18 ديسمبر، 2024 8:22 م

“إسرائيل” ترفض تزويد “دولة قَطَر” بالـ(F-35)!! لماذا؟؟

“إسرائيل” ترفض تزويد “دولة قَطَر” بالـ(F-35)!! لماذا؟؟

ينبغي من حيث المبدأ أن لا نستغرب حيال إعلان “إسرائيل” رفضها حيال رغبة “دولة قَطَر” إقتناء طائرات مقاتلة/هجوم أرضي (F-35) الأحدث في العالم والأعظم تطوّراً في كل تقنِيّاتِها وأدائها الرائع، وبالأخص إمكانات إخفائها على شاشات الراردارات المتاحة لدى دول العالم لحدّ الساعة، ناهيك عن كون “قَطَر” دولة صغيرة الحجم ومحدودة النفوس لم يُعرَف عنها أطماع وطموحات سوى الدفاع عن شعبها وديارها وأجوائها.
فما الذي يكمن وراء هذا الموقف الإسرائيلي؟ وما دافعه؟؟
الطائرة الأُعجوبة “F-35”
قبل حوالي سنتين نشر لي هذا الموقع الأغر -مشكوراً- مقالتي الموسومة ((طائرة الـ”F-35″….الخيال الذي تحقّق)) والتي في سطورها أوضحتُ كونَها من الجيل الخامس الذي أُعلِنَت تصاميمه عام (2000)، ولم تُدخَل باكورتها بالخدمة الفعلية إلاّ قبل سنوات بواقعها المَخفِيّ عن الرادار وسرعتها فوق الصوتية وأنظمتها التي تحقّق للطيّار كل ما يحلم به، مُضافاً إليها قابلية الإقلاع والهبوط العمودي.
فالـ “F-35” هي المقاتلة -الشبح- الأحدث في العالم، ولم تتواجد في الخدمة سوى سرب واحد فعّال لدى القوة الجوية الأمريكية قُبَيلَ الإسرائيلية فالبريطانية وبواقع عدد محدود فحسب، لتحقّق ثورة فاقت ما ظلّ عالقاً في خيال عُشّاق الطيران، ولربما سوف لا تُضاهيها -بالعديد من مواصفاتها الأخّاذة- أية مقاتلة/هجوم أرضي سبقتها، ولا ترقى لإمكاناتها وأدائها خلال عقود قادمات إلاّ بالتحديث والتطوير إبتغاء تجاوز سلبيّات ومَعايِب محدودة قد تُشَخَّص في إستخداماتها الميدانية بإستبدال معدات وإلكترونيات بأرقى مما متوفر في جيلها الأوّل الراهن.
من إمتلك الـ(F-35)؟؟ ومن في الطريق؟؟
قد يستغرب البعض من المتابعين للطيران الحربي أن معظم القيادات المسلّحة الأمريكية (الجوية، البحرية، المارينز، طيران الجيش) أبرمت عقوداً بمبالغ هائلة لإقتناء ما مجموعه (2,443) طائرة من هذا الطراز في عزمها على إستبدال مقاتِلاتها الكفؤة المستخدمة حالياً في غضون (ثلاثين) عاماً، ما أُعتُبِرَت أضخم العقود التي تُبرَم في تأريخ الطيران الحربي بدفوعات مبدئية تربو على (330) مليار دولار من موازناتها السنوية، إذا ظلَّ السعر بواقعه الحالي (135) مليون دولار المثبَّت للطائرة الواحدة بالوقت الراهن.
إسرائيل والـ(F-35)
رغم عدم تكليف “إسرائيل” ذاتها ولو بدولار واحد بتمويل مشروع الـ(F-35)، بل أن المليارديرية الصهاينة وأصحاب أعظم البنوك العالمية تكلَّفوا بها طوعياً، وكذلك لم تُدَوِّخ رأسَها وخبراءَها في صناعتها، ورغم ذلك فقد أهدت الولايات المتحدة الأمريكية لـ”إسرائيل” منذ أواسط عام (2016) وعلى طبق من ذهب (4) مقاتلات من باكورة إنتاجها مقابل (540) مليون دولار دفعته منظمات صهيونية نقداً وعَدّاً قبل أن تُجهِّزَها لأية دولة حليفة، وأتبعتها بـ(5) أخريات عام (2018) لتحافظ “إسرائيل” على تفوّقها النوعية المضطرد بمستوى الشرق الأوسط، فيما تعهّدت “واشنطن” أن تستكمل الـ(48) مقاتلة لدى القوة الجوية الإسرائيلية بحلول عام (2022).
وللتَيَقّن من الأداء الميدانيّ للـ”F-35″ وتشخيص سلبياتها فقد سارعت “إسرائيل” في إختراق أجواء “سوريا” تجريبياً قبل أن تقصف عشرات الأهداف المتنوعة ليلاً ونهاراً وفي أجواء مختلفة ورديئة، وكذلك عملت في “العراق” رغم عدم التصريح بوضوح، وأجرت إختراقاً أعمق في سماء “إيران” بإستطلاع تصويريّ وإلكترونيّ إشتمل مواقع مُحَصّنة ومُدافَع عنها بإحكام، حيث إجتازت طائرتان أجواء سوريا والعراق في وضح النهار قبل أن تعودا سالمتَين خلال ساعتين من دون حاجة لإرضاع جوي بالوقود، حيث أثبتت أن أي رادار لم يستطع رصدَهما أو تُقاطِعهما طائرة واحدة، ولم يستهدفهما أي سلاح أرضي مقاوم للطائرات!!!
ممانعات “إسرائيل” السابقات
الأمثلة المُعلّنة في هذا الشأن عديدة، فـ”تل آبيب” تتحكّم بمعظم القرارات الستراتيجية الأمريكية، البريطانية، الفرنسية وكذلك الروسية ولو بدرجات متفاوتة، وكذلك الحال مع دول كبيرة مِفصَليّة ومقتدرة وذات سطوة.
فعلى سبيل المثال القريب للغاية، فد مانعت قبل شهر ونصف رغبة دولة الإمارات العربية في إقتناء الـ”F-35″، رغم تطبيعها العلاقات الدبلوماسية معها… وفي عام (2017) كذلك وقتما طرحت المملكة العربية السعودية مجرّد رغبتها بإقتناء هذه الطائرة مقابل أثمان باهظة رغم تحالفهما البَينيّ المتصاعد ذي (90) سنة، حتى سارع رئيس لجنة الأمن والدفاع لدى الكونغرس الأمريكي بتصريحه المستغرَب من دون خجل ولا إستحياء، قائلاً:- ((أن على المملكة السعودية أن لا تحلم مجرّد حلم يقظة أن تمتلك ولوF-35 واحدة))!!!.
وثمّة حدثٌ ثانٍ تَمَثّل في حرمان “تركيا” من إقتناء الـ”F-35″ بحجّة شرائها منظومة “S-400” من روسيا الإتحادية، رغم كون “تركيا” عضواً في غاية الأهمية لدى حلف “N.A.T.O” وصاحبة علاقات دبلوماسية مع “تل آبيب”… ويحتمل أن تكون “إسرائيل” واللوبي الصهيوني وراء هذه الخطوة الأمريكية الجائرة حيال “آنقرة”.
وجاء الدور على “قَطَر”
المعروف أن “دولة قَطَر” صديقة ومتحالِفة وطيدة مع الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وعموم الغرب، وتمتلك قوة جوية صغيرة نسبياً ولكنها ممتازة في طائراتها المتنوعة والحديثة للغاية، بعمودها الفقري من الـ”ميراج-2000″ الفرنسية الأسرع من الصوت إلى جانب العشرات من الهليكوبترات الإيطالية والفرنسية والبريطانية، وعدد من طائرات النقل والتدريب المتنوعة، وقد تعاقدت على شراء الأحدث والأفضل والأعظم تطوراً لضبط أجوائها تجاه أيّ خصم بالعشرات من المقاتلات/هجوم أرضي طرازَي “رافال” الفرنسية و”يورو فايتر/تايفون” البريطانية، وإستلمت عدداً منها، والباقي في الطريق.
وهنا مَربط الفرس لكون الـ”F-35″ (الشبح) تُغري أية دولة وقوة جوية فتتمنّى إقتناءَها، لا سيّما إن توفّرت لديها أثمانها لتدفعها بالعاجل وليس بالآجل، وهي جاهزة لدى “الدوحة” نقداً بفضل الله، وذلك ما يسيل لها لُعابُ أية دولة منتجة للسلاح المتطوِّر فترضخ للشاري.
ورغم ذلك فإن رفض “إسرائيل” للرغبة القَطَرية لم تكن مستغرَبة بل هي مُتَوقّعة شأنها شأن سابقاتها… فرؤى “إسرائيل” البعيدة حيال “الدوحة” لا تختلف كثيراً عن نظرتها نحو السعودية والإمارات، لأن “تل آبيب” خطّطت منذ الخمسينيات، وستظلّ في ستراتيجياتها الناجعة في عدم قبولها نقل الحرب لبقاعها وأجوائها ومياهها فتُدَمَّر مدنها وعمرانها ومنشآتها، بل تنقلها إلى أرض أعدائها وأجوائهم ومياههم بإستثمار قوات مسلّحة متطورة نَوعِياُ وليست كَمِّياً، من حيث تمتّعها بتكنولوجيا عالية القدرات وتفوّق جوي يكتسح الخصم ولا يُرَدّ، وهذا ما لا يمكن تحقيقه إلاّ بطائرات أحدث وأقدر تتفوّق على ما بين يدَي أعدائها، فالقوة الجوية الإسرائيلية كانت رأس الحربة في حروبها الثلاث المتعاقبات (سيناء 1956، حزيران 1967، تشرين 1973)، وقد برهنت جدارتها على ما إستطاع العرب توفيرها بين أيديهم، وطوّرت ما لديها بإضطراد وإقتنت الأفضل ثم الأفضل للحفاظ على تفوّقها الجوي رغم الهدوء المشهود الذي ساد علاقاتها مع الجوار العربي بعد إجبارهم وفَرَض السلام عليهم بُعَيدَ حرب تشرين/1973.
أما الـ”F-35″ تحديداً فقد كانت بمثابة طائرة أحلام وفّرت مواصفات مثالية وشبه خيالية في عالم الطيران، وبالأخص في قابلية إختفائها عن الرادارات، والذي يجعلها تخترِق وتجوب وتستهدِف وتقصف وتدمِّر عن بُعدٍ قبل أن تعود سالمة من دون أن تُقاطَع أو تُواجَه أو تُسقَط، وقد جَرّبَت ذلك في غضون ثلاث سنوات مُنصَرِمات بجدارة وإتقان، فتصاعدت ثقتها بهذه الطائرة غير المسبوقة في خصائصها وإمكاناتها.
لذلك يستحيل على “إسرائيل” أن تتقبّل مجرد إمتلاك أية دولة عربية أو إسلامية ولو طائرة “F-35″ واحدة، ولو كانت تلك الدولة صديقة، لأن اليهود عموماً يحتسبون لأسوأ الإحتمالات ويفترضون أن تختلف معهم يوماً ما، أو يتبوّأ عرشَها من لا يُؤتَمَن، فيستثمر أجواء دولة متاخمة لـ”فلسطين” المسلوبة فيبلغ أهدافاً في أعماقها من دون أن يرصدها رادار إسرائيلي فتفلت عائدة بسلام.
هل يحتمل أن تتراجع “إسرائيل”؟؟
نعم يحتمل ذلك بعض الشيء مستقبلاً، ليس بخصوص الـ”F-35” بمفردها، بل ربما حيال كلّ طُرُز طائرات “الشبح” الأمريكية الأقدم أمثال الـ(F-117، وf-22)، ولكن شريطة تحقيق أحد الإحتمالات الآتية:-
فلربما ترضخ “إسرائيل” للضغوط إبتغاء تحقيق أرباح بعشرات المليارات، ليس لصالح الشركة المُصَنِّعة “لوكهِيد مارتِن” فحسب، بل إفادةً لأصحاب رؤوس الأموال على قمّة هذه شركة “لوكهيد مارتن” العملاقة، وجُلُّهُم مليارديرية يهود وصهاينة، فتُفرَض عليها تجريد الـ”F-35″ المُباعَة لـ”قَطَر” وسواها من خاصِّيّة إخفائها رادارياً وتجعلها أشبه بطائرة مقاتلة إعتيادية، ومن المؤسف أن المُعتَمِدين على غيرهم ليسوا مقتدرين على كشف هذه الحقيقة الخبيثة… وهذا محتمل كثيراً وإجراؤه مُتاح ويُعَبَّر على المشترين بيُسر وسهولة.
وقتما تحصل “إسرائيل” أو تطوِّر تكنولوجيا إستثنائية تُتيح لراداراتها رصد طائرات الشبح المعادية ومسكها ومعالجتها، إذْ تتحوّل “الشبح” إلى مجرد طائرة إعتيادية… وهذا الإحتمال وارد.
إذا إنقضى عقد أو إثنان على الـ”F-35″ وأضحت عتيقة وبالية ومتراجعة، وإنبثق طراز أحدث أو جيل لاحق مُطَوَّر ذو مواصفات تفُوقُها وتطغى على النماذج الراهنة، فتستحصل عليه “إسرائيل” قبل الآخرين، عندئذٍ لا تمانع… ولكن هذا الإحتمال سوف لا يَتحقق إلاّ بعد إنقضاء (3-4) عقود من يومنا الراهن.