18 ديسمبر، 2024 10:02 م

إشاعات تحشر الدولة في علبة سجائر

إشاعات تحشر الدولة في علبة سجائر

الكاذب كثير الادعاء والصادق يتكلم بهدأة الامراء المترفعين عن دنايا لا يخجل منها المفترون
شغف الانسان بالاثارة ولذة الاندهاش ومتعة المغامرة في الاصغاء لغير المألوف؛ جعلت حتى العقلاء، يصدقون الإشاعات التي تدعي طيران فيل وحشر موازنة الدولة في علبة سجائر وإستيلاء قاضٍ على 150 مليارا في شهر، من أموال محكمة ميزانيتها ثلاثة مليارات سنويا.

تلك هي سجية إنسانية، مؤشرة في علم نفس الافراد تؤطرها سوسيولوجيا المجتمعات.. لا غرابة بسرعة إنتشار الاشاعة الكاذبة وبطء الحراك السلحفاتي القاصر، للقرارات الرسمية الصائبة والصادقة التي يقصد من ورائها وجه الله والولاء للوطن وخدمة الشعب.

فجهود مسؤول يقاتل من مكتبه وميدانيا.. وهو يشيم مجلس النواب من تحت قبة مجلس الوزراء.. خابصا الدنيا، ومعرضا نفسه لمخاطر جمة، في سبيل خدمة خطط التنمية ووضعها على سكة المسار الصحيح.. كلها تنسف ويهدر جهده؛ نظير إشاعة يطلقها الفاسدون الكسالى.. تنابلة الرطب الفاغرو أفواههم بإنتظار مداراة أحزابهم على ما يختلسون.. المتضررون من نزاهته ومواظبته الجادة في العمل لِوَجْهِ اللَّهِ “لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا”.

فالكاذب كثير الادعاء والصادق يتكلم بهدأة الامراء المترفعين عن دنايا لا يخجل منها المفترون.

ولي في هذا الشأن مثالان.. في الآخرين ونفسي، أبتدئه من سواي، نفاذا الى الذات: إذ أشاع مغرضون أن وزير المالية الاسبق فؤاد حسين.. وزير الخارجية ونائب رئيس الوزراء حاليا، “شال” خزينة الدولة وأرسلها الى كوردستان… الناس سمعوا هذه الاشاعة وقرأوها على السوشل ميديا وتلاقفتها الافواه والمواقع، من دون إنتظار البقية التي حسمها مجلس النواب، بالإصغاء الى تفنيده المنطقي، من حيث.. لا خزينة الدولة “باكيت جكاير أشيلها وأوديها الى كوردستان” ولا فلسا واحدا يصرف من دون توقيع رئيس الوزراء ولجان متخصصة بالتتابع، فاتحا حقيبته ليري الجميع.. النواب والعراقيين.. اوراقا بتوقيع رئيس الوزراء السابق د. عادل عبد المهدي.

وأوضح فؤاد حسين، ان وزير المالية ينفذ قرارات الصرف، وليس لديه صلاحية بالصرف، لا لكردستان ولا الانبار او العمارة او غيرهن، سواء أكان كورديا أم دليميا أم جنوبيا، ثمة موازنة عامة يقترحها مجلس النواب ويقرها مجلس الوزراء ويصادق عليها رئيس الجمهورية.. أما وزير المالية فمنفذ ليس إلا… غير مخول بالإنفاق على ثمن شراء مسمار يدق في باب بيته.

والموازنة ليست جسما ماديا يرفعه حمال او كرين او شاحنة نقل بري.. الموازنة العامة للبلد، عبارة عن أرقام مرتبطة بالنفط الكامن في أحافير الارض، تجري حساباته في تلافيف عقود وجولات وتراخيص، لا يمتلك فيها وزير المالية قرارا يسيرها نحو كوردستان ان كان كورديا او نحو الناصرية إذا كان جنوبيا او تجاه الصحراء الغربية إن كان ذا أصل بدوي… المشكلة هي ان الناس تريد أن تصدق الاثارة، فتسمع التهمة ولا تنتظر تفنيدها او تصم الاذن عن الحقيقة؛ تمسكا بلذة الاثارة المفتعلة، من دون أن يعرفوا أنهم بهذا يظلمون نزيها لصالح مفسد نَشَرَ الاشاعة تنكيلا من الشيطان بالملائكة.

اما على الصعيد الشخصي، فعندما كنت نائب رئيس المحكمة الجنائية العليا القاضي عارف عبد الرزاق شاهين، سربت لي.. عمدا وعن قصد.. وثائق مزورة تثبت إختلاس القاضي شاهين مئة وخمسين مليارا من ميزانية المحكمة خلال شهر.. تجاهلت الامر ولم أنساه؛ فبمجرد لقاء ودي.. غير رسمي، جمعني بوزير المالية حينها بيان جبر صولاغ، سألته هل علم بـ 150 مليارا يدعي المتقولون أن شاهين.. حاشى لله.. إختلسها من ميزانية المحكمة الجنائية العليا.. رد وزير المالية صولاغ: “كيف يختلس 150 مليارا في شهر، وموازنة المحكمة 3 مليارات في السنة!”.

الناس ضحايا شغفها بالاشاعات؛ لأنهم بالنتيجة يساعدون الفاسد على التنكيل بالنزيه؛ فغالبا ما تقوم الخصومات من طلبات غير منطقية يراد بها نفع أفراد على حساب المصلحة العامة، وعندما يرفض الحريص على المال العام؛ تدار ضده حملات تسقيطية متقنة، يخطط لها محترفو دعاية.. دهاة!

احزاب متسلطة تسهم في تلفيق الحملات التسقيطية، رؤساؤها يطيلون الكلام عن النزاهة وهم حماة المفسدين، والناس بغفلتها تساعدهم.