23 ديسمبر، 2024 4:13 م

إستبعاد المالكي ضرورة أقليمية … زيارة أوغلو دلالات التغيير

إستبعاد المالكي ضرورة أقليمية … زيارة أوغلو دلالات التغيير

حملت الأيام الماضية ثورة وهيجان كبيرين أطلقهما السيد رئيس الوزراء نوري المالكي تجاه تركيا متهما اياها بالتسبب بموجة العنف الضاربة في العراق منذ عشر سنين حتى يومنا هذا بمعونة السعودية وقطر، وتجاوزت إتهامات الرجل موضوع التسبب الى غيرها فكان كلامه المحرض يحمل تهديدا مبطناً تجاه تركيا ، وتطاولا ربما حتى على السيد أردوغان رئيس الوزراء التركي، ومن موقف المالكي ذهبنا نحن الفقراء الى الله نحو تفسير الأحداث التي تدور رحاها في العراق بأنها من صنع الجمهورية التركية التي ورثت الخلافة العثمانية ، وهذه تحلم كما الفرس بإعادة سيطرتها على مناطق نفوذها السابقة والتي قوضها حكم الدولة الإسلامية وأنهت عبادة النار التي كان عليها المجوس ، وأذهبت حكمهم ابان عهد الخليفة الراشد عمر بن الخطاب.
وبمحاولة من تركيا الحديثة عبر مايتم توفيره من أموال مما يسمى بأعضاء الحلف التركي (السعودية وقطر)، يتم تجهيز حمم النار والموت ( المفخخات) ومن ثم إرسالها من خلال تابعيهم في المحافظات الغربية ( المعتصمين) الرافضين لحكم المالكي التفردي القمعي وتصرفات قواته الإرهابية الشوفينية ليتم تفجيرها في طرق ومدن عاصمتنا الحبيبة وبقية مدن العراق، ( هذا ما فسرناه نحن) ، أي إن ذلك مجرد تفسير لظاهرة العداء المالكي التركي، سيما وأن الرجل له سابقة مع بشار الاسد الذي أتهمه بالإرهاب وإرسال المفخخات الى العراق بمحاولة  منه لإفشال العملية السياسية الجارية بالعراق ، وخلق بوادر الفتنة بين العراقيين، وحينها أكد علي الدباغ (أقيل بفساد صفقة أسلحة روسية) ان هناك دلائل موثقة ومن ضمنها أقراص مدمجة ( CD ) تؤكد الإتهامات التي وجهها رئيس الوزراء لبشار الأسد وحكومته، وانهم اي حكومة المنطقة الخضراء ستقيم دعوى بالمحكمة الجنائية الدولية ، ومجلس الأمن الدولي لثبات تورط  حكومة الأسد بقتل العراقيين وتدمير بلادهم.
من هذين المنطلقين اللذان لم نكذب دولة الرئيس بما جاء فيهما من إتهامات ، بنينا احتمالاتنا على تورط الحلف التركي بقتل أهلنا وسفك دماء العراقيين والولوج بمخططات لتدمير العراق وعزله عن واقعه وزرع الفتنة والتقاتل بين أبناء شعبنا الذي عاش منذ الدولة الاشورية حتى عهد الإحتلال الأمريكي واحد موحد، الى أن أقيمت حكومة السيد الجعفري التي زرعت الفتنة بأياد فارسية لتضرب مرقد الإمامين العسكريين بسامراء، ( تصريح القائد الأمريكي وإتهامه إيران علانية بأنها من دمر قبة المرقد) ولم تنفي إيران ، بل سارع المالكي لنفي التهمة ، ولاتفسير لدي أطرحه عليكم ، وأترك ذلك لفطنة القارىء.
هذه نقطتين مهمتين تتمثلان باتهام تركيا ومن معها، ثم قبلها اتهام الحكومة السورية وبشار الأسد، بالإهاب وممارساته في العراق، وقد يكون السيد رئيس الوزراء محقاً في ذلك ، إلا ان الذي ليس له الحق فيه هو موضوع التهاون بدماء العراقيين والإستهانة بأرواح من قتلوا من الشهداء وهم كثر في عهده الميمون ، ليتحول وبصورة مفاجئة من عدو لدود الى صديق حميم لبشار الأسد وتختفي على ضوء الحميمة تلك أدلة الإتهام ، ولم نسمع عن المحكمة الدولية ولا مجلس الأمن بخصوص الإتهامات السابقة، وسكتنا وعدت واختفت ولا تعليق، فمن قتلنا وسفك دمائنا بالأمس كأنه اليوم ولي حميم، هذا من خبر بشار.
أما خبر الحلف التركي، فأظن أن السيناريو الخاص ببشار الأسد نفسه سيعاد رسمه ليتم ، بل تم من خلاله تطبيع العلاقات مع تركيا التي تقود حلفاً شريراً حسب حكومة المالكي في طياته السعودية وقطر لقتل العراقيين، إلا أن حكومتنا الرشيدة تجاوزت حرمة دمائنا وكما يقول المثل ( طاح الحطب) وكان شيئاً لم يكن، وهاهو أحمد داوود أوغلوا يتجول بحرية تامة في العراق ويزور المرجع الأعلى ، ثم السيد مقتدى وهذه دلالاتها واضحة أيضا ، إذا فسرنا الزيارة بالظهور المفاجىء للسيد جعفر الصدر وظهوره من تحت الركام الى واجهة الإعلام ، ثم الصداقة القديمة التي تكلم عنها أوغلوا مع آل الصدر ليبين خطوط مرحلة قادمة ربما ستأخذ العراق على خطى السيد الصدرالاول ونهجه، وهذا سيكون كلاماً حاسما تسجله الإنتخابات القادمة التي يملك فيها الصدريون الحضوة على غيرهم من بقية القوائم المشاركة ويعززها تحالفهم مع القائمة الكردية لتخلق كارتلا واسعاً على الساحة يكتسحون أصوات الشارع العراقي بكامله ، بالإضافة الى قائمة علاوي ليشكلوا تحالفاً واسعاً يعجز عن مجاراته المالكي وما يسمى بالتحالف الوطني والذي غابت عنه معاني الوطنية منذ تأسيسه حتى أضاع منه المالكي بوصلة الطريق ليفقد بريق شعاراته وسط كم الفشل الهائل الذي سجله المالكي طيلة السنين الماضية ، وعمل أصحاب هذا التحالف بتعصب مقيت على أن لايعترفوا بفشل الرجل وبعيدا عن الوطنية ،ثم لجوئهم الى الطائفية كمنهج وزج العراق بدروب التناحر والتقاتل والتي بدءها الجعفري وواصلها المالكي بتوجيه من الفرس، ونفذتها اياد فارسية واخرى تابعة بإمتياز دون أن يعوا ويبصروا في الأفق الذي دائما تكون الغلبة فيه للشعوب، والتاريخ شاهد إلا انهم لم يتعضوا ولايعرفوا القراءة.
دلالات زيارة أوغلوا وتبادل الضحكات ودعوة المالكي لزيارة أنقرة ، جاءت هذه الإنفراجات كلها بعد العار الذي لحق بالمالكي أثر استقباله ببرود في واشنطن وربما ( حسب الأخبار الواردة) طرده من هناك من قبل أوباما، بعد ابلاغه بالتعليمات ، وأظنها أي التعليمات التي أستلمها السيد رئيس الوزراء المطرود تنص على ضرورة التقرب من تركيا بأسرع مايمكن ، وهذه حدثت، ثم الإنفتاح على العربية السعودية التي لاتطيق المالكي ولاتثق به ( أكثر من تصريح يدل على ذلك ) وهذا حدث أيضا قبل يومين ، حين غازل المالكي الحكومة السعودية قائلا أني على إستعداد لفتح صفحة جديدة من العلاقات بيننا والسعودية ، وعلى إستعداد لزيارة المملكة إن وجهت لنا دعوة بذلك)، وبتفسير مثل هذه التصريحات لانجد لها تأويلاً إلا انها صدرت أثناء الزيارة الأخيرة التي قام بها المالكي لواشنطن وأمليت عليه الأوامر بالإبتعاد عن إيران التي تتفاوض مع واشنطن، والتي تكرس فشل مفاوضاتها بالجولة الأولى التي جرت مؤخراً ، ثم أن إيران ذاتها تحاول سحب نفسها من هذا الصراع الذي فشل المالكي وحزبه الدموي في فرض إرادة الفرس على العراق وأهله، وبانت عوراتهم فيه ، وبدأت أصوات الإتهامات تتصاعد من وسط الشارع  العراقي بكل مكوناته ضد المالكي وسياسة الفرس المجرمة التي يطبقونها بواسطة المالكي وغيره.
التحول بإتجاه تركيا يعني كذب إدعاءات المالكي وإتهاماته للإتراك بما سبق، كما يعني كذب الرجل بما ذهب اليه بإتهام السعودية وقطر، وليس هناك من لاعب نوعي يمارس الشر والقتل وسفك الدماء والتفجير بالمفخخات وكواتم الصوت سوى إيران، كل الأصوات التي تدعوا الى القتل والفتنة على الساحة العراقية تابعة لإيران (البطاط والخزعلي )مثلاً، كل الإتهامات تشير الى أن إيران ضالعة بالتفجيرات التي تحصل بالعراق منذ 2003 والى اليوم ، ومنها تفجير المراقد المقدسة بسامراء والتي أكد فيها قائد القوات الامريكية مسؤولية الحكومة الفارسية فيها ، وهو الذي يملك من معلومات المخابرات مايعجز عنه الخامنئي وكل أجهزته الشريرة، ناهيك عن أن القاعدة التي تتبنى التفجيرات وتقوم بها مقراتها في إيران وهي التي تحرك أفرادها ، وقد سقنا ولأكثر من مرة الدليل على كلامنا هذا ، ونعود لنكرره هنا  حين جرح الزرقاوي بأحدى غزواته الشيطانية ذهب للعلاج في إيران ، وحين عاد قتلته القوات الأمريكية بغارة على المنزل الذي يقطنه بديالى ، وكانت المعلومات التي أعتمدها الأمريكان صادرة من الإيرانيين، واليوم كل فصائل القاعدة  ومجرميها يتواجدون في إيران ويتحصلون على الدعم والمساندة من قبل الحكومة الفارسية ، وهذه حقائق لم اختلقها بل تتناقلها الفضائيات كل يوم ويعلمها الجميع، لماذا إذا تحتفظ إيران بمجرمي القاعدة على أراضيها وتدعمهم ، لأن الموضوع ببساطة هي لاتريد لنا خيراً ، ويتم تنفيذ ذلك عبر أدواتها بما يسمى بالحكومة العراقية كالمالكي وغيره ، (فعراق ضعيف متشرذم خيراً من عراق قوي معافى) هذه قاعدة راسخة في الحكم الفارسي ، كلما قوي العراق تقوض الحكم الفارسي وأستقرت المنطقة، وأستقرار المنطقة لايخدم الفرس ، كما لايخدم الأمريكان أيضاً، وهو مايفسر سكوت الإدارات الأمريكية المتعاقبة على ماترتكبه إيران من حماقات بحق شعوب المنطقة ، والجرائم الفضيعة التي ترتكبها في العراق منذ عشر سنين.
ربما وحسب راي المتواضع ، ستكون الأنتخابات القادمة عملية تحمل من التغيير مايتناسب ومتطلبات المرحلة القادمة التي سيكون عنوانها التهدئة ، والتي سيتجه فيها الملف العراقي نحو شيء من الإستقرار،وستختفي المفخخات حسب التفاهمات الأمريكية الإيرانية ، وتعود عجلة البناء الى العراق فور أختيار رئيس الوزراء الجديد والذي حتماً لن يكون المالكي فهو رجل ازمات وهذه أنتهى زمنها ، ولا من الأسماء التي يتم تداولها الأن كونها غير مؤهلة ومعلومة التبعية لإيران، وسيكون طبيعة الحكومة القادمة تتماثل مع التوازنات الأقليمة في المنطقة ، وليس حسب وجهة النظر العراقية الصرفة ، وهذه لاوجود لها في مرحلة السياسة القادمة ، فواقع العراق كما ذكرنا تفرضه التفاهمات الأقليمية ، إلا أن المرحلة ستشهد إنفراجاً في كثير من الأمور، وإن عملية استبعاد المالكي بات بحكم الضرورة الإقليمية من واقع المشهد السياسي للمنطقة، كما ستشهد أيضا حلاً للقضية السورية من خلال التفاهمات السياسية وليس عبر البوابة العسكرية  وهو ماتمثل بموافقة المعرضة على حضور جنيف 2 بعد إن كانت أقطابها تصر على عدم الحضور مع مايمثل الأسد من أشخاص، ومايعكس بدوره نوعاً من الإنفراج لصالح العراق ووضعه الحرج الذي يتأثر ضمنياً بما يدور على الساحة السورية.
الإنتخابات القادمة سترسم صورة المشهد العراقي القادم ، بتأثير المشهد الدولي الذي بات يعي الضغط الكبير الذي تمارسه إيران على الساحة العراقية ،والتي تدفع لتبعية هذا البلد للمصالح الإيرانية ، والدفع بإتجاه عدم استقراره ونهضته ، بل بإتجاه محو دوره بالكامل وتدمير هويته العربية التي اسس عليها وبها .