18 ديسمبر، 2024 7:21 م

إرادة شهيد.. فضحت إعلام الطائفية

إرادة شهيد.. فضحت إعلام الطائفية

قبل كتابتي لهذه السطور، كنت في صراع داخلي مع نفسي، كُلّما حاولت أن أقنعها أننا نعيش في مرحلة عابرة، وأننا في طريقنا نحو الخلاص؛ كُلّما آلمتني بظنونها المتشائمة، فكانت غالباً ما تذكرني، بجرح سبايكر ونزفه الجاري، ومجزرة الكرادة وحادثة جسر الأئمة، ونكبات أخرى كثيرة، وهي بشواهدها هذه، إنما تذكرني بكل مرة أقول فيها بعد كل حادثة، أننا في مرحلة عابرة، وأن المستقبل آت.

كانت ظنونها تهز قواي؛ فينتابني شعور باليأس، وأن لاجدوى من تفائلي الموهوم، فكل الدلائل لاتنذر إلا بسوء حال هذه البلاد، ونهايتها المأساوية المحتومة، وأننّا مهما كابرنّا على جراحنا، وجمّلنا من واقعنا، فنهايتنا كنهاية أسلافنا، وأن هذه الأرض لن ترحمنا.

لن ترحمنا؛ لأننا نتقاتل ونتصارع بلا كلل ولا ملل، فكل طرف منا يدافع عن عنصريته وطائفته، وتركنا وطننا تتناهشه الأعداء من الداخل والخارج، فكنّا ومازلنا مخطؤون جداً بنظرتنا، لأن وطننا هو عزنا، وإن تقاسمنا مغانمنا على حسابه؛ فإن هذه الأرض لن ترحمنا.

وسط هذه المتضادات والأفكار المتشائمة، وصلتني رسالة من صديق، محتواها أن أشاهد موقف أحد رجال الحشد الشعبي، قال أنه استشهد دفاعاً عن أبناء وطنه في الموصل، التي أسرتها العصابات الإرهابية، منذ ثلاثة أعوام، بدا المشهد صادماً، نازحون خائفون ومرتعدون، بين يدّي مقاتلون من الحشد الشعبي.

أطفال ونساء، شاحبة وجوههم، وقد غيّب التراب ملامحهم، بعدما كانوا تحت رحمة الإرهاب الداعشي، لكنهم مازالوا خائفون؛ فقد رسم لهم إعلام الخارج الموجه لإشعال الفتنة، بين مكونات الوطن الواحد، صورة عن الحشد الشعبي، بأن هذه المنظومة ليست سوى أدوات طائفية، جاءت لتقتلكم وتستبيح دمائكم أيها السنة في العراق، حتى وصل الحال بهم، أن يشبهون الحشد بداعش؛ لذلك غابت الحقيقة عن هؤلاء الأبرياء.

“نحن أهلكم فلا تخافوا” قالها الشهيد حيدر المياحي، وراح يقبل رأس السيدة الموصلية، ويحتضن الأطفال الصغار منهم، رأيت الموقف وقد تغيرت جميع أفكاري، فأذهلني المشهد الذي رسمه ذلك الشهيد عن طائفته وحشده، وصدّمت بإرادته الوطنية، فرغم كل التهم والسب والقذف، الذي تلقاه الشيعة والحشد الشعبي بأنهم سرّاق، ومليشيات وخارجون عن القانون، كل ذلك، ما غير من إرادتهم في نصرة إخوتهم من أبناء وطنهم.

قابلوا الإساءة بالإحسان، لم يستسلموا للمؤامرات التي تريد النيل منهم، لم يتركوا الموصل لأنها ليست من طائفتهم، لم يقولوا مالنا ومالهم، وإذا كانت الشتائم والتهم تنهال علينا من أبناء جلدتهم، من الداخل والخارج ؛ فلنتركم يصارعون الموت مع داعش، لكنهم تركوا كل ذلك خلف ظهورهم، وكتبوا إنسانيتهم ووطنيتهم بدمائهم، فقد شاهدتهم وعاد الأمل بي، أن رجال كهؤلاء، لن تذهب دمائهم سدى، وأن يوماً ما ستنتصر هذه الأرض لأهلها، وأن كل ظنوني السلبية خائبة لا محال.