خلال لقاء أجرته قناة روسيا اليوم معي، إستحضرت وقائع أطول ليلة في تاريخ العراق، غطى صباحها السنوات العشر التي تلتها، حتى هذه اللحظة؛ لأن خصوم نائب رئيس الجمهورية نوري المالكي، حاولوا لوي الحقائق التي جرت ليلة إعدام الطاغية المقبور صدام حسين، محرفين تصريحاتي عن مراميها، إذ كان المالكي.. حينها.. رئيس وزراء، أي رأس السلطة التنفيذية في العراق، أقدم على موقف فائق الشجاعة، بإصدار أمر ديواني جريء، بإعدام الطاغية، يحسب له تاريخيا.. أقر به وأعترف.. برغم الخصومة التي أنشبها بعض العاملين في مكتبه، مؤلبين ضدي… لكن الحقيقة تقال؛ لأن الساكت عن الحق شيطان أخرس، مهما خسرت في خلاف إستنزفني من دون ذنب.
يحق لي إنصاف المالكي، مثلما أنصفت صدام، بالإعلان عن تماسكه وهو يواجه الموت، بينما ثمة أدعياء، نسبوا لأنفسهم بطولات، وهم في موضع خزي، حين إرتعدت فرائصهم أمام صدام الذي سخر منهم، قائلا: “يول إشبيك ترجف.. آنة اللي راح أنعدم مو أنت”!
لذا إنصافا للمالكي أقول: كان رجل الموقف بحق، ليلتها.. بحجم المسؤولية… متساميا عن الضعف الذي وقع به آخرون، تنصلوا من مهماتهم، متهربين تحت أعذار واهية، بينما ظل المالكي قويا، يصدر قرارات سدت شاغرا فغر فاه؛ جراء تلكؤهم الذي كاد يفضي بصدام الى الهرب!!! كما لو يتواطؤون مع إرادات عالمية كبرى خططت لتهريبه خلال العيد عام 2006؛ فلم ندع صلاة الأضحى تقام وصدام حي، مفوتين الفرصة على الشركة الأمنية التي تعهدت بتهريبه، مثلما هرّبت قبله أيهم السامرائي ونمير دهام.
قلت ما رأيت صدام عليه، من تماسك، بمواجهة الموت، وأرواح شقيقيّ وعائلتي التي دمرها، تطوف حولي؛ لكن الحق أحق أن يتبع، وأقول ما للمالكي، من بطولة في تخريج إعدام صدام من عنق زجاجة التواطؤات المحلية والخطط العالمية، التي أبت إلا أن تنتشل عنقه من حبل المشنقة، لكن الله وقوة المالكي وحسن تدبيري، أفلحت في أن تبهج فؤاد كل ثاكل وأرملة ويتيمة.
يؤخذ على المالكي سقوط الموصل، في حين الأنبار سقطت في عهد رئيس الوزراء د. حيدر العبادي، والأنبار أخطر وأهم عسكريا من الموصل؛ لأنها ممر يعطي “داعش” مرونة في التحرك المناور بين العراق وسوريا، عبر متاهات رمل الصحراء السافي كثبانا مهولة، وتحت أقبية السراديب والكهوف التي حفرها “داعش” بأحدث تكنلوجيا أعارته إياها قوى عالمية، تعودت على رسم السيناروهات…
الأنبار إحتلها “داعش”.. فرهدها من بين أصابع حيدر العبادي، بوجود التحالف الدولي، فمن أولى بالملامة.. التحالف الدولي أم المالكي، وهو ليس في المسؤولية!؟ والفساد.. قائم قبل وأثناء وبعد رئاسة المالكي للوزراء، فلا تثريب! والبعثية متسللون الى مكاتب المسؤولين كافة، تغلغلوا في العملية السياسية، بقدرة قادر، وعجزنا عن نهرهم! وضعف السلطة كان وما زال وسيبقى.. قبل وأثناء وبعد المالكي… فماذا عدا مما بدا؟
الشارع العراقي، تحت ضغط الفساد وشحة الخدمات، لا يعرف أين يلتجئ.. يؤيد مَن ويناوئ مَن؟ تضببت رؤية المستقبل في بصيرته، ولم يعد يثق بأحد.
من هذا نخلص الى أن ما يلام المالكي بشأنه، واقع حال، لم يفلح من تلاه بمعالجته، بل زاد الطين بلة وترك الإنهيارات تتدهور الى سفح الهاوية، من دون أن يتمكن من إقاف التداعي، فعلا مَ يلام المالكي، مادام الذين سبقوه والذين تلوه، لم يكن بإمكانهم أكثر مما كان منه!؟