26 نوفمبر، 2024 12:11 م
Search
Close this search box.

إشارات من حياة سيد الكائنات

إشارات من حياة سيد الكائنات

محمد (صلى الله عليه واله وسلم)
بسم الله الرحمن الرحيم
﴿ اللهُ يَصْطَفِى مِنَ الْمَلَائكة رُسُلا وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ)
الله سبحانه خلق الانسان واعطاه عقل وفطرة سليمة وجعله حر فيما يختار ولان حسابات بعض البشر وهم اكثرية مبنية على أساس النزعة المصلحية والمادية فسفهوا عقولهم ولوثوا الفطرة السليمة التي اودعها الله سبحانه فيهم فانحرفوا عن جادة الحق والصواب ومع ذلك لم تنقطع الرحمة الإلهية عنهم اذ ارسل اليهم من يعيدهم الى رشدهم  و اختار رجل منهم ليكون رسوله إليهم حتى يعلمهم سبيل النجاة من الاهواء الباطلة ويحررهم من قيود العادات والتقاليد السيئة التي يسيرون عليها تبعا لسنة الإباء والاجداد كتقديس الحجارة والعكوف على عبادتها ودفن البنات وهن احياء أيام الجاهلية.
وعند ما جاء الأنبياء يحملون نور الهداية والايمان اعترض بعض المكابرين على هذا الاختيار (قَالُواْ يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِّمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا وَلَوْلاَ رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ) هذا هو ديدن المترفين عبر التأريخ دائما يقفون بوجه المصلحين مغرورين بأموالهم ومكانتهم الاجتماعية ينظرون نظرة دونية الى الانسان الفقير وكأن الفقر جناية او عمل مشين ارتكبه المرء لأنهم كانوا ذات بعد مادي متصورين ان المال والثروة والوجاهة هي تشفع لهم عند الله تعالى ليكونوا اصفيائه وهم احد أعمدة الفساد في المجتمع. في حين ان هذا الاصطفاء لم يكن صدفة بل هو اصطفاء لأناس طاهرين مؤهلين لحمل هذه الأمانة الإلهية ومواجهة تيار الانحراف ولا يريدون بذلك الا وجه الله تعالى. ومن أولئك العظماء الاطهارالمقدسين الذي اصطفاه الله واجتباه من بين خلقه ليكون رسوله الى هذه الامة نبينا محمد المصطفى (صلى الله عليه واله).
نبينا الكريم عانى ما عاناه الأنبياء وزيادة من أولئك السفهاء المعاندين حتى قال (صلى الله عليه واله) (ما أوذي نبي بمثل ما أوذيت) النبي هو ذلك الشاب الطيب الهادئ الحنون المعتدل في آرائه وافعاله عاش بينهم كريم النسب والحسب لم يختلف اثنان من عتاة الكفر على صدقه وامانته قبل البعثة وبعدها يقول ابن عباس عن أبي سفيان قائلاً: ان هرقل عظيم الروم أرسل إليه في ركب من قريش كانوا تجاراً بالشام في المدة التي كان رسول الله (صلى الله عليه واله) قد أظهر الإسلام وهاجر إلى المدينة وكفار قريش تجحده. ومن ضمن الأسئلة قال أبو سفيان: فو الله لولا الحياء من أن يأثر عليّ كذباً لكذبتُ عليه، ثم كان أول ما سألني عنه أن قال: كيف نسبكم فيه؟ فقلت: هو فينا ذو نسب. قال: فهل قال هذا القول منكم أحد قط قبله؟ قلت: لا.
قال: فهل كان من آبائه من ملك؟
قال: فهل كنتم تتّهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ قلت: لا!
هذه الصفة صفة الصدق لم يستطيع عظماء قريش ووجهائها فضلا عن عامة الناس انكارها لأنها واضحة كوضوح الشمس يعرفها القاصي والداني الا ان النزعة المصلحية والمكانة السامية المهيمنة على المجتمع لأولئك القرشيين جعلتهم يشنون حربا شعواء على النبي ويتهموه بأشنع الالفاظ! ذكر بعض المفسّرين أنّ المشركين عندما بعث الله الرّسول (صلى الله عليه وآله وسلم) كانوا يقولون مستنكرين: “أأنزل عليه الذكر من بيننا”؟! فنزل قوله تعالى (الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس إنّ الله سميع بصير) كما كان الوليد بن المغيرة يقول لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): إِذا كانت النّبوة حقّاً، فأنا أولى منك بها لكبر سني ولكثرة مالي. فرد القران عليهم ((الله أعلم حيث يجعل رسالته).
فقابل النبي هذا المنطق بمنطق قرآني (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَـاهِلِينَ) وجاء في بعض الرّوايات أنّه لما نزلت الآية (خذ العفو…) سأل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) جبرئيل عن ذلك فقال جبرئيل: لا أدري، حتى أسأل العالم ثم أتاه فقال: “يا محمّد، إنّ الله يأمرك أن تعفو عمن ظلمك، وتعطي من حرمك، وتصل من قطعك)
واستمر في تبليغ الرسالة واستمرت قريش في محاربتها للدعوة والدين الجديد عن طريق التشكيك بالنبي وشخصه الكريم ومن صور اذى قريش للنبي يقول عبد الله بن مسعود قال: بينا النبي صلى الله عليه واله ساجد وحوله ناس من قريش جاء عقبة ابن أبي معيط بسلى جزور فقذفه على ظهر النبي صلى الله عليه واله فلم يرفع رأسه، فجاءت فاطمة عليها السلام فأخذته من ظهره، ودعت على من صنع، فقال النبي صلى الله عليه واله: ((اللهم عليك الملأ من قريش: أبا جهل بن هشام، وعتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، وأمية بن خلف، أو أبي بن خلف)) – شعبة الشاك – فرأيتهم قتلوا يوم بدر فألقوا في بئر غير أمية أو أبي تقطعت أوصاله فلم يُلقَ في البئر.
باستطاعة النبي الرد على هولاء وقتلهم لأنه الشجاع المقدام لم يسجل التاريخ انه فر او تراجع من المعركة يقول الامام علي عليه السلام (كنا إذا أشتد الوطيس لذنا برسول الله (صلى الله عليه وآله)).
وفي موضع اخر يقول (عليه السلام) (كُنَّا إِذَا احْمَرَّ الْبَأْسُ اتَّقَيْنَا بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلة وَسَلَّمَ، فَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنَّا أَقْرَبَ إِلَى الْعَدُوِّ مِنْهُ).
لأنه كان حليم يشفق عليهم لم يستخدم قوته البدنية ضد أحد مهما كان تنقل عائشة زوج النبي (ما ضرب رسول الله صلى الله عليه واله وسلم بيده شيئا قط، ولا امرأة ولا خادما، إلا أن يجاهد في سبيل الله)
سخرت قريش كل امكانياتها للقضاء على الدين وتفننت في حربه واستخدمت كل الوسائل والمعدات الإعلامية والاقتصادية والعسكرية من خلال التشكيك والإساءة لمقامه الشريف ومقاطعة بني هاشم وكل من يمتد للنبي بصلة حيث فرضت عليهم الحصار في شعب ابي طالب. وعقدها التحالفات مع القبائل لحربه وانهاء امر الرسالة الا ان الله اقوى واشد (كلّما أوقدوا ناراً للحرب أطفأها الله…) فتبددت احلامهم وانهارت قواهم وتفرقت جماعتهم وانتصر محمد (صلى الله عليه واله) بأيمانه المطلق برسالته الإلهية وبنى أعظم حضارة ونظام في تاريخ البشرية.  
المدينة المنورة  
استقر النبي في المدينة المنورة واتخذ من المسجد الذي بناه اول دخوله اليها مقر للخلافة الإسلامية. وعمل على تثبيت دعائم الإسلام وإدارة شؤون الدولة تلك الدولة النموذجية دولة العدل الإلهي حيث الحب والمودة والاخاء والايثار والتراحم والحرية والمساوة بين البشر لا فرق بين اسود وابيض وبين عربي وأعجمي او رومي بحيث وصلت درجات الحب والالفة بينهم الى ما فوق التصور هولاء الأشخاص هم نفسهم بالأمس كانوا يتقاتلون ويتناحرون فيما بينهم واليوم هم  اشخاص يؤثرون على انفسهم من اجل الغير حيث يروى انه في احدى المعارك  أنّ سبعة أشخاص  جرحوا في المعركة وقد أنهكهم العطش، فجيء بماء يكفي لأحدهم، فأبى أن يشرب وأومأ إلى صاحبه، وكان الساقي كلّما ذهب إلى أحدهم يشير إلى الآخر ويؤثره على نفسه مع شدّة عطشه، إلى أن وصل إلى الأخير فوجده قد فارق الحياة ثمّ رجع إلى الأوّل فوجده قد فارق الحياة أيضاً، وحتّى انتهى إليهم جميعاً وهم موتى فأثنى الله تعالى على إيثارهم هذا ( ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة)
فتح مكة
من أعظم الانتصارات التي جعلت المسلمين يشعرون بالأمان والحرية وانهم مواطنين لهم كيانهم الخاص هو فتح مكة مركز الشرك الجاهلي ومعقل زعماء الكفر حيث رفعت الروح المعنوية للمسلمين خصوصا المكيين لعلمهم بقوة ومكانة المشركين وامكانياتهم المادية والعددية وبهذا الفتح انهارت قريش وقوى الشرك المتحالفة معها وأصبح الإسلام القوة الأكبر في المنطقة. دخل جيش المسلمين الجرار مكة والذي يقدر بعشرة آلاف مقاتل. ودخل النبي الكعبة وقام بنفسه بتحطيم الاصنام بواسطة قضيب بيده ويقول (جاءَ الحقُّ وزَهَقَ الباطِلُ إنَّ الباطِلَ كانَ زَهُوقاً) واشترك امير المؤمنين علي بن ابي طالب (عليه السلام) معه بتحطيم بعضها حيث امره النبي (صلى الله عليه واله) ان يصعد على منكبه المبارك وحطم أكبر صنم حول الكعبة وانتهى بذلك الشرك وأصبحت مكة خالية من الاصنام بعد ما يقارب من خمسمائة عام من عبادتها ووجودها حول الكعبة. هرع زعماء قريش لتدارك الامر بعد ان عجزوا عن المواجهة وكان باستطاعة الرسول الأعظم (صلى الله عليه واله) ان يبيد مشركي مكة الذين آذوا المسلمين ونكلوا بهم وشردوهم من ديارهم وصادروا كل ممتلكاتهم الا ان النبي اعلى من ان يرد بالمثل فقال (صلى الله عليه واله) (الحمد للّه الذي صدق وعده ونصر عبده وهزم الاَحزاب وحده». ثمّ التفت اليهم فسألهم:
«ماذا تقولون وماذا تظنون؟» فقالوا: نقول خيراً ونظن خيراً. أخ كريم وابن أخ كريم، وقد قدرت. فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) (فإنّي أقول لكم كما قال أخي يوسف: (قالَ لا تَثْريبَ عَلَيْكُمُ اليَومَ يَغْفِرُ اللّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرّاحِمين) اذهبوا فأنتم الطلقاء. وهذا ليس ببعيد عنه ولا بجديد منه بل هو الاب الرحيم لهذه الامة لا يريد كما يريد الملوك والجبابرة من الناس عند ما يسيطرون على مكان ما. استعبادهم واذلالهم بل اراد تصحيح الاعتقادات الخاطئة التي كانوا يعتقدونها وايصال الدعوة الإلهية أليهم فتحدث إليهم بكل لين وحب وشفقة لان رسالته هي رسالة الحب وهو حبيب الله حيث قال احد ملوك عمان المعاصرين له والمعجب بأخلاقه (والله لقد دلَّني على هذا النبيِّ الأُمِّيِّ أنه لا يأْمُرُ بخير إلاَّ كان أوَّل آخذ به، ولا يَنْهَى عن شيء إلاَّ كان أوَّل تارك له، وأنه يَغْلب فلا يبطر، ويُغلب فلا يضجر، ويفي بالعهد وينجز الموعود، وأشهد أنه نبي). 
نعم هو المصداق الحقيقي لرسالة وتعاليم الإسلام وكان المصداق الحقيقي لآيات القران وكانت الخصال الحميدة فيه وكل خصاله حميدة قبل البعثة وبعد البعثة واحدة ولم تكن عنده ازدواجية الشخصية شخصية قبل البعثة وشخصية بعد البعثة بل هو شخصية واحدة منذ ولادته وحتى شهادته لذا اتفق المسلمون على ان فعله وتقريره حجة لأن الله تبارك وتعالى نزهه وزكاه (مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى (2) وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى)
يقول الشاعر الألماني جوته (بحثتُ في التاريخ عن مثل أعلى لهذا الإنسان، فوجدته في النبي العربي محمد) هكذا ينظر مثقفي العالم الى النبي هو المثل الأعلى للإنسانية فأين اليوم امة محمد من محمد امة تتقاتل فيما بينها باسم محمد وتنهب باسم محمد وتفسد في الأرض باسم محمد هذه جناية كبرى على رسول الرحمة والإنسانية وهو بريء منها. كيف يكون هذا والتاريخ يقول ان النبي لا يرضى الإساءة حتى على الحيوان يقول عبد الله بن مسعود كنا مع رسول الله صلى الله عليه واله في سفر فانطلق لحاجته فرأينا حُمّرة (طائرا صغيرا) معها فرخان، فأخذنا فرخيها فجاءت الحمّرة فجعلت تُفرّش (أي ترفرف) فجاء النبي (صلى الله عليه واله) فقال (من فجع هذه بولدها؟ ردّوا ولدها إليها).
 لذا على المسلمين مواجهة هذا الخط المنحرف والشاذ عن الإسلام وتعاليمه وتعريتهم امام العالم والكشف عن هذه المؤامرة الخبيثة التي عمد المتطرفين والمتعصبين من العالم الغربي من الإساءة لشخصه ومحاولة تسقيطه بشتى الوسائل كما فعل كفار قريش واسياد مكة من قبل لإيقاف التمدد الإسلامي اخذت الشعوب الغربية التي تبحث عن الخلاص تدخل فيه لما رأت من الإنسانية والرحمة والاحترام من المبادئ الأساسية فيه والتي تجسدت في أقوال وافعال النبي محمد (صلى الله عليه واله).
 
المصادر
1.  القران الكريم
2.  تفسير الأمثل الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
3.  تفسير من وحي القران السيد محمد حسين فضل الله
4.  ولأول مرة في تاريخ العالم ج1 السيد محمد الحسيني الشيرازي
5.  صحيح البخاري
6.  صحيح مسلم
7.  السيرة المحمدية الشيخ جعفر السبحاني
8.  فتح الباري في شرح صحيح البخاري أحمد بن علي بن حجر العسقلاني
9.  بحث عظمة اخلاق النبي الدكتور راغب السرجاني
10.                    رسول الله بعيون منصفة

أحدث المقالات