بعد مرور ما يقارب العامين على الحرب الإسرائيلية على غزة، تراجعت صورة إسرائيل عالميًا بشكل غير مسبوق. فما بدأ بدعم واسع عقب هجوم السابع من أكتوبر، تحول تدريجيًا إلى موجة إدانات واحتجاجات غير مسبوقة ضد ما تصفه منظمات حقوقية بأنه ” إبادة جماعية موثقة في التاريخ الحديث” .
منظمة العفو الدولية (أمنستي) نشرت تقريرًا بعد أشهر من التحقيقات، أكدت فيه أن السلطات الإسرائيلية ترتكب جريمة إبادة جماعية بحق سكان غزة. فقد دُمّرت مصادر الاكتفاء الذاتي، وأُحكم الحصار، وانتشرت المجاعة في القطاع المحاصر.
حتى داخل إسرائيل، أقر مؤرخون بارزون مثل عاموس جولدبرغ بأن “غزة لم تعد موجودة”، معتبرين أن رد الفعل على هجوم حماس تجاوز كل الحدود الأخلاقية والعسكرية.
تصف تقارير حقوقية الحرب على غزة بأنها ” الأكثر توثيقًا في التاريخ”، حيث تكشف وسائل التواصل الاجتماعي لحظة بلحظة صور الدمار والضحايا، ما جعل من المستحيل على إسرائيل إخفاء ممارساتها خلف الرواية الرسمية. هذا التوثيق الفوري ساهم في زعزعة الرأي العام العالمي، خصوصًا بين الأجيال الشابة.
رغم استمرار دعم بعض وسائل الإعلام الغربية الكبرى لإسرائيل، إلا أن صورتها “كدولة محاصرة وضعيفة” انهارت أمام الحقائق الميدانية. فقد باتت تُنظر إليها كقوة استعمارية تمارس سياسات فصل عنصري وإبادة، ما أدى إلى ” خسارة معركة القلوب والعقول ” كما أقرّ هوارد وولفسون، الاستراتيجي الديمقراطي الأمريكي.
اقتصاديًا، تكبّدت إسرائيل خسائر فادحة في النمو والاستقرار، ولولا الدعم الأمريكي والأوروبي لكانت الأوضاع أشد سوءًا.
أحد التحولات الأبرز جاء من الجامعات الغربية. فبعد عقود من الصمت خشية الاتهام بـ”معاداة السامية”، خرجت اتحادات طلابية وأكاديمية في جامعات كبرى مثل كولومبيا وأوكسفورد ومعهد العلوم السياسية في باريس، لتدين سياسات إسرائيل علنًا، وتعلن تعليق التعاون الأكاديمي مع مؤسساتها. ما كان يُهمس به أصبح يُقال في قاعات المحاضرات بجرأة: إسرائيل لم تعد “دولة ديمقراطية صغيرة”، بل قوة محتلة يجب محاسبتها.
التحول في الرأي العام تُرجم سياسيًا، مع اعتراف دول مثل إسبانيا، النرويج، وأيرلندا بدولة فلسطين ، وتعهدت فرنسا وبريطانيا بالاعتراف بها في نهاية الشهر الجاري . كما قُدمت دعاوى ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية، بتهم الإبادة الجماعية وجرائم الحرب. وفي الأمم المتحدة، حصدت القضية الفلسطينية دعمًا متزايدًا في الجمعية العامة، ما يعكس إرادة الأغلبية الساحقة من المجتمع الدولي .
تُظهر استطلاعات الرأي في أوروبا تراجعًا حادًا في الدعم الشعبي لإسرائيل. نصف البريطانيين تقريبًا يرون أن معاملة الفلسطينيين تشبه معاملة النازيين لليهود، فيما تسجل إسرائيل أدنى مستويات التأييد في تاريخها بالقارة الأوروبية.
المحلل السياسي مايكل كوبلو يلخص الموقف بقوله: “عندما تتوقف الحرب، لن تعود الأمور كما كانت. صورة إسرائيل تغيرت بشكل دائم، والآثار ستكون اقتصادية ودبلوماسية وعسكرية جسيمة”.
من الواضح أن إسرائيل تخسر رصيدها الأخلاقي والسياسي عالميًا، حتى بين حلفائها التقليديين. فكلما حاولت تبرير العنف عبر دعايتها الرسمية، زادت النقمة عليها.
لقد تحولت الحرب على غزة إلى نقطة فاصلة: إسرائيل لم تخسر فقط دعم الشعوب، بل بدأت تخسر شرعيتها كدولة. ويقع على عاتق المجتمع الدولي مسؤولية أخلاقية مضاعفة للعمل على إنهاء المأساة الإنسانية وإيجاد حل عادل للقضيةالفلسطينية .