23 ديسمبر، 2024 5:31 ص

رغم أنني لست إدارياً إلاّ أنني وبعد أن بلغنا مبلغاً خطيراً وأصبحنا على شفى حفرة من النار بسبب الإدارات الفاشلة، بدأت البحث في مفهوم الإدارة. بحثي هذا كان بأمل التوصل إلى نقطة قد تكون سبباً في فشلنا الذريع الذي شل كل مرافق الحياة وجعلنا نعاني ما نعاني عسى أن أجد ما يسعفني في تساءلي عن سبب هذه الإخفاقات.
وجدت عدة تعاريف ومفردات في كتب الإختصاصيين في هذا المجال، كلها تشرح وتعرّف الإدارة وماهيتها. ومن خلاصة هذه التعاريف إستنتجت بأن الإدارة هي عبارة عن التوجيه والتخطيط والتنظيم والتنسيق ودعم العاملين وتشجيعهم، والرقابة على الموارد المادية والبشرية بهدف الوصول إلى أقصى النتائج وبأفضل الطرق وأقل التكاليف. وقد برز أمامي في نهاية الأمر أن الإدارة تعتمد بالدرجة الأساس على (التخطيط والتنظيم والتوظيف والتوجيه والرقابة).
السؤال الذي يفرض نفسه هنا وبإلحاح شديد هو: هل أن الأشخاص الذين يتسنمون المناصب ويتربعون على عرش السلطة الإدارية عاجزون عن التخطيط والتنظيم؟ إذا كانوا كذلك فهل هم عاجزون أيضاً عن الإستعانة بأصحاب الخبرة من باب إسالوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون؟. الحقيقة لست مومناً بأنهم غير قادرين على ذلك، فهناك أمور تحدث تدل دلالة واضحة على قابلياتهم الجبارة في التخطيط والتي تجعلهم متفوقين على الأخرين بها. إذاً أين هي مكامن الخلل في الأمر؟.
في الحقيقة أن الحديث في هذا السياق يطول جداً وليس لي هنا إلاّ أن أكشف عن السبب الذي توصلت إليه دون الخوض في تفاصيل أكثر. السبب في تعثر الإدارة والذي ساقنا إلى الحال الذي نحن عليه اليوم هو غياب الإرادة. نعم الإرادة التي هي أهم وأعظم من الإدارة في الوصول إلى الغايات. لو لا الإرادة لما تمكن المدير من التخطيط والتنظيم والتوظيف والتوجيه والرقابة كما هو مطلوب في فن الإدارة ولصالح العمل. إذا لم يكن الشخص بمقدوره إتخاذ قرار في العمل وبإرادته الحرة فأي تخطيط وأي تنظيم هذا الذي لا يغني عن شيء. إذا لم يكن الفرد صاحب قرار جريء وآني ولا يتمكن أن يتدخل لمصلحة العمل في إحداث شيء يفيد الأداء، فإن الإدارة وحدها لن تنفع مهما كانت جيدة. إرادة الفرد إذا لم تتجلى في كل الأحيان ليتخذ المدير قراره بنفسه فاقرأ على المدار وعلى المدير وعلى العمل السلام.
إرادة الفرد في الأداء تستمد ناموسها من ذاتها ومن حريتها الكامنة في داخلها. والإرادة تكون الدافع الأقوى للتطور والتقدم والرقي والنهوض بالمجتمع والقضية. ومن خلال بحثي في هذا المضمار وجدت أن الإرادة ليست مخصوصة بالإنسان وحده، بل كل المخلوقات لها إرادة تدفعها إلى إتخاذ قراراتها بنفسها. فإذا تعرض أي حيوان إلى خطر تجده يتخذ قراراً آنيا بإرادته الحرة دون إنتظار مؤثر خارجي لتخليصه من الخطر. فإما أن يهرب ويجري بسرعة فائقة وإما أن يجد لنفسه مخبأ يقيه من الخطر، وإلاّ سيقع فريسة لكل من هب ودب وهو ينتظر من يسعفه من قوى أخرى قد تتأخر في إسعافه.
ومن خلال التقصي في هذا الأمر أجد أن الفقراء أكثر إرادة من الأغنياء بسبب خشية الأغنياء على مصالحهم وأموالهم من الأخطار وبحسب تلك المصالح فإنهم سوف يقومون بالعمل تحت ذل الهيمنة، بعكس المعدومين الذين يعملون بمحض إرادتهم فلا شيء لهم ليدفعهم إلى الخشية من زوالها. وبهذا فإننا نجد الرواتب العالية الممنوحة لمن يتسنمون المناصب بغية سلب إرادتهم وتوجيههم بحسب ما يخدم أهواء وتطلعات أصحاب القرار.
إذن فإن غياب الإرادة هي المشكلة الحقيقية في كل المصائب التي نعاني منها ونحن نهرب من المفترسين كي لا نقع فريسة سهلة لهم. حتى غدونا نبحث عن البدر في ليلة ظلماء. وفيما اذا لم نسترجع إرادتنا المسلوبة عاجلاً، فإن النتيجة التي تنتظرنا ونحن فاقدي الإرادة ستكون وخيمة وسينتهي بنا الأمر إلى غيابة الجب دون شك ونحيا ابد الدهر بين الحفر.