23 ديسمبر، 2024 1:44 ص

إستراتيجية التسويق السياسي في التنافسِ الانتخابي – ترامب أنموذجا

إستراتيجية التسويق السياسي في التنافسِ الانتخابي – ترامب أنموذجا

يعد دونالد ترامب رئيس الولايات المتحدة اكثر الرؤساء الامريكيين اثارة للجدل . فمنذ توليه دفه الحكم اثار زوبعة من الجدل الواسع حول طريقة انتخابه وترشحه للرئاسة الامريكية واتهامه بتلاعبه في نتائج الانتخابات لصالحه من قبل دولة اجنبية . ومازال هذا الرجل مصدر جدل بعد اتهام الديمقراطيون له بأتصالاته بدولة معينة من اجل اسقاط خصمه . وشبح عزله جراء ذلك يلوح في الافق .
ترامب الذي اطلق صرخته المدوية وهي شعاره ( سنجعل من امريكا عظيمةً مرةً أخرى) الذي رفعه في حملته الانتخابية وفوزه بعد ذلك على خصمه المرشحة هيلاري كلنتون . جعلت كثير من الكتاب والباحثين في مجال السياسة الامريكية لدراسة الفترة الانتخابية لهذه الشخصية الرئاسية وطريقة ترشحه ومن ثم فوزه ويبحثون عن نقاط القوة والضعف في تلك الشخصية التي ظلت تثير الكثير من الانتقاد والسخرية تارة ومن الاعجاب تارة اخرى .
اثارة فضولي احدى الدراسات عن الرئيس الامريكي دونالد ترامب وكانت للباحث الاكاديمي قاسم حسين السعدي احد التدريسيين في قسم الاعلام بكلية الاداب في جامعة بابل حملت عنوان “استراتيجيةُ التسويق السياسي في التنافسِ الانتخابي ” (دراسةٌ تحليلية في الأساليب التكتيكيةِ للرئيس دونالد ترامب ) .
اعتمد الباحث في دراسته عدد من الفديوهات المنتقاة من اليوتيوب لسلوكيات ترامب اثناء حملته الانتخابية ومناظراته المثيرة للجدل التي بثها الموقع الرسمي لحملة ترامب الأنتخابية وهي محل الدراسة والتحليل. كما اعتمد الباحث على مصادر ومراجع ليضعنا امام دراسة متكاملة تستحق القراءة والكتابة عنها .
يرى الباحث في دراسته ان ترامب قدم إنموذجاً يستحقُ عناءَ الدراسة في مجالِ التسويق السياسي عبر حملته الانتخابية كمنافسٍ ليسَ لهُ باع طويل بالسياسةِ او أي خبرة سياسية أمام خصم يُعد أحد الرموز السياسية الامريكية والمتمثل بالمرشحةِ الديمقراطية هيلاري كلنتون ولكنَّ مع ذلك ، تمكنَ ترامب من الصمودِ أمامها لاسيما في مناظراتهِ الرئاسية . بل والتفوق عليها عن طريق استعماله لجملةٍ من الأساليب التكتيكية وعرضها بكلِ بساطةٍ ووضوح أمام الرأي العام ليطرحَ هيلاري كلنتون (كمُنتَج قديم ) ، فيصور أنها نموذج لسياسةٍ فاشلةٍ،وهذا الطرحُ جاءَ متماشياً مع رغبةِ الامريكيين بالتغييرِ في ظلِ الهموم التي خلفتها إدارة أوباما .فضلاً عن التسقيطِ الذي مارسهُ ضد كلنتون في كثيرٍ من المجالاتِ الذي لاقى على ما يبدو قبولاً لدى الكثير من المستهلكينَ السياسيين الامريكيين .
ولخص الباحث الى ان الأساليب التكتيكية التي استعملها ترامب في استراتيجيته التسويقية كانت ( باطلاق الشعارات، وإثارة الغرائز، والظهور بمظهر رجل الشارع العامي، ناهيك عن توظيف لغة الجسد بشكل كبير ، وجذب الانتباه، وحرص على الاعتماد على الارقام والاحصائيات في ادانة خصومه ، واظهار القوة وتعظيم الذات ، وتحويل الانتباه ، والتكرار تارة ، والتخويف تارة اخرى ، والظهور مع الاشخاص السعيدة وعكس ذلك على شخصيته ، والربط بالمثيرات المقترنة ، والهجوم المباشر على الخصم بثقة تامة ، وكسب الاقليات المؤثرة مثل اطلاق الوعود لليهود ، وبناء القابلية على التصديق) .
وحرص ترامب على تجزئة سوقه السياسي عمودياً وافقياً بحسب نوع المستهلكين واستعمال الأسلوب التكتيكي الملائم لترويج سلعته السياسية ، فهو يختار التأثير العمودي عندما يتوجه لليهود وتحديداً(ايباك) لجذبهم كمجموعة قيادية تمارس النفوذ في محيطها (سوق القادة )،فإستعمل أسلوب اطلاق الوعود والتعهدات لكسب تأييد الناخب اليهودي.اما التأثير الافقي فجاء عبر تعبئة واستقطاب مختلف شرائح المجتمع من (عمال ،برجوازيين، الطبقات المتوسطة ،العاطلين عن العمل ، المثليين ، المزارعين، المستقلين ، المهمشين ، المحاربين القدامى…..الخ) ، وإستعمل معهم أسلوب اطلاق الشعارات وجذب الانتباه وإثارة الخوف والاشخاص السعيدة والاغراء وغيرها من الأساليب التي تقدم منتجاً سياسياً يتمثل فى ترامب نفسه، يقبل عليه المستهلك السياسي الأمريكي سواء كان فعالاً أو سلبياًأو واعياً أو ضمنياً، وبالمثل ما يحمله ترامب من منتجات سياسية تتمثل فى وعود وحلول للمشكلات وتلبية حاجاتهم أو رغباتهم وعبر وسائل تسويقية ملائمة، وبثمن مقبول لجميع انواع المستهلكين لحثهم على التصويت له ،فالأصوات الرمادية أو المعاندة أو غير المتجزئة لها دور فاعل في حسم الانتخابات .
وتبين ان ترامب اعتمد في سياسته التسويقية على أسلوب الهجوم المباشرعلى خصمه هيلاري كلنتون كاستراتيجية تسويقية تهدف إلى الحد من تأثير خصمه على الناخبين وزعزعة صورته أمامهم . ونجح عبر اساليبه التكتيكية من ربط هيلاري كلنتون بفشل إدارة أوباما في كثير من الملفات وترويجها على انها (مُنتَج سيء) . كما سعى ترامب لتحفيز الناخبين إلى التصويت له عبر زرع الشعور لديهم بالأمان ،فجذب انتباههم نحو منتجات تجلب لهم الطمأنينة في مجالات شتى من حياتهم ( توفير فرص عمل، مكافحة الغلاء بالأسعار وارتفاع معدلات الجريمة والمخدرات، تأمين نظام صحي باقل التكاليف،تخفيض الضرائب ،القضاء على الارهاب ، اصلاح القضاء ) .
وكشفت الدراسة ان ترامب أبدى اهتماماً شديداً بالقضايا الداخلية على حساب القضايا الخارجية وهو مؤشر على انه درس بجدية سلوك المستهلك السياسي الامريكي الذي يهتم بالمنتجات الداخلية . ونجح ترامب باللعب على التناقضات العرقية في الداخل الأمريكي لشد عصب الامريكيين بشكل عام والبيض بشكل خاص (المترسخ بداخلهم التعصب) . وقد تمكن ترامب من الدفاع عن نفسه أمام الانتقادات الموجهة له من خصمه هيلاري كلنتون عبر استعمال أسلوب الاعتذار أوأسلوب التبرير أوأسلوب التجاهل المتعمد بحسب نوع الاتهام .
واستنتجت من الدراسة حصول تطور كبير في منظومة الانتخابات الامريكية التي تدرس حالة المرشح دراسة وافية وكبيرة بكل ابعادها النفسية والمهنية والسلوكية وتضع خططا محكمة بالاستعانة بمراكز بحثية ومؤسسات اعلامية ومدنية وشركات لتسويق منتجها المرشح وابرازه كنموذج مقبول تنطبق عليه شروط الناخب الامريكي وآماله . وبهذه الاستراتيجية نستطيع الاجابة على سؤال شغل الرأي العام الدولي وهو كيف فاز ترامب بالانتخابات الامريكية لعام ٢٠١٦. !!!