لا يمتلك المسلمون يوماً أكثر شهرة من يوم الغدير ، فمنهم من ينكره ومنهم من يصدقه ولكن الجميع يعرفه ، ومن شهرته فأن كلمة غدير عندما تفتش عن معناها في المعاجم اللغوية فإنك ستجد صاحب المعجم مجبراً سوف يتجه الى غدير خم ومن ثم يوم الغدير وحديث الولاية الذي قال فيه رسول الله (ص) ( من كنت أنا مولاه فهذا علي مولاه ) ، وإلتصاق الحدث باسم الغدير فأصبح اليوم الثامن عشر من ذي الحجة يوم الغدير حتى يبقى هذا اليوم في الذاكرة ليس من السهل نسيانه وأخفاءه وهذا ما حصل بالرغم من الحملات الجائرة من أجل طمس معالم هذا اليوم ولكنه بقى كالشعلة التي يهتدي إليها التائه وسط الصحراء في ليلة ظلماء موحشة ، وكلمة الغدير في اللغة يعني المستنقع الذي يبقى بعد إنتهاء السيل ، وهكذا بقى هذا اليوم تغترف منه الإنسانية وترتوي بعد أن عزَّ الماء وقلت المعرفة وضاع الطريق ، فمن غير هذا الغدير لا يمكن أن تعرف الطريق وستموت عطشاً وسط هذه الصحراء القاحلة التي تطمر الجبال الشاهقة تحت حبات رمالها الصغيرة للعيان وكبيرة على الغريب التاءه التعبان لأن نتيجتها حرارة النيران والذل والهوان ولا منقذ أو مخلص منها إلا بالتروي من ماء غدير خم الذي به تحدد معالم الطريق وما تحتاج إليه من متاع حتى يوصلك الى مرادك وهدفك وهو رضا الرب الجليل ومن ثم السكن في الجنان تحيط بك الحور العين ومختلف الأشجار من فاكهة وثمار على أنهر من عسل ولبن وخمر .
والغدير في اللغة أيضاً يعني المبالغة من الغادر وهو كثر الغدر ، فلم يمتلك المسلمون في تاريخهم وكذلك الإنسانية جمعاء شاهداً على خيانة وغدر أمة كيوم الغدير ، فحديث يوم الغدير لم يأتي مفاجئة أو صناعة الظروف والمقتضيات بل كان الرحى الذي تدور حوله كل أحداث الإسلام ، فقد هيء رسول الله (ص) هذه الأمة لحديث هذا اليوم منذ ثلاث وعشرون سنة فبتدأ بحدث الدار الذي نزلت فيه هذه الأية وأنذر عشيرتك الأقربين الى تبليغ سورة براءة وما نزل فيها تخصيص التبليغ والإمراءة إلا بعلي بن أبي طالب عليه السلام حيث قال جبرئيل لرسول الله (ص) يقول الله سبحانه وتعالى لا يبلغ إلا أنت أو رجل من أهل بيتك وفي رواية أخرى لا يبلغ إلا أنت أو رجل كنفسك وفي رواية أخرى لا يبلغ عنك إلا علي وغيرها من الروايات التي تؤكد على أن التبليغ عن رسول الله (ص) ومن ثم السماء لا يمكن أن يقوم به إلا علي بن أبي طالب عليه السلام وما بين الحدثين عشرات الحوادث التي أكد فيها رسول الله (ص) على أحقية علي بن أبي طالب عليه السلام بالولاية والخلافة كالمؤاخاة وتزويج فاطمة عليها السلام ومعركة أحد والخندق وخيبر وحنين وحديث المنزلة في غزوة تبوك والمباهلة والتصدق بالخاتم وإطعام الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا وغزوة بني المصطلق وتتوجت وظهرت معاني ومغازي كل هذه الأحداث بحديث الولاية بغدير خم عندما قال رسول الله (ص) ( من كنت مولاه فهذا علي مولاه ، أللهم وال من والاه وعاد من عاداه وأنصر من نصره وأخذل من خذله ) ….(1) ، ولأهمية الحدث وخطورته على الأمة جمعاء فقد جمع رسول الله (ص) هذه الأمة في مكان واحد يسهل فيه السمع والمشاهدة ومن الصعب نسيانه حتى يصل الى الأجيال ، فقد تقول الروايات على أن الذين حضروا غدير خم أغلب الأمة الإسلامية في ذلك الزمان التي حضرت الحج مع رسول الله (ص) وكان عددهم حوالي 120 ألف ، ولكن هذا العدد الكبير من المسلمين لم يبقى على العهد والبيعة التي أعطيت لله سبحانه وتعالى ولرسوله الكريم (ص) ولأمير المؤمنين عليه السلام ، لم تمر إلا ايام قليلة حوالي شهرين ونصف إلا والأمة قد نقضت البيعة وخانة العهد وغدرة بأهل بيت رسول الله (ص) ، فلم يبقى من هذا الحشد الكبير إلا بضع نفر من أصحاب رسول الله (ص) على بيعتهم التي أعطوها لأمير المؤمنين عليه السلام حيث يقول الإمام الباقر عليه السلام (إرتد الناس إلا ثلاثة نفر : سلمان وأبو ذر والمقداد قال الراوي فقلت : عمار ؟ قال جاض جيضة ثم رجع ، ثم قال : إن أردت الذي لم يشك ولم يدخله شيء فالمقداد ، فأما سلمان فإنه عرض في قلبه أن عند أمير المؤمنين عليه السلام أسم الله الأعظم ، لو تكلم به لأخذتهم الأرض : وهو هكذا ، وأما أبو ذر فأمره أمير المؤمنين عليه السلام بالسكوت ، ولم يأخذه في الله لومة لائم فأبى إلا أن يتكلم ….( 2) ، فهذا الحشد الكبير بل هو أضخم حشد يجتمع في مكان صغير كغدير خم في التاريخ هو هذا الحشد ولم يبقى منه إلا ثلاث نفر ومن ثم ألتحق بهم الرابع وأصبحوا أربعة من مئة ألف وعشرون مسلم ، الجميع خانوا وغدروا برسول الله (ص) وأمير المؤمنين عليه السلام ، فهل يوجد شاهداً أعظم شهادةً في التاريخ الإسلامي أو الإنساني كيوم الغدير على غدر وخيانة الأمة لنبيها ورسولها (ص) مثل هذا اليوم فحقاً عندما سمية بيوم الغدير .
(1) مؤتمر علماء بغداد – مقاتل بن عطية ص80(2) إختيار معرفة الرجال : ص5 ، الإختصاص – الشيخ المفيد ص10