في سابقة لم يعرف لها مثيل في تأريخ السياسية العراقية منذ عام 2003 وإلى اليوم – إلا بعض الحالات النادرة جداً ولم تثير الإنتباه في وقتها –ماضيين وخلال اليومين ال أقدم ستة وزراء في حكومة العبادي على تقديم إستقالتهم دفعة واحدة لرئيس الوزراء وهم وزراء يمثلون التحالف الوطني الشيعي, والجميع يعلم إن ثقافة الشعور بالمسؤولية وتحمل الخطأ غير موجودة في قاموس ساسة العراق فما الذي دفع بهؤلاء الوزراء لتقديم إستقالتهم ياترى ؟ ولماذا قبل العبادي استقالتهم ؟.
قرار العبادي بقبول إستقالة الوزراء جاء نتيجة توصيات أميركية من أجل تعيين وزراء تكنوقراط يمثلون رغبة الشارع العراقي وبهذا يتم إمتصاص غضب الشارع العراقي من جهة ومن جهة أخرى توجيه ضربة موجعة لإيران بحيث تقل نسبة الوزارات التي تمول الكتل والأحزاب الموالية لإيران, أما الدافع الذي بسببه قدم هؤلاء الوزراء إستقالتهم هو ضمن توجيه إيراني يقوده ربيب إيران نوري المالكي, فالأخيرفي الوقت الحالي يسعى إلى العودة إلى الحكم ” الولاية الثالثة ” لمصلحة إيران بعودته كونه الخادم الأول لها في العراق وبعودته تمرر كل المشاريع الإيرانية هذا من جهة ومن جهة أخرى عودة المالكي إلى الحكم تعطيه حصانة خصوصاً بعدما حمله الأميركان مسؤولية دخول داعش إلى العراق وبالتالي تحمله مسؤولية كل المجازر والدمار التي لحقت بالعراق فضلاً عن إدانة تقرير لجنة التحقيق في سقوط الموصل له , وقد عبر المالكي عن رغبته بالعودة إلى الحكم في حال حصل توافق سياسي على ذلك الأمر ولأكثر من مرة .
ومن أجل ذلك نرى المالكي الآن يقود حراك سياسي يحاول من خلاله تشكيل تحالف قوي يطيح بالعبادي ويجعل الطريق إلى منصب رئيس الوزراء سالكاً , فهو على حراك مستمر فتراه يتفاوض مع الأكراد أعداء الأمس الذين أتهمهم بالتسبب في سقوط الموصل وإدخال داعش للعراق وكذلك بالتعدي على الدولة العراقية بمحاولة إستحواذهم على كركوك ونفطها وضمها إلى الإقليم وهذا الأمر الذي يفاوضهم عليه الآن, بحيث يريد منهم أن يدعموا عودته إلى الحكم لقاء تنازله لهم عن كركوك ونفطها, إلى جانب ذلك الحراك فقد وجه قادة التحالف الشيعي الموالي لإيران بالتحرك من أجل الإطاحة بالعبادي من خلال انقلاب أبيض, وهذا يتضح جلياً من خلال قضية استقالة الوزراء الستة, فالعبادي يريد أن يعين وزراء تكنوقراط حسب توجيهات الإدارة الأميركية وقادة التحالف يريدون تعيين وزراء وفق الإستحقاق الإنتخابي وفي حال عدم إمتثال العبادي لطلبهم فهم سيعملون على سحب الثقة عنه.
وفي حال سحبت الثقة عن العبادي الذي لا يملك ظهيراً برلمانياً سوى بعض النواب السُنة وعددهم فقير مع دعم مشكوك من قبل كتلة التيار الصدري بسبب موقف رئيسه مقتدى الصدر المتقلب , ولهذا ستكون إقالته أمر مفروغ منه, لأن نواب المالكي ومعهم أعضاء التحالف الشيعي مع ضم الأكراد وبالتأثير على بعض النواب السُنة أما بالابتزاز أو بالإغراء سيشكل كتلة برلمانية كبيرة, وبهذا يضمن المالكي حصول التوافق السياسي الذي لوح عنه بعد تفجيرات الكرادة, وهذا إن دل على شيء فإنه يدل على إن كل المطالبين بالإصلاح من السياسيين الآن يحاولون الإلتفاف والتغرير بالشعب العراق وكذلك هي عبارة عن ورقة ضغط على الخصوم من أجل تحقيق مكاسب حزبية وشخصية ضيقة يسعون من خلالها إلى إرجاع العراق إلى المربع الأول كما عبر عن ذلك المرجع العراقي الصرخي في استفتاء ” اعتصام وإصلاح …. تغرير وتخدير وتبادل أدوار ” حيث قال …
{{… -أدنى التفاتة من أبسط إنسان تجعله يتيقّن أنه لا يوجد أمل في أيِّ إصلاح لان كل المتخالفين المتنافسين المتصارعين قد اتّفقوا على نفس التهديد والتصعيد وهو سحب الثقة من رئيس الحكومة وحكومته!!! وهذا التهديد ونتيجته الهزلية يعني وبكل وضوح الرجوع إلى المربّع الأوّل في تشكيل حكومة جديدة حسب الدستور الفاشل وتوافقات الكتل السياسية نفسها والدول المحرّكة لها.
ـ وعليه ينكشف أن الإصلاح ليس بإصلاح بل لعبة للضغط والكسب أو للتغرير والتخدير وتبادل الأدوار قد أذنت به أميركا وإيران !!.
ـ وهل تلاحظون أن الجميع صار يتحدث ويدعو للإصلاح وكأنهم في دعاية وتنافس انتخابي !! و موت يا شعب العراق إلى أن يجيئك الإصلاح!!!.
ـ وهكذا سيتكرر المشهد إلى أن تقرّر أميركا تغيير قواعد اللعبة السياسية في العراق، أو أن ينهض شعب العراق ويلتحق بالشعوب الحرة مقتلِعًا كل جذور الفساد، حيث لا يوجد أيُّ مسوّغٍ للقعود والخضوع والخنوع لا في الشرع ولا في المجتمع ولا في الأخلاق …}}.
وهنا نسأل هل سينجح المالكي في العودة إلى الحكم وتنتصر الإرادة الإيرانية ؟ أم سيكون لأميركا موقفاً يبدد هذا الحلم الإيراني؟ أو ستكون هناك كلمة للشعب العراقي توقف تلك المشاريع الإستكبارية التي إتخذت من الإصلاحات جلباباً لها ؟ الأيام كفيلة بالإجابة على ذلك التساؤل .