الإستهداف الأخير لشركة أرامكو السعودية، يعد الأعنف من بين الضربات التي طالت المملكة العربية السعودية، خلال الأشهر الخمس الماضية، خصوصا بعد تغيير الأسترتيجية العسكرية لجماعة الحوثيين اليمنية (أنصار الله)، والتحول من المواجهة العسكرية المباشرة إلى الضربات النوعية عبر المواجهة غير المباشرة، ونقل المعركة إلى الجغرافية السعودية، من خلال التطور التكنلوجي الملحوظ لجماعة أنصار الله اليمنية، عبر إستخدام الطائرات المسيرة والصواريخ الباليستية والمجنحة وهما من نوعي سكود وكروز المعدل، ويبدو واضحا” بدعم إيراني مكثف عبر الإستعانة بالخبرات الروسية والكورية لشمالية وحتى الصين.
الدلالة الواضحة في هذه الضربة (الفوق_ الإستراتيجية)، كانت بمنتهى الدقة لإصابة الأهداف المنتقاة بحسابات نوعية، لما تمثل هذه المنطقة النفطية (أرامكو) من بعد إقتصادي، ليس للملكة العربية السعودية فحسب، بل للسوق النفطية العالمية أيضا”، حيث إن هذا الإستهداف كان سببا” في خسارة إنتاج خمسة ملايين برميل يوميا” وهو رقم مهول جدا” في مستوى الأنتاج وله تداعيت سلبية على الإقتصاد السعودي، كما وإن الخطير في هذا الإستهداف (لأرامكو)
تجاوز كل الحصون الدفاعية لا سيما عشرات المنظومات الدفاعية من نوعي باتريوت وثاد الأمريكيتين، وهذه النقطة تحديدا” سوف تدفع الحوثيين، بالتفكيير للمضي بهذه التكتيك( الإستنزافي) المرعب، خصوصا وإنهم ماضون بهذا الأسلوب عبر تكتيكات متصاعدة ضمن بنك أهدافهم الذي صرحوا عنه إنه يضم ثلاثمائة هدف نوعي.
السؤال الذي أود ان أفكك معادلته اللغزية، هو من كان وراء إستهداف أرامكو؟ فهنالك أكثر من إحتمال ورأي تناوله الإعلام العربي والدولي بهذا الخصوص، وسوف أتعرض لأقوى الإحتمالات بتحليل واقعي ومجرد ما أستطعت.. وإليكم ما توصلت إليه من قراءة تحليلية:
الإحتمال الأول_ بعض الإعلام الأمريكي والإسرائيلي وحتى العربي، روج على إن الضربة كانت من الفصائل المسلحة العراقية الموالية لإيرن وبتوجيه إيراني، ولو سلمنا جدلا” إن الحكومة العراقية كانت عاجزة ولا تستطيع منع تلك الفصائل( وهذا خلاف الواقع والحقيقة) ، فهل من مصلحة إيران فعل ذلك؟
أقول:هذا يناقض نهج السياسة الإيرانية الدقيق بحسابته، حيث إن إيران تعمل على توزيع الأدواربين الفصائل الموالية لها في المنطقة على أن تراعي إبعاد فصائل المقاومة العراقية من أية خروقات للقانون الدولي أقلها المرحلة الحالية، كي تجنب العراق أية عقوبات إقتصادية ولا سيما الأمريكية، لإن العراق هو الرئة التي يتنفس منها الإقتصاد الإيراني، ولذا فهذا الأحتمال مستبعد بالحسابات السياسية المنطقية.
الثاني_ إن الضربة أتت من قبل أنصار الله الحوثيين، دون أن تكشف من قبل إنظمة الدفاع الجوي الأمريكية المنتشرة في الأرض والبحر والسماء السعودية والخليجية ولا حتى من عشرات الأقمار الصناعية، هذا المبنى والإحتمال يعد ضرب من الخيال وغير منطقي ولا يقبله العقل، بحكم ما تمتلك أمريكا من تطور تقني وتكنلوجي وشبكة أقمار صناعية تجسيسية ترصد كل صغيرة وكبيرة، علما” إن تلك الطائرات المسيرة أو الصواريخ المجنحة يتطلب وصولها من ساعة إلى ساعتين بأقل تقدير من مكان إنطلاقها إلى موقع الضربة والإستهداف.
الثالث_ نعم الضربة حوثية وقد تكون ب(صماد3) أو بواسطة الصواريخ المجنحة الأسترتيجية المسماة(قدس) وهي عبارة عن صواريخ كروز المطورة والمعدلة، والتي لها قدرة على حمل رؤوس حربية، وبتحليلي ووفق الإمكانيات التكنلوجية والتقنية الأمريكية المتطورة هذه الأهداف الجوية الحوثية كانت مكشوفة لمنظومة الدفاعات الجوية الأمريكية ولكن تعمدت بعدم إسقطها، وأعتقد السبب من وراء ذلك تحقيق أكثر من غرض:
1_ إستغلال نجاح الضربة الحوثية، لزيادة (فوبيا إيران) عند دول الخليج عموما” وتحديدا” السعودية والإمارات من أجل زيادة الإبتزاز الأمريكي لهم عبر زيادة تكاليف الحماية وإبرام عقود تسليح جديدة والدفع بقوات أمريكية للخليج وهذا ما حصل فعلا” بعد هذه الضربة وما تصريح دونالد ترامب إلا تأكيد لما ذهبت إليه من مبنى ورأي حيث قال ما معناه: على السعودية أن تعتمد على نفسها ولو طلبت حمايتنا عليها أن تدفع.
2_ يريد من خلال إستغلال هكذا ضربات، تحشيد الرأي العام العالمي، على إن إيران تشكل مصدر للسلم الدولي، كما وإن أمريكا لا تفكر بالقيام بتوجيه ضربة عسكرية لأيران على الأقل خلال ولاية ترامب الأولى، بل إن الولايات المتحدة الأمريكية بات من المؤكد إنها تعول على عاملين لتحجيم إيران النفوذ الإيراني من خلال العقوبات الإقتصادية والسياسية، فإقالة جون بولتون مستشار الأمن القومي والذي هو عراب صفقات الحروب العسكرية للعقود الثلاثة المنصرمة وقدوم (روبرت اوبراين) خبير التحكيم الدولي وعراب صفقات الرهائن السرية.. يبين أن أمريكا ترامب ماضية بإدارة الأزمات وبكلف صفرية في المنطقة بل وتحويلها إلى مشاريع إقتصادية مربحة مع إستنزاف دول المنطقة.
الإحتمال الرابع_ أن تكون إسرائيل هي من كانت وراء الضربة التي أستهدفت شركة أرامكو، وما يعطي هذه الإحتمال قوة ومصداقية الحدوث هو دقة الضربة النوعية من حيث إستمكان الأهداف ودقة إنتقائها وإصابتها.. وأعتقد إن إسرائيل إستغلت سيطرة أمريكا على أجواء العراق والكويت والسعودية وهي الشريك في صناعة الأمن الإسرائيلي الإسترتيجي القومي، وقد تكون هي من زودت إسرائيل بصور للأقمار الصناعية وطائراتها المسيرة الحديثة ومن الجيل الخامس والسادس لمنطقة الإستهداف .. والغرض من ذلك خلط الأوراق في المنطقة وإدخال العراق في أزمة مع السعودية مع توجيه الإتهام لإيران بنف الوقت كون الطائرات المسيرة أو الصواريخ إنطلقت من الأراضي العراقية( بحسب إدعائات أمريكا وإسرائيل) وبتوجيه وسلاح إيراني…
أقول: قبل أن نتعقب الجاني لابد من مسائلة الحارس الباهض الكلفة والثمن.. أمريكا! لما تقف متفرجة عند مفترقات الطرق ألإسترتيجية؟.