_فن التمثيل لم يكتفي بالتعامل مع سيكولوجية المجتمع والتعامل مع مزاجه العام.. فقد ذهب إلى أبعد من ذلك بتوظيفه سياسيا،حقا لقد تطور فن الدراما لينقل المسرح من تلك الخشبة الى أرض الواقع فتتسع مساحة كتابة السيناريوهات لتشمل أغلب جوانب حياة البشر.. هذا ما يحصل في استراتيجيات العهد الإمبريالي الذي تعيشه الإنسانية حاليا..ملوك ورؤساء يتقنون أداء أدوارهم البهلوانية ومسخ من الحاشية تتقن التبجيل، إضافة لجماهير تصفق بحرارة أو تُسحق وفقا لتوجيهات المخرج الخفيّ.. وهنالك أدوار جانبية لإثارة الصخب أو الفوضى.
الاستبداد أحيانا يتجاوز حدود الممارسة الفردية ليعبر عن طبيعته في عقيدة تشتمل على جملة أفكار شاذة عن الفطرة الإنسانية ومنطق الأشياء، هذا ما حدث مع النازية وما تكرسه الحركة الصهيونية مع نظرية ولاية الفقيه الخمينية.. فالخطر في هذه الحالة لا يقف عند حدود الفرد الدكتاتور الذي تفرض حالته ظروف معينة تنتهي مع هلاكه أو سقوطه بسبب تصرفاته الشاذة واستهتاره بالقيم الانسانية.. ان مثل هذا الخطر يستشري كالوباء الذي ينشط متى وجد البيئة المناسبة لانتشاره خاصة بين الاوساط الجاهلة بالحياة والتي لا تُطيق التعاطي مع متطلبات التقدم الحضاري أوالمدمنة على تحجرها الكهنوتي الوثني . ما بين عقيدة الشعب المختار العنصرية وعقيدة المنقذ المخلص السوبرمانية ظهرت عقيدة الولاية الخمينية بمفهوم تجاري لتصدير الجهل والخرافات بعنوان ثوري، ولكي تنجز مشروعها الطائفي والعنصري كان لابد أن تسوّقه بغلاف ثورة الشعب الإيراني ضد نظام الشاه محمد رضا بهلوي..تلك الثورة التي أنتجها الفقر والاستبداد ومصادرة النظام لجميع حقوق الإنسان ولم تكن دوافعها دينية وفق أي شكل من الأشكال، إن الشعوب الإيرانية كانت تتطلع الى الرقي الإنساني وتحلم بالتحرر من قيودها في مواكبة التقدم الحضاري بنزع سلطة الأسرة الشاهنشاهية لإقامة نظام وطني تتمثل فيه جميع المكونات القومية والطائفية بدون تمييز واستعلاء أو استئثار من قبل فئة على أخرى.. ذلك الحلم الذي تبدد وتحوّل الى كابوس مرعب بمصادرة ثورته واستيلاء طبقة دينية متعفنة في دهاليز الطائفية على جميع مقدراته وثرواته، ومن خلال إغتصاب ومصادرة الثورة تم إعلان تصديرها؟ في علم السياسة يتم التحكم بميول وأهواء البشر أو تقنينها وتصريفها ضمن أجندات لتحقيق أهداف محددة وغالبا ما تدخل تلك الأهداف كعوامل في معادلة أوسع شمولية.. إذا نتعدى الغلاف لنبحث عن المحتوى سنجد الأفكار ذاتها تتلون حسب البيئة المحيطة فيها لتلبس ما تدغدغ به الأهواء والعواطف وبعض العقول المتحجرة.. هذا بالتحديد ما جسدته النازية والصهيونية وتجسده الخمينية في ثالوث رؤوس الأفعى العنصريّة الذي تم قطع رأسها النازي في المانيا . إن غالبية المهتمين بفلسفة الأديان والبحث عن جذور الأفكار والعقائد يؤكدون بأن التلمود اليهودي قد تم تدوينه منذ بداية عهد ملوك الدولة الأخمينية في بلاد فارس.. خصوصا داريوس الذي دعم وساعد اليهود على اعادة بناء هيكل سليمان سنة 515 ق م الميلاد بعد خرابه من قبل نبوخذنصر البابلي بحادثة السبي المشهورة في سنة 586 ق م.. فقد نال اليهود حضوة كبيرة ودعما لهم من قبل ملوك الفرس بسبب ولائهم وتعاونهم معهم في اسقاط الدولة البابلية حيث كانوا يعيشون في العراق بعد السبي المذكور..حتى أن كتاب أشعياء كان يسمي قورش الفارسي بمسيح الرب، وقد جاء ذكر ملوك الفرس في كثير من كتب اليهود مثل كتاب عزرا وكتاب دانيال، وغالبا ما يكون ذكرهم مدعوما بالتبجيل والتعظيم وأوصاف دينية تضعهم بمستوى ملوك بني اسرائيل، ولا يعتبرونهم من الأعداء كباقي ملوك الأمم ؟
ولمن يراجع تعاليم المجوسية ويدقق جيدا سيجد اغلب مفردات التلمود مستنسخة عن هذه الديانة أو تراث الحكم الفارسي الأخميني.. ومما هو جدير بالإهتمام والذكر من تلك المعتقدات فكرة المنتظر أو المنقذ المخلص للعالم، وهي الفكرة المستوحاة عن فحوى الزرادشتية المجوسية.. تلك العقيدة التي تقدّس الذهب والنار والقوّة الخارقة التي تتوهّج بحلول الروح العظمى فيمن تختاره ليكون منقذا إلهيّا..حول فلك هذه الفكرة الحلوليّة تدور عقيدة الغائب المنتظر. فلا غرابة إذا كانت النار التي لا تنطفئ في معابد ايران المجوسية هي ذاتها تتوهج في محرق قرابين بني اسرائيل، ومن كتاب (الأفيستا) الذي يلخص الزرادشتية إستوحى الفيلسوف الألماني نيتشه فكرة السوبرمان التي لخصها في كتابه المسمى (هكذا تكلم زرادشت ) هذه الفكرة ألهبت روح الألمان بمشاعر التفوّق العرقي على جميع الأجناس البشرية وسمحت لهتلر النازي أن يبيح لنفسه حرق الملايين من البشر على اعتبارهم حشرات أو كائنات دونية ؟ وما بعد النازية والصهيونية.. ظهرت الخمينيّة من مهد البيئة التي أنتجت الأسطورة، فهي لا تختلف عنهما بشيء سوى أنها مقنعة بعمامة طائفية اسلامية ؟ إنها نفس الأفكار ونفس المنهل والأصول بذات المنهج العنصري المتوحش الدموي، لكن التساؤل الأهم في كل ما ذكرناه هل هنالك من يدير بشاعة ما يدور على مسرح الواقع البشري ويستثمر كل ذلك سياسيا بهدف الهيمنة الإمبريالية؟ لا شك أن مشروع اسرائيل الذي كان شعاره ” يا اسرائيل حدودك من الفرات الى النيل ” لم يتعطل بعد.. وهو فك الوحش العلوي.. ثم جاء مشروع ولاية الفقيه الطائفي بالفك الأسفل ليكون الإنسان في الشرق الأوسط قربانا لنيرانهم التي لا تخمد بوجوب تعاليم معتقداتهم العنصرية اللاهوتية..أما التراتيل فهي تمتزج بين صخب اللطم الطائفي الملطخ بالدماء على نعي المظلومية في شوارع الديمقراطية التي عبدتها الصهيونية خلال ملحمة تدمير كل آثار الحضارات التي شيدها الإنسان على أرض وادي الرافدين، إن الأكذوبة تفضح نفسها لمجرد أن تتعرى . في القدس ثلاث شواهد تعتبر مقدسة للديانات الثلاثة.. اليهودية في هيكل سليمان المندثر والمسيحية في كنيسة القيامة والإسلام في المسجد الأقصى الذي شيده الخليفة عمر بن الخطاب وتم توسيعه في العهد الأموي ولا نعلم أيهم مقدّس في العقيدة الخمينية ؟ لكن المستبعد أن يكون المسجد الذي شيده عمر بن الخطاب لأن هذا الخليفة من الدّ أعداء عقيدة ولاية الفقيه لأسباب تتعلق بتحطيم الامبراطورية الفارسية الى حد بأن تعاليم هذه العقيدة تأمر في قتل كل مسلم اسمه عُمر.. أما لماذا شعار الطريق الى القدس، فالمؤكد أن اطلاقه كان من أجل العناق الروحي واستكمال الأسطورة التلمودية التي تم نسجها ورسمها بدقة الحياكة على بساط الكاشان الإيراني لكي تفترش في معبد الهرطقة الصهيونية ,,, وهكذا يعيد التاريخ نفسه بذات التعاليم القديمة المنقوشة في التلمود والأفيستا المجوسيّة.. آية المنتظر الموعود لمجد صهيون من عهد قورش و داريوس الى جمهورية نائب الغائب الخميني ,, أمّا ما تبقى من آيات العمائم فهم سماسرة المضاربة في بورصة تصدير الثورة الخمينيّة …