22 نوفمبر، 2024 1:47 ص
Search
Close this search box.

إسرائيل هزمتنا مرتين

إسرائيل هزمتنا مرتين

منذ ما اصطلح عليه النظام العربي بالنكبة عام 1948م مرورا ببزوغ نجم عبد الناصر عام 1952م، الى نكسة حزيران، النكبة الثانية، عام 1967م، أو حرب الأيام الستة التي هزمت فيها إسرائيل العرب هزيمة مذلة، فاكملت احتلال الضفة الغربية بما فيها مدينة القدس، وما تبقى من فلسطين، فسقط الشعار الشعبوي الشهير “رمي إسرائيل في البحر”، الذي نسب الى عبد الناصر، ولكن مطلقه هو أحمد الشقيري، أول رئيس لمنظمة التحرير الفلسطينية، استقال بعد نكسة حزيران عام 1967م، متهما الحكام العرب بضياع فلسطين، خلال مؤتمر للقمة عقد بعد النكسة، فخلفه يحيى حمودة، وخلف حمودة ياسر عرفات عام 1969م، أما شعار الشقيري فإن مؤيدي ناصر رأوا أن خاطئ وظفته المنظمات الصهيونية في خدمة مشروع صور إسرائيل ضحية، تواجه خطر الإبادة من قبل العرب، وقد كان الدكتور جمال حمدان قد رسم صورة دقيقة للواقع بقوله: العرب لم يلقوا بإسرائيل إلى البحر، وإنما ألقت إسرائيل شعبا بأكمله إلى الصحراء، مع العلم ان الصهاينة لم يستشعروا خطرا من عبد الناصر بالقدر الذي استشعرنا نحن الشعب العربي المسكين النصر فيه، فمناحم بيجين رئيس الوزراء الصهيوني الأسبق يقول: (في يونيو 1967 تجمعات الجيش المصري في سيناء لم تكن دليلا على نية ناصر في مهاجمة إسرائيل، علينا أن نكون صادقين مع أنفسنا، نحن من قررنا مهاجمته)، فلا اعلم لماذا كانت تلك الضجة الإعلامية التي افتعلها عبد الناصر، ربما لتصفية خصومه تحت شعار تحرير فلسطين، كما فعل كل الحكام العرب، ولا اعلم أيضا دوافع تلك المظاهرات الصاخبة التي خرجت بعد استقالة القائد المهزوم عبد الناصر تهتف (مكتوب على اسلاحنا عبد الناصر كفاحنا) ولكني اسأل: أي كفاح هذا الذي مرغ بذل هزيمة حزيران عام 1967م.

منذ النكبة الأولى الى نكبة عام 1967م كان العرب يعيشون حلم استعادة فلسطين من مغتصبها الصهيوني، بعد ذلك بدأ الكابوس، الذي امتد من النكسة الى يومنا هذا، لم تتخلله سوى نقطة ضوء عام 1973م في حرب أكتوبر، التي يقال انها كانت مسرحية، وان كان الجندي المصري قاتل فيها قتالا بطوليا، حيث اصدر شهادة لا تنكر بان الجندي العربي شجاع، الامر الذي أخاف الحكام العرب، فجهدوا على تحويل الجيوش العربية الى مؤسسات امنية تدافع عنهم، وفي الوقت نفسه أخاف إسرائيل فشغلت جواسيسها على اختراقه.

لا يعلم متى ينتهي ذلك الكابوس، ولكن الامر المعلوم ان إسرائيل هزمتنا على جبهتين، على الحدود في الجبهة العسكرية، وما زالت تترقب انهياراتنا لتحقق احلامها الصهيونية في مزيد من الاحتلال، بعدما قضمت بمشاريع سلام مزيف كامل فلسطين ولم تبق سوى قطاع صغير محاصر بالجدران الفاصلة، العجيب فيها انها بنيت سجونا تحبس الفلسطينيين من قبل شركات اسمنت تعود لبعض قادة منظمة التحرير الفلسطينية، اما الضفة فان المستوطنات اليهودية تنمو فيها كما ينمو الفطر السام.

اما الجبهة الثانية التي هزمتنا فيها إسرائيل، ففي الداخل، عندما تحول شعار تحرير فلسطين إلى تعليقة لنظام سياسي عربي فاسد جبان، تعلق عليها كل أحلام العرب وطموحاتهم، بل ان دولنا عاشت حالة طوارئ بدعوى معركة التحرير التي لم تحرر شبرا من فلسطين بل وفرت لإسرائيل الظروف لاحتلال مزيدا من الأراضي الفلسطينية والعربية، من شعارات هذه الطوارئ مقولة لا صوت يعلو فوق صوت المعركة الذي كمم الافواه وصار الحديث عن افق لهذا الصراع من المحضورات.

ان مآلات الهزيمة قد سيرت الأمور في طريق تكريس الانقسام المجتمعي داخل الدولة الواحدة، بين ما سمي بمحور الممانعة، ومحور اخر لا اجد له تسمية واضحة، ولكن منطوق الممانعة يفهم انه لا يمانع، وهي تسمية غائمة، ربما هي من مجملات خطاب الممانعة، التي تفصله كما تريد.

الممانعة للتمدد الصهيوني والارهابي شعار جميل، معه سواد الامة، ولكن لماذا لا يصير شعارا وطنيا، يكون عقيدة عسكرية للجندي، الذي اقطع بانه يكره الصهيونية والارهاب، واذا ما قدر له ان يقاتلهما فسيقاتلهما ببطولة، ويهزمهما، ولكن بشرط ان يديره قرار سياسي حر.

اليس في تشكيل فصائل مسلحة خارج السياقات العسكرية، تحمل شعار الممانعة، هو تشكيك بقدرات الجيش الوطني، بل تشكيك بوطنيته، والانكي ان هذه التشكيلات المسلحة قرارها ليس بيد الحكومة الوطنية، وانما بيد قوى إقليمية.

الاغرب ان بعض المروجين للممانعة من خارج سياقات القوات المسلحة الوطنية كان يوما ما جزءً من منظومة الحكم، بما فيها القوات المسلحة، التي هزمها داعش، علما ان داعش لم يهزم الجندي العراقي، ولن يهزمه إن شاء الله، وبدلا من ان يتحملوا مسؤولية الهزيمة راحوا يدّعون الانتصار بدماء الرجال الذين صدقوا من أبناء الحشد الغيارى الذين استجابوا لفتوى المرجعية، فأوقفوا زحف الدواعش على مشارف بغداد بموقف بطولي سيخلده التاريخ، فكانوا مصداقا لقوله تعالى { مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُواْ مَا عَٰهَدُواْ ٱللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُواْ تَبْدِيلًا}، أمّا المدّعون فهم أولئك الذين بدلوا تبديلا.

ان الجندي العربي والمقاوم العربي، والحشد طليعة المقاومة، هما ابنا عائلة واحدة، اقطع انها عائلة كاسب أو عسكري، أو عامل او فلاح أو موظف او مدرس واستاذ، أو رجل دين، أو مُعطَّل عن العمل، تسكن في احياء العراق الشعبية، أو في العشوائيات، فهي ليست عائلة ثري متمول من قوت الناس، او سياسي متنفذ، فهؤلاء ليسوا جزء من العمل المضحي، انما هم قاطفو ثمار التضحيات.

أحدث المقالات