23 ديسمبر، 2024 5:17 م

إستعادة حرفية المفاهيم في قصيدة النثر – 2

إستعادة حرفية المفاهيم في قصيدة النثر – 2

كان الشعرُ ومذ الإصطلاح عليه شعراً كان ولو بدرجاتٍ يعي أعماقَ اللاوعي ويقدمُ تداخلاته عبرَ الأصواتِ التي تمنَحُه قدراته التجريدية وكان إستغراقُه في المكونات الكونية طرفاً أساسياً في منحه تلك الخصائص الصوتية واللونية كما أن أستغلاله لموجودات الطبيعة المهمة والضرورية وما تم خلقه من الأساطير والخرافات وما أُصطلحَ عليه أيضا بمفهوم الرمز قد دعم التوجه البدائي الفطري نحو الفلسفة أي نحو فلسفة الشعر والإفادة من الصراع الأزلي الذي يعانية الإنسان مابين الإنسان كوجود خارجي وبين الكون من جهة ومن جهة أخرى وبين وجوده الباطني وتحديه لذاته ، فالشعر في أي من الإتجاهات يقدمُ رؤيةً تنظيريةً ما ويقدمُ المُتعةَ الشعريةَ التي تتم من خلال الحركة المزدوجة مابين الإنفتاح على العوالم الكونية وبين الرضوخ لها وهذا بدوره قد أدى الى تحول ما في الأسلوبية وفي المضمون تنوعت مابين الكتابة الغامضة أو الغموض الساخر ومابين الإستخدام المباشر للأفكار المجردة وقد تناوبَ الشعراءُ على إستخدامات المؤثرات الشعرية من خفض المستويات العاطفية الى الإيجاز القصير المرافق للقوة الإيحائية ولاشك أن الشعرَ في بعض مراحله ونتيجة لتأثره ببعض الإشكالات الأقتصادية والسياسية والدينية قد إكتسى بالزخرفة والتعجيل وبعضه نحو التوجه الغنائي وبعض البلاغيات التي رافقتها الفجاجة هنا أو هناك وربما مهد ذلك كنقيض لما كان يُكتبُ أو الى ثورة ما على المفاهيم السائدة والى الجنوح نحو التنافر المبهم والذي يزخر هذا التنافر بالحركات الأثيرية والصور المقطعة والتراكيب المضادة والبعد اللامرئي وقد تكون تلك اللوازم  قد شكلت فيما بعد البداياتُ الأولية لقصيدة النثر كون تلك اللوازم قد إحتوت  على البعض من خصائص هذه القصيدة  ،
وكأساس فلقد خَلَقَ النثرُ الشعريُ قاعدةً جديدة للخلاص من القصيدة الكلاسيكية ومهدَ لعملية الإنتقال لقصيدة النثر والتي لها قضاياها وظواهرها الفنية والمعنوية ومنطقها المبعثر الذي شكل في رؤيا بودلير شكلا لما بعد الكتابة ،
 إن هذا الخلاص من القصيدة الكلاسيكية يعني تحرير الإنسان من القواعد والأعراف الأدبية ومحاولة إخراجه من داخل حدوده المألوفة وخلق المساحات اللازمة لإستقبال توتره لتحريك المناطق  الأعمق في الروح ولاشك أن المفاهيم التنظيرية للشعر علاوة على تلك التي ذكرناها قد مست مجمل قضايا الشعر كتلك التي تتعلق بمفهوم الحواس والخيال والتخيل وأتفاق نظريتي ورد زورث وكولردج عن هذين المفهومين إضافة لنظريات كانت وشلر وشلنج وسولجر فيما يتعلق بالعلاقة بين الذات والموضوع والإستجابة للأشعور ،
وقد طُرحت أنذاك أي في الفترة التي سبقت قصيدة النثر طرحت مواصفات ما يجب توفرها في الشاعر ومنها الحساسية والعاطفة والإرادة والخيال والتخيل إضافة لبعض المتطلبات الفلسفية أي قدرة الشاعر على التعامل على مافي الكون وقد أوجز كولردج تعريفه للشاعر ضمن التعاريف العديدة والمختلفة بأختلاف الرؤية للغرض فقد رأى كولردج أن الشاعر يعمل بشكل لاشعوري وأن الشاعر من يجيد فن اللغة التفصيلية التجسيدية والشعر غايته ووظيفته اللذة وبذلك فأنه أي كولردج ميزه عن العلم والأخلاق بأعتبار أن اللذة وسيلة خاصة كونها المقياس الحقيقي لأعتماد الجمال من دونه وليس عرضا حسيا للحقيقة كما يعرفه هيجل ،
من ذلك نستنتج أن قصيدة النثر قد نهضت من ثقلين من ثقل القيود والأعراف ومن ثقل تلك المفاهيم التي لم يكتب لها أن تأخذ حيزها المطلوب في وضع النظرية المناسبة للشعر ،لقد كان التمهيدُ بقدر ما واضحاً لرواد قصيدة النثر فيما كان يُطرح من أفكار لإيجاد المكانة المنفردة في الشكل الجديد ضمن تطور الأساليب وما وصل إليه سعي مالارميه في تراكيبه اللغوية التي فتحت بابا جديدا بعدالخمسين عاما أي بعد الفترة من 1800 للفترة 1850 ضمن الأزمات العنيفة التي عصفت فيما بعد بالبشرية بعد ظهور المفاهيم الأستعمارية والحروب والتدهور الأجتماعي والأقتصادي ، ورغم ذلك فقد هيأ كل ذلك وجودا فاعلاً لإكتمال التركيبة النثرية فيما تريد تحقيقه من مفاهيمها التنظيرية
[email protected]