22 نوفمبر، 2024 11:00 م
Search
Close this search box.

إسقاط مشاريع الدول .. الدولة العصرية العادلة أنموذجا..

إسقاط مشاريع الدول .. الدولة العصرية العادلة أنموذجا..

جاء عنوان هذ المقال مستوحى من ما يجري على الساحه الإقليميه من حوادث إختزلت بسرعة زمانيه عجيبه , وتداخلت فيها الأحداث والمعطيات , وإنكشفت فيها وجوه ومشاريع وآديولوجيات عديده , لم تكن معلومة الحال قبل هذا الزمن ..
وعلى الرغم من وجود الكثير من القراءات التفسيريه التي حاولت أن تستنبأ ما سوف يقع من الأحداث , إلا أن النقطه الجوهريه الوحيده التي كانت تجمع وتوحد مرجعية هذه القراءات , وتجعلها كرؤيه تفسيريه واحده , هو مشروع ما يسمى بالإسلام السياسي .. وبالأخص ما يتعلق فيه بإقامة الدوله الإسلاميه , أو ما كان يسمى سابقا بدولة الخلافه ..
برز مفهوم الدوله بشكله الحالي كمتبنى من قبل المفكرين الإسلاميين بعد ظهوره كمفهوم جديد تبنته أروقة الفكر السياسي الغربي منذ عصر الحداثه , وجاءت بعدها محاولات المفكرين السياسيين الإسلاميين كإظهار مفهوم إدارة الأمة او الجماعه الصالحه , من خلال تبني مفهوم الدوله الحديث بمسمى إقامة دولة العدل الإلهي , ولا أعتقد أن هناك إختلاف بين المذاهب الإسلاميه في ما يبغونه كهدف نهائي من إقامة هذه الدوله ..
وهذا قاد بالنتيجه الى قيام معركة نشبت بين مدرستين فكريتين , وبين سلطتين مختلفتين , المدرسه السياسيه الغربيه بأنظمتها السياسيه المتبعة في إقامة الدوله , والمدرسه السياسيه الإسلاميه التي لم ترى تجاربها النور الحقيقي كتطبيق سوى ما تم تحقيقه في الجمهوريه الإسلاميه في إيران الى حد ما … والصراع أيضا كان بين سلطتين قويتين تصارعتا منذ بدأ المواجهة في هذا المشروع , ألا وهما : السلطة الماديه الدنيويه , التي مثلتها المدارس السياسيه الغربيه , والسلطه الروحيه , والتي مثلتها المدرسه السياسيه الإسلاميه ..
ولا نحتاج الى كثير من الأدله لنثبت فيها للقراء أن ما كانت عليه المعركه وعلى الدوام هي معركة الغرب في محاولته لإسقاط أي مشروع لإقامة دولة إسلامية , ومهما كان الثمن .. لذا نجد أن كل أو معظم الأحزاب الإسلاميه في المنطقة والتي كانت تتميز بأن لها مشروع إقامة الدولة , كانت تحارب وبشدة وبأعلى درجات الإحترافيه من أجل إسقاط مشروعها السياسي في إقامة الدولة .. ومع أن الشعوب العربية هي بأغلبها إسلامية , وتميل الى الإسلام كمنهج وطريقة في الحياة وإن كانت هذه الشعوب مصطبغة في منهجيات حياتها بالنمط العلماني , إلا أن أسسها الفكرية والسيسيولوجية بقيت إسلامية وبوضوح . وبقي حلم العقل الجمعي لهذه الشعوب يأمل بدولة إسلامية يقام فيها العدل الإلهي.. لذا نجد أن دوائر الفكر والسياسه والسلطه الغربيه عملت وعلى مدى عشرات السنين على تجربة إيجاد جماعة سياسيه بديله تمثل الإسلام , ولكنها تتميز بفوضويه لا يمكن معها إقامة أي دولة إسلامية ناضجه ورصينه .. فأوجدت ودعمت الفكر السلفي كفكر سياسي إسلامي , يراد له في المستقبل أن يحكم المنطقة .. يحكمها حكما إسلاميا يعتني بقشور الإسلام , ولا يمكن له أن يشكل في نفس الوقت نظاما سياسيا يتمكن من إقامة دولة تكون منافسة لنموذج الدولة في الفكر الغربي ..
إذا .. وهذا هو المهم ,, كان سقوط حكم الأخوان المسلمين في مصر .. وبطريقة سريعة وعجيبة ,, شكل مؤشرا آخر قويا وواضحا في أن الدوائر الغربية لا ترغب في أي حزب إسلامي يملك مشروعا يهدف لإقامة دولة إسلامية .. لذا نجد مسلسل قتل العلامة الشيعي الشهيد حسن شحاتة فيه ضبابية كبيرة , إضافة الى حوادث أخرى مشابهة وقعت في مصر فيها إعتداء على حرمة الإنسان , ونسبت وبشكل إحترافي الى جماعة الأخوان , وقيادة الرأي العام المصري والعربي والإسلامي الى ضرورة محاربة هذه الجماعة ..
وتزامن مع هذا الحدث خلع أمير قطر الذي كان الداعم الأساسي لمشروع الأخوان , وتحجيم دور أكبر داعية أخواني ألا وهو القرضاوي ..
كما ولا يخفى علينا الحرب الضروس التي اشعلها الغرب ومنذ عقود ضد مشروع الجمهورية الإسلامية في إيران .. حيث إستطاع السيد روح الله الخميني رحمه الله أن يوظف الثوره التي حصلت في إيران من أجل إقامة الدوله الإسلاميه .. ومن المعلوم أن المخطط الغربي لهذه الثوره في بدايتها كان يهدف الى تخدير الشعب الايراني وشعوب المنطقة إسلاميا , ومن ثم توجيهها نحو الوجهة التي أرادها الغرب .. فكان التسديد الإلهي للسيد روح الله هو المخرب الواضح للخطط الغربيه في إيران ..
إذا فحالة عدم الإطمئنان وعدم الوثوق بأي حزب إسلامي يحمل مشروع إقامة دوله إسلاميه أصبح منهجا ينتهجه الغرب ,, وجدير بالذكر أنا هنا لا أحاول أن أُقَيِم تنظيم جماعة الأخوان , ولكني أريد أن أبين أنهم وكجماعة اسلاميه سياسيه كانت تحمل مشروع إقامة دوله إسلاميه .. وأن الغرب أصبح يخاف ومنذ تجربة إيران , من أي حزب إسلامي يحمل هكذا مشروع في ادبياته ..
إضافة الى ذلك تجربة حزب الله , وإن كان هذا الحزب يحمل ظاهرا عسكريا تسليحيا .. إلا أنه يحمل في أسسه العميقه إيمانا بمشروع إقامة الدوله الإسلاميه .. لذا نجد أنه كان مستقطبا من قبل قوى الإستكبار العالمي , كحزب يجب القضاء عليه , أو تغيير أولوياته الفكريه وتحريفها ليكون حزبا نضاليا حاله حال الأحزاب القوميه ..
والملفت للنظر في هذا الحرك الإسلامي السياسي هو الإعتماد على عنصر رد الفعل العنفي الدفاعي من أجل إثبات الذات أو الحفاظ عليها , لذا نجد أن الثوره الإيرانيه كانت ولا تزال تقاتل على جبهة عريضة إستهلكت الكثير من المال والدماء , وكذا تجربة حزب الله , وأيضا تجربة الأخوان العنفيه التي تحاول أن تجعل مفهوم الجهاد هو القضاء على أعداء الله , لذا كانت معركة الغرب معهم معركة سهلة واضحة الأهداف والمعالم بالنسبه للغرب ..
وقد لا يلتفت الكثير الى أن البديل الذي يعمل الغرب على تهيأته وتجهيزه كنموذج للحكم الإسلامي هو الفكر السلفي , والذي تم إستثنائه من كل وسائل وأدوات الحرب الغربيه للقضاء عليه …
إضافة لما ذكر أعلاه فقد ظهرت على الساحة نمطية جديده في مسارات العمل الإسلامي الحزبي السياسي , حيث تهدف هذه النمطيه الى إقامة الدوله العادله , وتمظهرت هذه النمطية  باللاعنف , أو اللاإصطدام ,, وأنا أشبهها كثيرا بما كان يطلق عليه عند مفكري الطاقة البوذيين بقوة : الماء الجاري .. حيث أن إنسيابية الماء مع هدوئها ونعومتها إلا أنها تستطيع أن تغير تضاريس عديده وتعيد تشكيلها ..
هذا النمط من العمل السياسي الحزبي نجده واضحا وجليا في مشروع تيار شهيد المحراب , والذي يهدف الى إقامة الدوله العصريه العادله من خلال إستراتيجيه بعيدة الأمد , تهدف الى زرع نماذج القيادة الخيره (الجماعة الصالحه ) في ثنايا المجتمع , وإحداث ثوره داخليه هادئه يقاد فيها الوعي المجتمعي الى تبني طريقة الإختيار الصحيح والوعي الحذر , كأسلوب وكمنهج لمقاومة عوامل التخريب إذا لا قدر الله تعالى أريد لها أن تظهر .. وفي إعتقادي القاصر , أن المعركة التي سوف تدار ضد هذا المشروع ستكون أكثر عمقا من المعارك التي تدار ضد أحزاب النضال المسلح .. فالغرب سينظر هنا الى عدو غير واضح وغير مشخص بوضوح وغير معين بمكان .. إذا المعركة هنا سوف تكون صعبة بالنسبة لقوى الإستكبار العالمي , فعدوهم هنا سيكون غير واضح وليس له مكان محدد يمكن مهاجمته فيه .. نعم قد يرى البعض أني أتحدث عن قوة هي الآن غير موجوده , بل ويرى البعض أنها محض خيال , ولكني أرى أن الإستقراء الزماني المستقبلي الصحيح ينبئ بظهور هذه القوة السياسيه الإسلاميه كنمط يصعب مواجهته أو قتاله بانساق القتال الكلاسيكيه …. والله أعلم ..

أحدث المقالات