23 ديسمبر، 2024 5:55 ص

إسخر ثم إسخر للتغيير ﻻ للضحك على ذقون الجماهير !!

إسخر ثم إسخر للتغيير ﻻ للضحك على ذقون الجماهير !!

ربما أكون انا العبد الفقير الى الله واحدا من الصحفيين العراقيين اﻷكثر وﻻ ازعم وبأي حال من اﻷحوال اﻷبرز في السخرية من الواقع وملابساته في العراق ﻷن التقييم هنا متروك أولا وآخرا الى الجمهور ، وﻷن من مدح نفسه ذمها ، وﻷن السخرية من الواقع – مرارة – داخلية تعمل عملها في صدر كاتبها وقد ﻻتستحق الثناء وربما حتى التقييم !
ومن خلال خبرتي المتراكمة في مجال الكتابة الساخرة توصلت الى نتيجة خطيرة مفادها ، ان ” السخرية من اﻷلم ان شطت بعيدا عن أهدافها ، أو إن كانت غير واعية وﻻ هادفة وبلا رسالة ناضجة وﻻ رؤية واضحة فأنها ستتحول بتأثيرها الى مايشبه “اللطمية” حذو النعل بالنعل بمعنى وبدلا من ان يطيل المحزون بكاء ولطما على مصيبته من دون ان يحدث تغييرا قط ، فإنه سيطيل الضحك عليها بالكتابة الساخرة وكلاهما – البكاء والضحك – في هذه الحالة افيونان مخدران سرعان ما سيمسح الباكي أو الضاحك بختامها دموع فرحه أو حزنه بمنديله مع – طووووط – قصيرة او طويلة بحسب شدتهما على مأساته لينصرف بعدها الى شأنه وكأن شيئا لم يكن على إعتبار أنه قد ادى المهمة وأفرغ الشحنات الداخلية ونصر الحق وازهق الباطل وواسى المظلوم – بالمشمش – بزعمه ، مع ان الحق لم يقبض منه شيئا قط لابضحكه ولا ببكائه ، طالا أو قصرا !!
وبناء على ماتقدم أقر واعترف وأنا دائم الجلد لذاتي ودائم النقد لكتاباتي قبل أن ينقدني ويجلدني الاخرون ، أن هذه الاشكالية واجهتني كثيرا من دون أن ينبهني عليها أحد وقد لمستها في بعض مقالاتي الساخرة قبل أعوام يوم كان يقرأها المتابعون ويضحكون من سخريتها اللاذعة في المقهى من دون أن يعلموا بأنني كاتبها وقد كنت أستشعر بألم حجم التخدير – اللا إرادي – الذي كنت اقدمه للقراء على طبق من ذهب وكان من المفترض بي أن اكتب لتهييج المشاعر ودفع أصحابها للتغيير والاصلاح والثورة على الواقع والانتقال بهم من حالة السكون الى الحركة وبأقصى سرعة ممكنة ، ﻻ الى الاكتفاء بالضحك والرقص فوق الجراح النازفة وكأننا في مسرحية كوميدية نتناسى خلال مشاهدها وفصولها واقعنا المرير لساعتين أو أكثر لنعود اليه مجددا وننسى المسرحية – وابو أبو المسرحية – بكل افيهاتها ومواقفها الضاحكة تحت وطأة الواقع و سياطه اللاهبة ما دفعني الى تغيير نهج السخرية بالتدريح لتتحول الى كوميديا سوداء ايجابية ناطقة وواعية وغير منحازة اﻻ الى المهمشين والمظلومين ايا كان انتماؤهم ..بدلا من كوميديا سوداء سلبية صامتة ذات بعد لايخلو من الانحياز الواضح لهذا الطرف او ذاك على حساب الحيادية كما كانت في بداياتها ..وانا عازم على زيادة نسبة التوابل وإجراء تغيير جذري في أسلوبي المتهكم كي لا اقع في المحذور ، ﻷن تقديم الحرامي على سبيل المثال وكما يحدث في مقاطع الفيديو الساخرة التي يتبادلها المثقفون من خلال الواتس اب والفايبر وعلى مدار الساعة على انه شخصية مضحكة ولطيفة وساحرة وذكية برغم سرقاتها وزلاتها تدفع الناس لاشعوريا الى – حب الحرامية -والتجاوز عن مثالبهم بدلا من بغضهم اضافة الى التزلف لهم وتقليدهم وتناقل طرائفهم ومواقفهم على سبيل التفكه ما يمنحهم شعبية بدلا من احتقارهم وعزلهم وﻻ اريد ان اذكر من اقصدهم وحسبي نباهتكم في ذلك وﻻ ادل على ذلك من تحول الزيبق وعلي بابا و ابو جاسم لر ، الى ايقونات في التراث والفلكلور العربي وكلهم لصوص ، فيما تحول جحا الغبي ولنفس اﻷسباب الى شخصية اشهر من نار على علم برغم بلاهته ..وتحول اشعب البخيل ولذات اﻷسباب الى الشخصية اﻷظرف في التأريخ برغم بخله ، وتحول بشار بن برد الشعوبي الزنديق الى واحد من أمتع الشعراء برغم الحاده ومجونه وكذلك ابو الشمقمق في الذائقة الادبية التراثية بما يعرف بـ بشعراء الكدية ، وتحول ابو نؤاس السكير الماجن الى تمثال وسط بغداد اعتزازا به بل وسمي احد شوارع بغداد بأسمه فيما لن تجد شارعا واحدا وﻻ نصبا واحدا بأسم الطبري او ابن الجوزي او الماوردي او الرازي وغيرهم مع كل اﻷسى واﻷسف …وخلاصة ما اريد الوصول اليه وستجدونه في مقالاتي المقبلة بأذنه تعالى هو ، ان ” المقالات الساخرة يجب ان تتضمن فكرة ومضمونا وتنتهي برسالة جلية واضحة تحدث عصفا ذهنيا وتزود المتابع بكم معلوماتي ﻻبأس به ، ومقترحات وحلول وتوصيات فيما بين السطور فضلا عن مقدماتها وخواتيمها تشحذ همته وتنير بصيرته وتوغر صدره على الفاسدين و المفسدين مهما كانت عناوينهم ، مقال لن يسمح للقارئ وان اطال الضحك على سطوره بان يكتفي بالقهقهة اثناء القراءة و بـ – الطوووط – في نهايتها وانما ان يتبعها بقفزة واعدة الى امام للتغيير والاصلاح وبأعلى همة وبأقصى درجات النشاط والحيوية واﻻ ..فلنكف عن السخرية وعن الكتابة وعن البكاء فانها لن تجدي نفعا اذا ما ظلت على ماهي عليه الان من اسفاف وتسفيه من دون احداث التغيير المطلوب على ارض الواقع .
وختاما لن اقول كما قال الشاعر والملحن عبدالرحمن بن مساعد “إحترامي للحرامي صاحب المجد العصامي” للتعريض به، ﻷنها ومن وجهة نظري داخلة في السخرية السلبية التي تمنح اللصوص ميزة التفوق والنباهة والدهاء ورغبة الجمهور بتقليدها كونها اﻷجرأ واﻷفطن واﻷمتع ، وانما ” استمع لنصحي وأنصت لزبدة كلامي ، وقم صديقي وسر بحزم امامي لنقذف لصوص الارض والفاسدين بكل الاحذية ..وجميع الصرامي !!
.. اودعناكم اغاتي