23 ديسمبر، 2024 5:39 ص

إشكاليات فترة الخلافة ومشروعية نقد الفكر الديني

إشكاليات فترة الخلافة ومشروعية نقد الفكر الديني

ورد في القرآن الكريم أن عيسى بَشّر قومه بابتعاث محمد  ليبشر برسالته (وإذ قال عيسى بن مريم يابني إسرائيل إني رسول الله إليكم مصدقا لما بين يدي من التوراة ومبشرا برسول يأتي من بعدي إسمه أحمد فلما جاءهم بالبينات قالوا هذا سحر مبين ،) ذلك يبدو أن محمدا كان مختارا قبل أن يلد  إلا أن بُلغ بالرسالة في غار جبل حراء  ، ربما يتبادر الى الذهن مالذي دعى عيسى لإبلاغ قومه بظهور رسالة محمد من بعده بالتأكيد وليس التأكيد الجزم أن عيسى وجد السياقات العامة التي تنتمي إليها المسيحية والسياقات العامه التي سيكون عليه الإسلام لأن مصدر الرسالة ومابه من إلهام ينبعُ من جوهر واحد هو الله عزوجل أما الإفتراق بين الديانتين أو الثلاث فيكاد يكون إفتراقا جزئيا إذا ماتم الإحتكام للكتب السماوية وأختلافا تفضيليا بين هذه الديانة وتلك إذا ماأحتكم به للمشرعين الدينيين من كلا الطرفين ،فالإيمان بالله وبيوم القيامة من الأمور المركزية والمُسلم بها عند الديانتين ،والديانتان تتفقان بقدر وبآخر بالظواهر التي تسبق القيامة (يوم الحساب ) بل وبالمفهوم اللغوي لتعريف يوم القيامة (تقوم الناس من موتها ليوم الحساب )عن ذلك ورد في القرآن الكريم
(لاأقسم بيوم القيامة ..)(أن الساعة آتية أكاد أخفيها ..)(ونفخ في الصور ذلك يوم الوعيد..)(يوم يجمعكم ليوم الجمع ذلك هو التغابن)
 كما أن هناك مشتركات في العديد من العلامات الكبرى والصغرى التي تسبق اليوم الموعود ومنها ظهور الدخان الكثيف طلوع الشمس من مغربها ..) لاشك أن محمدا عاش أحداثا مآساوية من موت أبيه وهو لم يولد بعد الى موت والدته وهو في سنته السادسة الى موت من رعاه وتبناه الى موت عمه وكل تلك الحوادث كآنها جاءت مرسومة له في الغيب ليستحكم لنفسه من خلالها الى أن تزوج أرملة أبي هالة السيدةخديجة بنت خويلد والتي كانت من سيدات قريش وعاش معها حياته العائلية الطبيعية وقد أنجبت له ولدين وبنات ثلاث (القاسم / عبد الله )(أم كلثوم..فاطمة .. رقية )
فالذي يتفحص سيرة الرسول محمد يجدها سيرة طبيعية لامفارقات عظمى ولاجاه ولامال ولا ولا ..)وهذا يعني أن محمدا سويا وقومه مالهم له وما عليهم عليه أي أنه حضى بأنسانيته بين قومه وتمسك بصفات الصدق والوفاء والذكاء والشجاعة والأنقياد الكلي الى الله عزوجل ،
كما أنه كسائر قومه عمل في رعي الغنم وفي التجارة ولعل من أهم الحوادث في حياة الرسول المختار ولادته التي صادف عامها بعام الفيل والإنجاز المهم  هوحله لمشكلة بطون قريش في من يرفع الحجر الأسود وعلى الصعيد المهني نجاحاته في التجارة وحصوله على لقب الصادق الأمين ، أما من وجهة النظر الفكرية أن محمدا كان ممتليئا بالأفكار تلك التي تتعلق بالخلق وبالكون وما خروجه ليلا الى الصحراء إلا للمثول أمام قدرة الله التي إكتشفها قبل غيره ونرجح أن لاتأثير مباشر عن مفهوم الكون والخلق من قبل من إلتقاهم الرسول في تجواله وتجارته إنما دالاته على الخلق والخالق هو ذلك الإيمان الذي طغى على شعوره ويقينه أن ربه موجود إينما ينظر وأينما يجول ولم تكن فردانيته بغار حراء غير عملية إنتظار لما سوف يضعه قريبا من الخالق ،
عندما بدأ التبليغ بدأت الرسالات الإهية تتلى على الرسول من قبل الوحي وشهدت تلك الفترة من النزول قضيتان أولهما غياب الوحي عن الرسول لفترة زمنية كان يراها الرسول بمثابة الإنقطاع الأبدي وقد تحمل الرسول من خلال هذا الإنقطاع شماتة المشركين من أن الله هجر نبيه ، لكن محمدا إستمر على نهجه في الإنتظار إلا أن الله أراد أن يؤكد لمحمد أنه معه ولن يخذله (والضحى والليل إذا سجى ماودعك ربك وما قلى ..) و(ياأيها المدثر..) والقضية الثانية هي تسارع آيات النزول عليه ورغبة محمد بحفظها وعجالته في الحفظ إلى أن(لاتحرك به لسانك لتعجل به إن علينا جمعه وقرآنه …)
أما من الأحداث المهمة والخاصة في حياة الرسول والمسلمين هي حادثة الإسراء والمعراج ، وبغض النظر عن الآية القرآنية التي أكدت الإسراء والمعراج (سبحان الذي أسرى بعبده ليلا …) رغم ماأنزل بخصوص تلك الليلة فأن الغالبية آنذاك قد إتفقت على صحة مارواه الرسول رغم أن هولاء كانوا من المشركين ،،،،

وكما هو معلوم فأن المسلمين يؤمنون بأسلامهم بأمور عدة منها أن الإسلامَ أخر رسالة سماوية كما أنه أي الإسلام ناسخ لما قبله وأن محمداَ خاتم الأنبياء والرسل وأن الله أرسله الى الأنس والجان ويستند المسلمون على أسس عقيدتهم  من أن الله الواحد الأحد لاشريك له ، وكذلك الإيمان بجميع الرسل الذين أرسلوا قبل محمدٍ كما أن الدين الإسلامي لم يجحف السالفين من الأقوام التي نادت بالتوحيد لله والإيمان بكتبه (الزبور- التوراة – الإنجيل ) والإيمان بالغيب والملائكة واليوم الآخر  إضافة لما ذكرنا أو لم نذكر من المقومات المعروفة كنهج ومبدأ وسياق عمل يتصل بطبيعة الواجبات التي على المسلم مراعاتها أما الموقف من القرآن فأن الإسلام يرى بأنه كلام الله لم يُصغ من قبل أحد غيره ولا دخل لجبريل به إلا كونه وسيلة ناقلة ليس إلا والنقل من الله الى جبريل ثم الى محمد يتم بالنقل الحرفي للأسلوبية والمضمون وهذا الرأي أو هذا الإقرار يعاكس تماما ماذهب البعض إليه من أن الله يعطي المفاتيح الأساسية لجبريل ويقوم جبريل بصياغة الآيات القرآنية التي يودعها لدى الرسول وكذلك على خلاف ماذهب اليه البعض من أن جبريل يعطي محمدا المفاتيح الأساسية ومحمدٌ يقوم بالصياغة ،
إن كتاب الله المنقول للرسول محمد عن طريق جبريل يضم مجموعة من المحتويات منها المحتوى العقائدي والمحتوى التهذيبي ومحتوى الأحكام ويدعم القرآن كمصدر رئيس من مصادر التشريع السنة النبوية ماقاله الرسول وما عمل به كحالة مقصودة لترسيخ مفاهيم متعددة تتصل بطبيعة الإنسان في تعامله مع الدين ومع الحياة اليومية ولاشك أن التوسع في واجبات الدين وحقوق الإنسان وضوابط العبادة وغيرها تناوله الفقه الإسلامي والذي أسهب بتفصيل أمور متعددة منها العبادات، المعاملات المالية،الأحوال الشخصية ، الجنايات ، الوقائع الفقهية ،الأداب الشرعية ،الحظر والأباحة ،مسائل الطهارة ، الصلاة …الخ ،
بأنتهاء عهد النبؤة شُغل المسلمون بأختيار من يتولى مهمة متابعة التطبيق الإلهي دينا ودنيوياً ولايُنكر أن وفاة الرسول تركت أثرا نفسيا ليس على عموم المسلمين بل الخاصة منهم والذين كانوا من الصحابة ومن المهاجرين ومن الأنصار وقد بقيت قضية من سيخلف الرسول من القضايا التي ساهمت في بزوغ مفاهيم الإسلام السياسي نتيجة للإختلافات حول الأحقية لهذا وذاك بين الذين تطلعوا (لوراثة) الرسول ولكن كان الأهم من كل ذلك هو قيام الذي سيُستَخلف قيامه بالدور المشابه لدور الرسول بحيث لاتبدو الهوة شاسعة مابين القيادتين الأمر الذي سيضعف القبائل العربية على مواصلة وتنفيذ مايؤكل لها من مهمات لنشر الدين الإسلامي ،
في الإمامة والسياسة ذكر ابن قتيبة الدينوري العديد من القضايا التي ساهمت في فِرقة المسلمين وبالتالي غذت التوجهات الدينية السياسية وهي في وجهها الأخر عودة لعصبية جديدة فقد ذكر الدينوري بالتفصيل قضية إستخلاف أبا بكر دون أن يرد الذكر لقضية علي  مكتفيا بالإشارة للمحاولات التي جرت لمبايعته من قبل العباس كذلك قضية سعد بن عباد ولكي يكمل ذلك التوجه الذي طغى على أسباب شيوع مفاهيم السياسة والإمامة كما مرَ بخلافة عمر ومقتله وتولية الست الشورى وما جرى بعد ذلك لعثمان ومقتله ثم بيعة علي والرسائل مابين معاوية وعلي ومعركة الجمل وصفين وكل الحوادث التاريخية التي تنشّقَ منها الدينوري رائحة الفتن والإضطرابات والأطماع والأرتزاق من وراء الدين ،
ربما وهو الإعتقاد القريب من المقبولية إن إشكالات فترة الخلافة الراشدية وما رافقها من إنقسامات قد أدت الى ظهور النظريات المخالفة لتوجهات المنهج الإسلامي وبالتالي نشأت العديد من الفرق الإسلامية التي صاحبت تلك الصراعات المرافقة لقضية الخلافة وينظر البعض من المفكرين لظهور هذه الفرق كحالة طبيعية نتيجة لبدء توسع الدولة وأمتداها وكذلك إزدهار حرية الفكر الديني ويراها البعض حالة أضرت  بالمنهج  العام الذي عمل عليه الرسول محمد  وهو ما فتح الأبواب على مصراعيها للبدء في نقد الفكر الديني ليمس هذا النقد جوهر الدين في بعض المسائل المحرمة وليس ظاهره فقط،

[email protected]

هامش // يتبع