23 ديسمبر، 2024 12:09 ص

إستراتيجية وطنية لمكافحة الحزن

إستراتيجية وطنية لمكافحة الحزن

لو كنت مستطيعا لفعلت الكثير مثل كثيرين في هذا الوطن يكذبون ليل نهار، أو مثل من يدعي انه سيغير كل شيء بين ليلة وضحاها، ويجعل الأمور تتسق، والحياة تسير، والناس تمضي على الطريق القويم، وانه سيطبق القوانين، ويكرس جهوده لبناء دولة القانون والعدل الإلهي، والمؤسسات التشريعية والتنفيذية، ثم لايحدث شيء كمثل الذين يكذبون منذ ٢٠٠٣ والى اليوم، وقد أحالونا الى كائنات بشرية عاجزة كسولة مترددة يطبعها الفشل، ولاتهتدي الى طريق يؤدي بها الى السلامة والكرامة.

الحزن ثقافة عراقية خالصة، لكنها ثقافة سلبية خطرة للغاية فهي تسكر الناس، ونحن في الواقع لسنا بحاجة الى المخدرات، ولا الى المسكرات مادام الذين يحكموننا تحالفوا مع الذين يحكمون بإسم الرب، وكرسوا فينا ثقافة الحزن التي تعودناها، فإذا إنتقدها أحد صار كافرا كريها منبوذا، ويمكن ان يقتل، أو يسحل، ولاتقوم له قائمة بعدها فقد تجرأ وإنتقد ثقافة الحزن السلبية المدمرة.

العراقيون حزينون على الدوام، ليس لأنهم حكم عليهم بالحرب والحصار والموت والمقابر الجماعية والبلاوي التي لاتنتهي، والتي تأتي مع كل حاكم ظالم فاسد متجبر، فحاكم يقتل، وآخر يسرق، وثالث يضيع الحقوق وينهب أموال الشعب، ولكن ايضا لأن ثقافة ترسخت عبر الأجيال إن هذا الشعب يجب أن يكون حزينا، وكأن الفرح حرام، والبهجة إجرام، والسعادة مجرد اوهام، ولايمكن لعراقي أن يشم رائحة الجنة إلا إذا تلطخ بالهموم والغموم، وعاش حياة المكلوم المحروم، وعليه أن يظل جائعا للحزن متعطشا لمواسم الفجائع لكي يتنفس الألم، وكأن الحزن وحده هو المنجى، ولم يتعلم إن الحزن المقدس لاينفعه حين يسرق، وحين يقتل، وحين يزني، وحين يكذب، وحين يفتري، وحين يمارس الرذيلة، وحين يعتدي على حقوق الناس ويلوذ بالطائفة والعشيرة ليحمي نفسه، أو ليتسلط على المستضعفين.

عبر تاريخ الظلم هناك من يمارسه، وهناك من ينتفع منه، وهناك من يتأذى منه.الظلم كما الحزن تجارة فيها الرابح، وفيها الخاسر، وفيها المستفيد المبرر الذي تغيب المظالم عن عينه طالما كان منتفعا مستفيدا من ظلم الحاكم، ولائذا بظله مغتنيا بماله الذي هو مال الشعب المظلوم..الحزن تجارة لاتبور لأن هناك، وعلى الدوام منتفعين منها ورابحين، ولايهتمون لعذابات الناس.

نحتاج إستراتيجية لمحاربة الحزن لكنها غير مضمونة العواقب مادام هناك اباطرة وكهنة وشركات ومؤسسات تقوم على هذه التجارة، ومادام هناك ملايين الذين يثورون على من ينتقد ضياعهم، بينما ينتخبون من يسرق اموالهم، ثم ينفق على مجالس حزنهم من ماله الحرام فيأكلون، ويتضرعون الى الخالق أن يسدد خطاه، ويهديه الى الخير..