الملك أو الأمير مطلق الصلاحية بالدستور ، معين مدى الحياة أو منتخب بوسيلة انتخاب على شخصه الوحيد . وهو الرقيب على أعمال المجالس والمؤسسات ، والموجه للقوانين والسياسات والضامن للوحدة والحريات ، له مطلق الصلاحية بحسب نصوص الدستور والقانون . وحين لاتسعفه هذه أو تلك فقوانين الطوارئ هي البديل للحفاظ على الوحدة الوطنية ، والاستقرار ، ولقمع من لهم رأي من الخارجين عن إجماع الأمة وعن الشرعية والقانون كما يصفهم الحكام .
إن السلطات والأنظمة السياسية العربية قامت منذ البداية على فعل تعسفي ، فقد مارست وتمارس القوة بكل إشكالها ورموزها العنيفة في السياسة والاجتماع ، إذ واجهت منذ تكونها مشكلة الشرعية . فالشرعية التاريخية مفقودة منذ انهيار الخلافة العثمانية ، وهذا الانهيار خلق فراغاً لم يملأ حتى الآن ، ومازال يتسبب في كثير من الخلافات وممارسة القوة والقهر على مجتمعاتها إلى جانب الافتقار إلى شرعية الوجود ، أي الشرعية التاريخية . فكثير من الأنظمة تفتقر أيضاً إلى شرعية الإنجاز . وهذا ماجعلها على الدوام على قطعية مع مجتمعاتها ، على الرغم من سياساتها الإصلاحية الملموسة أحياناً . وإذا كان ذلك يحدث فهو يحدث من باب خلق مصادر جديدة لشرعيتها وتثبيت كياناتها على حساب أهداف ومصالح مجتمعاتها .
لقد أخذت السلطات والأنظمة العربية بعد استمرارها في ممارسة القوة والعنف الذي حمل بين ثناياه عوامل التفجر والعنف والاضطهاد .. تفقد المبرر الأخلاقي والسياسي لوجودها ، ليصبح مبرر وجودها الوحيد تأمين مصالح أصحاب السلطة والفئات الصغيرة من المنتفعين بها . وفي المقابل بدأ انحسار الولاء لها يتخذ شكل نفي سلطتها بشكل كامل في سبيل تأكيد سلطة أسلامية أو عربية أوسع دائرة أو في سبيل الانكماش على دائرة العشيرة أو الطائفة أو الجماعة المحلية الضيقة .
إذا شئنا توصيف واقع الأنظمة السياسية العربية اليوم لتوجب القول بأن هذه الأنظمة السياسية تستند إلى اعتبارات القوة المجردة أكثر من استنادها إلى اعتبارات الإدارة الحقيقية لمجتمعاتها . فشرعيتها إذاً أياً كان المعنى الذي يأخذ به تعبير الشرعية هي شرعية الأمر الواقع . فلا هي شرعية القانون ولاهي شرعية الظرف التاريخي ، لأن أدوات صنع القانون في مجتمعاتنا تقبض عليها السلطة التنفيذية بأحكام ، ولأنه لامجال للحديث عن شرعية القانون ما لم تكن قاعدة القانون في صياغتها مستندة إلى قواعد وأسس ثابتة من البناء الديمقراطي والحرية الشعبية الحقيقية . ولاهي شرعية الظرف التاريخي الذي يبرر مؤقتاً التغاضي عن ضرورة كون السلطة السياسية مستندة إلى أسس حقيقية من رضاء المحكومين بها، ومن الإقرار بمبدأ تدوال السلطة السياسية بين مختلف القوى والجماعات السياسية . فمن ناحية ، أن الأساس الديني الذي تستند إليه بعض الأنظمة السياسية العربية في احتكارها لقاعدة الحكم بصورة دائمة أصبح أساساً ضعيفاً وعرضه للتصدع والانهيار يوماً بعد آخر في ظل تصاعد حركات الإسلام السياسي وفي ظل شيوع مفاهيم دينية تحض على الثورة ومحاربة الظلم ومناوأة الحاكم الظالم . ومن ناحية ثانية ، فأن التذرع بالتحديات الثورية التي تواجه الوطن العربي ، وبأن مواجهة ومقاومة بعض قوى الغرب تبرر ممارسة العنف وقهر المواطنين وبأنه لامجال الحديث عن الحريات وحقوق الإنسان في وقت يتهدد فيه الوجود العربي والحدود العربية ، أصبح هذا الحديث أمراً مرفوضاً في وقت عدلت فيه الكثير من الأنظمة مواقفها تجاه الكثير من القضايا الوطنية والقومية.
– أي مبرر إذاً يمكن أن يقدم تبريراً لقهر المواطن وحرمانه من المشاركة السياسية ؟
– وأي شرعية إذاً تستند إليها الأنظمة السياسية العربية الحاكمة التي تفتقر إلى رضا وتأييد ومساندة مجتمعاتها ؟
إن الشرعية الديمقراطية السياسية هي اليوم الشرعية الوحيدة التي لابديل منها ، والشرعية الثورية التي نادت بتأجيل الديمقراطية السياسية بذريعة أعطاء الأسبقية لأهداف وطنية وقوميه قد عجزت عن تحقيق أهدافها تلك ، سواء أكان فشلها بسبب عوامل ذاتية داخلية أم بسبب تدخلات خارجية . وعليه فالنتيجة الوحيدة التي تفرض نفسها اليوم هي الحاجة إلى الديمقراطية بوصفها حقاً ، لاشيء يبرر تعليقه أو وضعه تحت الرقابة أو الوصاية من أي جهة كانت . إما الشرعية التاريخية أو العائلية التي قد يدعيها هذا الحاكم أو ذاك ، فأنها لم تعد قادرة على تبرير ذاتها بذاتها في الوقت الحاضر .
إن الشيء الوحيد الذي يعينها على تبرير نفسها هو دخولها تحت الشرعية الديمقراطية السياسية وتكيفها مع أحكامها ، لأن ذلك وحده هو الذي يمكن أن يعطيها معنى في الحاضر ويفتح أمامها باب الاستمرارية في المستقبل .
إذاً ، لايمكن معالجة إشكالية الشرعية في الأنظمة السياسية العربية إلا من خلال المسألة الديمقراطية التي لايمكن طرحها طرحاً جدياً وبناءاً خلال النظر إليها في ضوء الواقع العربي ، كما هو في ضوء المحاولات والتجارب والمعطيات التي يزخر بها . فالمنظور الواقعي يستلهم الممارسة الديمقراطية كما هي في العصر الحاضر . أنها نظام سياسي اجتماعي اقتصادي يقوم على ثلاث أركان هي :-
– دولة المؤسسات السياسية والمدنية التي تعلو على الأفراد مهما كانت مراتبهم وانتماءاتهم العرقية والدينية والحزبية .
– فاعلية الأنظمة السياسية المتطابقة مع مصالح المجتمع وما يتفرع عن ذلك من حقوق وحريات .
– تداول السلطة داخل هذه المؤسسات بين القوى السياسية والاجتماعية المتعددة وذلك على أساس حكم الأغلبية مع حفظ حقوق الأقلية .
على هذا الأساس فأن مستقبل الشرعية في الأنظمة السياسية العربية يرتبط ويعتمد موضوعة الديمقراطية التي هي الأساس التي تستند إليها فكرة الشرعية .
إن الأزمات السياسية التي تعانيها الأنظمة العربية ليست وليدة الحاضر الراهن وحده ، وليست نتاج لحظاتها الظرفية الآنية ، وإنما هي أعراض لتراكم واقع موضوعي طويل الأمد تميز بالركود والتخلف ، وتداخلت فيه عوامل متوارثة ومختلفة ، وهي ممتدة إلى عمق الواقع الموضوعي المعاش في الوقت الحاضر وبمختلف مظاهره وإعراضه التي تعانيها المجتمعات العربية اليوم .
فإشكالية الشرعية العربية هي واحدة من هذه الأزمات في امتدادها من الماضي إلى الحاضر ، والكتاب ينصب على شرعية الأنظمة السياسية العربية الراهنة دون الخوض في تفاصيل أوضاعها جميعاً . غير أن الحالة المشخصة لهذا الكتاب هي حصراً ستقع على الجزائر ، لما في الحدث الجزائري من أهمية حاضرة ، ولما فيه من تجسيد مهم لهذه الإشكالية حيث النظام السياسي الجزائري في هذه المرحلة قد ضعفت شرعيته التي أستند إليها وقام عليها طوال سنواته منذ الاستقلال حتى الوقت الحاضر .
ولم تعد تسعفه شرعيته التاريخية ولاشرعيته الثورية ولاشرعيته الدستورية إمام إخفاقاته في تحقيق الأهداف التي طرحها على المجتمع الجزائري التي كانت في بادئ الأمر مبعث ارتياح وقبول ورضا الشعب الجزائري . أما الآن فالنظام السياسي الجزائري أخذ يبحث عن شرعية جديدة تحوز على رضا واعتراف الشعب بها ، أما شرعيات بديلة أخذت تطرح نفسها في الحياة السياسية الجزائرية في الوقت الحاضر . وأهم هذه الشرعيات البديلة هي الشرعية الإسلامية التي تقدمها الجماعات الإسلامية المختلفة في مواجهة شرعية النظام القائم التي بدا عليها التآكل والانحسار إذا لم يسارع النظام لإنقاذ نفسه من خلال تقديمه شرعية جديدة ومقبولة تعينه على الاستمرار والبقاء والحفاظ على وجوده .
إن البحث في إشكالية الشرعية الجزائرية ، هو بحث في ظاهرة تحكم القوة في السياسة والمجتمع وفي معارضة المجتمع المدني لهذا التحكم . وقد تجسدت هذه الظاهرة بثنائية طرفيها :- أولها – تيار عربي إسلامي سياسي يدعي أحقيته في الحكم ويعلن عن امتلاكه أمكانات ووسائل تؤهله لقيادة المجتمع ، وتيار ثان – يعمل من أجل تمسكه بالسلطة ، ويدعي امتلاكه التجربة والأحقية التاريخية والثورية التي تؤهله للمحافظة على استمرارية الدولة والنظام ومؤسساتها .
هذا التصور الذي لايزال يتحكم في الأزمة يدفع بدوره إلى طرح الإشكالية التالية والمتمثلة في أن المجتمع الجزائري المبني على تقاليد الثورة وعلى تاريخ لم يبلور لديه مفهوم المركزية والقانون قد بدأ إمام وجود سلطة ضعيفة ضعفت شرعيتها ، يسعى للتمرد من أجل التعبير عن ذاته الانتقام من الرموز التي قادته إلى الأزمة ، أحياناً بالانتخابات ضدها لصالح القوى الجديدة . ولاسيما – الجبهة الإسلامية للإنقاذ – وأحياناً أخرى بالاحتجاج ضد النظام السياسي الذي يعمل على تجديد نفسه لكسب المجتمع لصالحه .
أما هذا التقابل ، عبرت تلك الثنائية ولأول مرة عن نفسها بأساليب استعمال العنف والعنف المضاد متجاوزة بذلك مصالح المجتمع الذي مازال يبحث عن الأسلوب الأفضل من أجل التعبير الحقيقي عن ذاته .
إن ما يحصل في الجزائر من أوضاع وتطورات ليست مقصورة على الجزائر فقط ، بل هي أوضاع عاشتها وتعيشها الأنظمة والسلطات التي تعاقب على حكم المجتمع العربي لفترات تاريخية متباعدة ومتصلة على الدوام ، وأن أختلف في جدتها وطبيعتها من قطر إلى آخر . غير أن بحث المؤلف في التجربة الجزائرية قد يوضح لنا عن قرب برؤية معاصرة مدى عمق وخطورة هذه الإشكالية في الأنظمة السياسية العربية من خلال الكشف عن أحد صورها العربية والمتمثلة بالجزائر على وجه الخصوص .
إن الحدث الجزائري تزامن في سياقه العام أو هكذا يبدو مع تزايد الدعوة إلى التعددية والديمقراطية. فهي تعكس بوضوح جدلية العالمية والخصوصية التي يثيرها مفهوم الديمقراطية حيث ترتبط عالمية هذا المفهوم بممارسات الديمقراطية الليبرالية على المستوى العالمي . وهو فضلاً عن ذلك يحاكي النسق الانتخابي الديمقراطي في صورته المتميزة ، حيث أتخذ شكل انتخابات حرة . وهو بذلك تميز بمفرداته عن التجارب الانتخابية الأخرى في الوطن العربي أو على الأقل معظمها ، وهي تجربة مازالت وقائعها تتصاعد وتتفاعل…
كما أن هذا الحدث يتعدى التأثير جزائرياً إلى عموم الوطن العربي . وهو كذلك حدث تميز بالكثافة الزمنية ، فعلى الرغم من مدته الزمنية المحدودة إلا أنه حمل ويحمل مجموعة من التطورات المهمة التي أشارت وتشير إلى العمقين التاريخي والسياسي لإشكالية الشرعية في الجزائر والوطن العربي . وهي تتسم بالمحتوى والعمق الإسلامي العربي – العلماني . وتعد كذلك مثالاً واضحاً للتباين بين المواقف للقوى السياسية الجزائرية وممارساتها الفعلية ، إذ حرصت القوى السياسية كافة في الجزائر على تأكيد قبولها مبدأ التعددية ، في حين تعارضت ممارسات بعضها مع هذه المواقف . كما إنها تكشف لنا بوضوح الأوجه المختلفة للشرعيات البديلة . فالجزائر لم ترسِ حتى الوقت الحاضر على نموذج معين من الشرعية يقوم ويستند إليه النظام والدولة الجزائرية .
والنموذج الجزائري في التحليل الأخير كشف عن حقيقة العلاقة بين التيارات المختلفة الرسمية وغير الرسمية ، الدينية وغير الدينية ، وموقفها من ظاهرة الديمقراطية والشرعية والذي ربما يسهم على نحو منهجي بالكشف عن واقع إشكالية الشرعية في الأنظمة السياسية العربية .
إن التعارض السياسي الذي يَسمُ الواقع السياسي العربي ، هو التعارض بين السلطة والمواطن ، وبين المجتمع السياسي والمجتمع المدني . وتجدر الملاحظة هنا إلى أن الدولة العربية الحديثة بدأت تؤول إلى الكلانية / الشمولية ، ونعني بها طغيان الدولة على الفرد والمجتمع ، واشتمال السلطة على مختلف نشاطات الحياة ونفوذها إلى أدنى العلاقات والتفاصيل الحياتية بأشكالها المختلفة . وفي مجال الممارسة السياسية ليس من الصعب أن يلاحظ المرء كيف أن العنف بإشكاله المختلفة يخيم حالياً على العلاقات بين سلطة الدولة وبين المجتمع المدني . هذه الدولة التي توصف أحياناً بالدولة المسخ التي ليست إسلامية أو قومية أو ليبرالية غربية، هي القوة المجردة التي تريد أن تفترس المجتمع المدني كله ، أي مجتمعها هي ، والمفروض أنها تحكمه لما فيه الخير والتقدم والصلاح المستقبلي .
على هذا الأساس تصبح إشكالية الشرعية السياسية هي مشكلة الحكم المركزية في الوطن العربي المعاصر وغيابها وضعفها يفسران الطبيعة المتقلبة للسياسات العربية ، والطابع التسلطي القهري لأغلب السلطات العربية الراهنة . فانعدام الاستقرار والفاعلية والفساد والقمع هي عناصر مقلقة في السياسة العربية اليوم ، وما ذلك إلا نتيجة لضآلة الشرعية التي يمحضها الشعب للحكام والبنى السياسية والإيديولوجية السائدة.
لذلك – تصبح حالة الشك والخوف هي التعبير الكئيب عن أهم الأزمات التي تواجه الأنظمة السياسية العربية ، وهي أزمة الشرعية أو بتعبير أدق تضاؤل الشرعية أو غيابها في أنظمة الحكم العربية الحالية .
إذاً ، ما العلاج لحل إشكالية الشرعية العربية ، أي ما العلاج من أجل وجود سلطات وأنظمة سياسية تحظى برضا وثقة مجتمعاتها ؟ هل المشاركة السياسية والاجتماعية هي / السبيل أم الثورة هي الطريق الأسرع والأنفع للمجتمع؟
في واقع الحال لا يذهب المؤلف مذهب الثورة ، لأن مقابلة القوة بالقوة يولد صراعاً وعنفاً ، والنتيجة هي الدمار والخراب .
وهذا ما توصل إليه الكتاب من خلال دراسة حالة الجزائر ، إذ لم يستطع أي من الأطراف المتعارضة والمتصارعة ، لا النظام ولا القوى السياسية الفاعلة على حسم الموقف لصالح أي منهما . ويبدو أن عنف المجابهة قاد إلى عدم التوصل إلى حل مرض للطرفين . فالنظام أنشغل بترتيب واستعادة شرعيته التي ضعفت وافتقدها منذ عام 1989 ، وتخلل مسعاه صراع بين أركانه في التعامل مع المعارضة الإسلامية ممثلة بالجبهة الإسلامية للإنقاذ ، في حين انشغلت المعارضة الإسلامية والعلمانية بالعمل على ديمومة نشاطها السياسي مستخدمة السبل المختلفة لمواجهة عنف النظام وتصعيد معارضتها بشكل مستمر .
إن النظرة الموضوعية إلى طبيعة المشكلات الوطنية والقومية هي أن تسعى السلطات العربية لإصلاح نظامها السياسي وأن تتجه إلى الديمقراطية الحقيقية التي تستبعد وسائل القمع والإكراه ، ذلك أن الديمقراطية عادت مطلباً يفوق كل المطالب ولا يحتمل التأجيل بأسم أي فرضية مسبقة ولابأسم أي معادلة في المستقبل يجب البحث عنها وأن تعترف بحق القوى الاجتماعية والسياسية في المشاركة في السلطة ، وأن تسعى لتعزيز حقوق الإنسان وأن تعترف بحق الأقليات والقوميات من أي نوع في التعبير عن ذاتها وأن تطلق الحريات العامة في أطار منظم من القوانين والمؤسسات … لأن في ذلك يكمن رضا وقبول المجتمعات العربية بسلطاتها وأنظمتها السياسية ، ومن دون ذلك لايكون لغير القوة والعنف من فاعل في الحياة السياسية والاجتماعية العربية .
وعلى هذا الأساس تبقى الشرعية هي العنصر الحاسم والفاعل في وجود أنظمة سياسية عربية قادرة على النهوض بمجتمعاتها نحو التطور والرفاه .
احتوى الكتاب أربعة فصول مسبوقة بمقدمة ومنتهية بخاتمة . كرس الفصل الأول منها لدراسة الشرعية ذاتها من حيث مفهومها ومصادرها وأسبابها ، وقد توزعت على ثلاثة أقسام جاءت تباعاً . كما عالج الفصل الثاني طبيعة الأنظمة السياسية العربية ومصادر شرعيتها من خلال البحث في شرعيات سلطاتها وبناها السياسية ومصادرها . أما الفصل الثالث فقد جاء دراسة لحالة محددة وخاصة ونموذجية للتجربة الجزائرية متضمناً ثلاثة أقسام ، وهي :- طبيعة النظام السياسي والقوى السياسية والبحث عن شرعية جزائرية جديدة . أما الفصل الرابع فكان دراسة مستقبلية لهذه الإشكالية ، وقد تضمنت رؤية المؤلف لمعالجتها من خلال مايجب أن تكون عليه الدولة والنظام والسلطة العربية كي تحصل على شرعية مقبولة ودائمة وذلك من خلال ثلاثة أقسام أيضاً .
• الكتاب :
د.خميس حزام والي – إشكالية الشرعية والأنظمة السياسية العربية، مع الإشارة إلى تجربة الجزائر، ط1، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، شباط/ 2003، 306 صفحة.
[email protected]