23 نوفمبر، 2024 4:40 ص
Search
Close this search box.

إستراتيجية الأحزاب الإسلامية..؟

إستراتيجية الأحزاب الإسلامية..؟

هناك مذاهب عدة في تعريف السياسة أكاديميا، احدها يصف السياسة بالخديعة والمكر وتحقيق المصالح الخاصة، حيث لخص رئيس الوزراء البريطاني أبان الحرب العالمية الثانية تشرشل هذا المذهب بعبارته المشهورة حينما رأى لوحة على قبر احد السياسيين البريطانيين كتب فيها (هذا قبر السياسي الصادق والعظيم) فعلق تشرشل عليها بقوله “أول مرة أرى قبرا يُدفن فيه رجلان”!.
المذهب الأخر يعتقد بان السياسة هي عمل الخير وتحقيق الصالح العام، وان الخداع والكذب خلاف جوهر السياسة وأهدافها النبيلة، وان غايات السياسة مهما كانت عظيمة ومقدسة لا يمكن تبرير وسائل الوصول إليها. وهو ما يذهب إليه علماء الشريعة الإسلامية من كافة المذاهب حين يعرفون السياسة بأنها : “ما كان فعلا يكون معه الناس اقرب إلى الصلاح وابعد عن الفساد”، بل ذهب بعض العلماء المعاصرين إلى وصف السياسة بأنها “اشرف الأعمال” لعلاقتها المباشرة  في إدارة البلاد و العباد.
وعلى الرغم من انه لا يوجد أدنى شك – لدى المسلمين على الأقل –  بالمنظومة القيمية التي يدعو إليها الإسلام في الحكم وهو ما يصطلح عليه اليوم بـ(الإسلام السياسي)، إلا أن المسلمين دون غيرهم هم الأكثر نقدا للأحزاب الإسلامية وسلوكهم في الحكم والسلطة.
عدم رضا المجتمع الإسلامي بواقع الأحزاب الإسلامية يسحب الشرعية الدينية منها، إذ يمثل رضا الأمة في الفقه الإسلامي عنصرا أساسيا في شرعية العمل السياسي لتلك الأحزاب من عدمه، وهو ما يؤكده أمير المؤمنين الإمام علي (ع) في رسالته لعامله على مصر مالك الاشتر آنذاك بقوله: “وإنّما يستدل على الصالحين بما يجري الله لهم على ألســن عباده”.
قد يكون الاختلاف حول أيجاد النموذج النظري الاسلاموي في الحكم احد الأسباب الرئيسة، رغم وضوحه في كتابات المؤسسين من أبو الأعلى المودودي وحسن ألبنا وسيد قطب والإمام الخميني والشهيد محمد باقر الصدر.
لكن الأقرب إلى تشخيص الواقع هو ضعف المجتمع المتدين إسلاميا والذي يحقق النصاب السياسي للأحزاب الإسلامية ويجعلها بمأمن من احتمالات الانهيار وضياع فرصتها التاريخية من جهة، وغياب الذهنية الإستراتيجية لدى الأحزاب الإسلامية في ممارستها للحكم وتعاملها مع الواقع المدني من جهة أخرى.
غياب المجتمع المتدين رغم كثرة الأحزاب الإسلامية وارتباطها بمرجعيات دينية (محلية وإقليمية) ناتج عن عدة مؤثرات أبرزها عدم امتلاك الأحزاب الإسلامية قواعد ثابتة في التبليغ الإسلامي والعمل به قبل الدعوة إليه، وهو ما يشير إليه عدد من الباحثين في أن اغلب الأحزاب الإسلامية تعمل بخلاف ما تعتقد وتؤمن به من قيم.
تصنيف الإسلام السياسي ضمن مذهب الصالح العام والأخلاق النبيلة، مع عدم رضا المسلمين وثقتهم التامة بالأحزاب الإسلامية يطرح الكثير من الأسئلة المنطقية عن السبب والتناقض بين الاعتقاد والتطبيق، كما يدعو إلى وقفة حقيقية من قبل الأحزاب الإسلامية في وضع إستراتيجية فاعلة ومؤثرة تعمل على ترجمة نظريات ومفاهيم الحكم المبعثرة في طيات الكتب إلى واقع ملموس في طريقة الحكم وإدارة شؤون العامة من الناس.
“تريد أن تمارس النضال؟
تعال
اغسل يديك جيداً من ذلة السؤال
لدى أبي رغال
وكف عن قتل عيال الناس
في مقصلة قصيدة
أو خنجر مقال
معتذراً بعيشة العيال!
وأخرج على ديانة الريال
وقل : تبرأت أنا
من قادة بغال”
            (احمد مطر)

أحدث المقالات

أحدث المقالات