لا نريد أن نحمل التاريخ مسؤولية أحد ، ولا نريد أن نكتب لنشوه الحقيقة ، أو تغيير الواقع ، ولكن ما يهمنا هو المواقف ، والتي هي من تصنع التاريخ ، لان الرجال بالمواقف ، وليست المواقف بالرجال ، لهذا العراق وبعد أحداث 2003 كان ومازال مدار الأحداث والمواقف ، والتي كانت محطة مهمة لصنع الرجال ، سواءً كانت في مصلحة الوطن أم ضده ، لهذا رجال ما بعد السقوط وضعوا بصماتهم في سجل التاريخ وكلاً بموقفه ، وسيبقى يحتفظ بالمواقف ، ويذكرها للأجيال القادمة .
الأكراد شعب مسلم ، وهو جزء لا يتجزأ من العراق ، وهناك علاقات رصينة تربط الشمال بالجنوب والغرب ، وروابط مهمة بين الأكراد والعرب ، لهذا علينا أن لا نزج شعب كردستان بأي صراع أو تصريح ، لان الشعب الكردي لا يتحمل مسؤولية التصريحات التي يطلقها ساسته هنا أو هناك ، ومن الظلم أن نربط بين الإقليم كشعب ، وبين قياداته والتي أضحت ، كما هو ماضيها لا تشعر أو تريد الاعتراف بشي أسمه الوطن ، لهذا سنتجاوز الإصرار والتمسك الى المواقف والعداء للوطن .
التصريحات الأخيرة للساسة الكرد على خلفية تصريحات أدلى بها الحكيم من القاهرة ، والتي جاءت جواباً على سؤال عن الخطوات التي يقوم بها السيد البارزاني لإجراء استفتاء لتقرير المصير في إقليم كردستان ، حيث كان موقف الحكيم واضحاً في أن في حال أقدم الساسة الكرد على الانفصال فان إسرائيل هي الوحيدة من تعترف بالإقليم ، ما يمثل رداً قاطعاً على هذه الإجراءات ، وأن الوضع الإقليمي والدولي رافض لهذه الخطوة ، باستثناء إسرائيل ، وهنا فان دخول إسرائيل على الخط لا يعني أن هناك علاقات بين الأخير وكردستان ، بل تعني أن اليهود سيكونون مسرورين بتقسيم العراق ، خصوصاً وان المعول عليه بالتقسيم ، وانه يمثل نقطة البداية في إعادة رسم خارطة المنطقة عموماً ، كما ينبغي أن نقرا رسالة الحكيم أنها رسالة واضحة من رئيس اكبر كتلة في البرلمان أن ما يقوم به السياسيين الكرد يمثل خرقاً للدستور ، كما يمثل تجاوزا” على إرادة الشعب الكردي الذي يعتز بانتمائه الوطني ، ناهيك عن مشاكل الإقليم التي ستجعل منه عرضة للاهتزازات السياسية والاقتصادية ، والتي يحاول البارزاني استخدامها كورقة للضغط على الحكومة المركزية في بغداد ، للحصول على مكاسب جديدة في صراع المغانم في العراق الجديد .
السيد البارزاني يعلم جيداً أن خطوته ستجعله خاسراً على طول تاريخ وجوده السياسي ، أذا ما قرانا الواقع جيداً ، فالمنطقة لا تسير وفق ما يخطط له الغرب لوحدهم ، فهناك لاعبين كثر ومؤثرين في نفس الوقت ، فإيران الدولة الجارة للعراق ، وتحدها حدود طويلة ، وترتبط معه أمنياً وتشترك بالحرب على داعش ، لا يمكنها ان تقف مكتوفة الايدي ، على إجراء يمكن ان يتسبب بمشاكل داخلية ، وهذا ما أكدته الكثير من التصريحات للمسؤولين الايرانيين عن خشيتهم من هكذا تعقيد للمنطقة عموماً وللعراق خصوصاً ، كما انه يمثل تهديداً للوضع الاقليمي الى جانب خروجاً عن الاعراف والمواثيق الدولية ، كما هو الموقف التركي الذي امسى واضحاً في رفضه أي خطوة يقوم بها الاكراد نحو الانفصال ، هو يمثل تهديداً للعمق التركي كذلك ، ويعطي ذرائع لأكراد تركيا في اتخاذ نفس الخطوة بهذا الاتجاه .
الغرب من جهتهم هم مع أي اجراء على الارض ، لانهم في كل الاحوال مستفيدين من أي عملية تغيير ف المنطقة ، ولكن في نفس الوقت فان بلد مثل العراق ، الأمريكان يتعاملون معه بحذر ، ليس لقوة سياسيه ، فهذه المفردة لا تعني شيئاً لهم ، خصوصاً وانها أي الولايات المتحدة تعلم جيداً ، ان سياسي العراق الجدد لا يعول عليهم كثيراً وان الدولار علاج جيد لمشاكلهم ، فلا يوجد لمصحة البلاد مفردة في اجنداتهم ، كما أنهم وجدوا في بلاد الرافدين مؤسسة كبيرة أسمها المرجعية الدينية العليا ، والتي صمام الامان للبلاد ، لهذا وجدوا انفسهم محرجين في اتخاذ أي موقف استراتيجي يخص العراق وشعبه ، والمواقف ومنذ 2003 كثيرة والتي تشهد كيف أن المرجعية الدينية كانت مصداً قوياً امام المخططات التقسيمية الهادفة لتمزيق وحدة الارض والشعب .
يبقى شيء مهم يجب ان يراعيه الساسة الكرد ، وهو ان العراق لا يتحمل مثل هذه التصريحات والتي جعلت منه لقمة سائغة لكل الاجندات ، والمستفيد صاحب هذه الاجندات ، ومن يريد ركوب هذه الموجة ، فأي صراع في العراق او أقتتال فان المستفيد الوحيد منه هو من يعمل على تمزيق وحدة العراق ، وان أي تغيير في خريطته او وحدة أرضه فان الشعب هو من يقررها لا احد غيره .