22 نوفمبر، 2024 10:45 م
Search
Close this search box.

إرادة التغيير عند العراقيين!

إرادة التغيير عند العراقيين!

لايختلف إثنان بأن العراقيين يريدون التغيير السياسي بأسرع وقت ممكن, على الأقل في هذه اللحظة الحرجة من تاريخ العراق وهو يعيش الفشل على جميع المستويات. يريد العراقيون التغيير, ولكن كيف يتم التغيير وإلى ماذا نريد أن نغير, هذا مالايتفق عليه أحد إلى هذه اللحظة. لقد أتهم الكثيرون العراقيين بالجبن, على الأقل في مواقع التواصل الاجتماعي, وذلك بعد كل موجة تفجيرات تشهدها مناطق العراق, ومنهم من يشعر بالإحباط لهذا التشرذم والامبالاة من تشتت العراقيين وفقدانهم لإرادة التغيير بالرغم من كل تلك الظروف الصعبة التي يعيشونها, ومنهم من صار يغبط المصريين على ثورتهم وتمنياتهم بأن تحدث في العراق, فالعراقيون يعيشون ظروفا ً أصعب بكثير مما يعيشه المصريون الذين غيروا واقعهم السياسي, فلماذا لايثور العراقيون كما فعل المصريون بنظامهم السياسي!
أن من الحقائق المهمة أنه لايوجد شعب جبان على وجه الأرض, ولكن لابد من توفر عناصر موضوعية مهمة تسبق كل عملية تغيير وإن لم تتوفر تلك العناصر فلايحدث تغيير أبدا ً. فربما تتوفر تلك العناصر بعامين أو بخمسين عام ليتم التغيير. أن من أهم عوامل التغيير وأولها هي إرادة التغيير, أي الاستعداد النفسي لمجموعة من الأفراد, من كل اطياف المجتمع, للتحول من النقطة ألف إلى النقطة باء. ثانيا ً, لابد من توفر أدوات التغيير, فلاتغيير بلا أدوات. ثالثا ً, أمتلاك مشروع بديل ليحل بدل الواقع الذي يراد له أن يتغير.رابعا ً, توفر الظروف الموضوعية التي تسمح بحركة التغيير, كالظروف الدولية أو ضعف الجهاز الأمني في بلد ما كان يعيق عملية التغيير, أو الهجرة او النمو الاقتصادي, وهكذا. وإذا راجعنا تلك الخطوات فهل هي متحققة في الواقع العراقي ليتم التغيير, لنر ذلك!
أولا ً, هل يمتلك العراقيون إرادة للتغير؟ بالتأكيد نعم, فالعراقيون متفقون من شماله إلى جنوبه بضرورة التغيير بعد الفشل الذي تعيشه جميع مؤسسات الدولة, وبالخصوص في ملف الأمن والفساد. حتى أن التغيير فكره تنمو من قبل سياسيين في داخل العملية السياسية وأن أصداء التغيير تصدح حتى في أقليم كردستان العراق.
ثانيا ً, هل تتوفر أدوات التغيير عن العراقيين؟ ولكن, دعنا نعرف أولا ً بتلك الأدوات لنرى أن كانت تتوفر أم لا عند العراقيين. لابد من وجود حركة اجتماعية أو حراكات اجتماعية تدعو إلى التغيير, والحركات الاجتماعية هي ليست مجرد مجموعة من الأشخاص يلتقون في مقهى أو ينشئون موقعا ً على الفيسبوك يدعو إلى التغيير, بل هي تيار شعبي يحمل فكرة واحدة عن موضوع معين, يضم هذا التيار جميع فئات المجتمع, من كل طوائفه وأقلياته, من حضره وريفه, من رجاله ونسائه, من شبابه وكبار سنه, وتشمل تلك الحركة مجموعة من المنظمات التي تدعو لفكرة واحدة ولكن بأشكال مختلفة, ولابد أن تحتوي تلك المنظمات على قادة وأعضاء بمئات الالآف يتبنون عملية الحراك الاجتماعي, ولابد من هيكلية تنظيمية وثقافة معينة تسود تلك المنظمات. وتحتوي الحركات الاجتماعية على ناشطين اجتماعين وسياسيين معروفين في المجتمع ولهم علاقات دولية, ولابد أن تتوفر لبعضهم كارزمة معينة يحشد بها الجماهير. فالذي قاد التغيير في جنوب أفريقيا هي الحركات الاجتماعية ضد التمييز العنصري, والذي ساهم في التغيير في مصر حركة كفاية وحركة السادس من أبريل, وهكذا. فالحركات الاجتماعية هي الوحيدة القادرة على خلق الحراك الاجتماعي, وقصدي بالحراك الاجتماعي هو رفع مستوى الوعي عند مجموعة من الناس وجعلها فئة قابلة للتغير من النقطة ألف إلى النقطة باء تحت أطار واحد لبلوغ هدف واضح ومحدد المعالم. وتقوم الحركة أيضا بإنتاج قصة مغايرة للقصة الرسمية التي تنتجها الحكومة عن كل حدث وموضوع, فتقوم القصة المقابلة بكشف زيف القصة الرسمية بطرحها القصة الحقيقة التي تعكس الواقع. أن الحركات الاجتماعية هي أداة واحدة للتغير أما الباقي فلابد من توفر قناة توصل فيها تلك الحركة أفكارها ورؤيتها إلى الناس لتقوم بعملية الحراك الاجتماعي, كإقامة الندوات والدورات واستخدام القنواة الفضائية والصحف والمجلات ومواقع التواصل الاجتماعي وغيرها.
إذا ً, هل تتوفر تلك الأدواة عند العراقيين ليقوموا بعملية التغيير؟ بالتأكيد ليس كلها, بل يوجد بعضها فقط. فلاتوجد حركة اجتماعية لها إنتشار واسع في جميع أنحاء العراق, وتحوز على ثقة العراقيين بكل أطيافهم وقومياتهم وأجناسهم. أن ماموجود هو مجموعة من منظمات المجتمع المدني المتفرقة والمشتة وقليلة الفاعلية بحكم فقرها, إضافة إلى أنها تعمل على مواضيع اجتماعية خدمية بعيدا ً عن السياسة. فالحكومة العراقية لاتدعم منظمات المجتمع المدني لأنها تخاف منها وتتهمها بأن لها اجندات خارجية لتغيير الثقافة والدين في المجتمع. أن الأدهى أن العراق يفتقد حتى لتيار ليبرالي يقوم بعملية يكون قاعدة لأي حركة اجتماعية سياسية, فالتيار الديني طاغ على الشارع العراقي ورجل الدين مسيطر على مشاعر العراقيين يؤججها متى شاء. فلانستطيع أن نتحدث عن حراك اجتماعي للتغير في العراق بفقدان أهم عناصره, وإن وجد فهو لايستطيع أن يحرك جميع فئات المجتمع بكل أتجاهاته, فلايستطيع مثلا ً أن يكون حراكه تجاه الرجال بنفس الدرجة عند النساء, فالنساء العراقيات بحاجة لجهود مضاعفة بحكم قلة المشاركة السياسية لأسباب مختلفة منها سياسية ودينية وثقافية وهي لاتختلف بوضعها عن وضع المرأة العربية أو الدول المجاورة أن لم تكن أسوء حالاً. هل يوجد ناشطون سياسيون عراقيون؟ نعم يوجد ولكنهم قليلون وقليلو الفاعلية أيضا ً قياسا ً بفاعلية رجل الدين الذي يقود المظاهرات في المنطقة الغربية والذي يهدء الجماهير في الجنوب, مع إستثناء هنا وهناك. فالرموز الدينية هي التي تقود المشهد وهي بعيدة كل البعد عن التغيير نحو الديمقراطية بل هي لها مشروعها الطموح الخاص بها من أقامة دولة إسلامية أو إسلامية بنكهة ديمقراطية. أضف إلى ذلك أن وجدت تلك الحركات الاجتماعية فهي لاتمتلك وسائل لتوصيل رواياتها في الفضاء العام لبناء رأي عام يدعو للتغيير, فلا فضائيات أو جرائد واسعة الإنتشار, عدا مواقع التواصل الاجتماعي التي تمتاز بقلة مرتاديها تبعا ً للمدينة أو الريف, الرجل أو المرأة, من يقرأ ويكتب ومن لايقرأ ولا يكتب, من يملك أمكانية الوصول إلى الأنترنت أو لايملك, وفي أحسن الأحوال لايتجاوز مستخدمي الأنترنت بالعراق الثلاث أو الأربع بالمئة والذي تقتصر على فئة معينة.
ثالثا ً, هل يملك العراقيون مشروعا ً للتغير؟ وأقصد بالمشروع ليس مجرد أفكار يطرحها بعض السياسيين أو الناشطين الاجتماعيين, بل رؤية متكاملة لها إطار نظري واضح ومحدد وطرح آلية أستخدامها وأمكانية تطبيقها على الأرض. هل يوجد هناك مثلا ً في العراق مشروع ديمقراطي متكامل يصلح العملية الديمقراطية ويدعو إلى دولة مدنية تفصل السلطات الثلاثة وتعلن علمانية الدولة بإبعاد السياسة عن الدين وعدم إستغلاله لتحقيق مكاسب سياسية بحتة. مشروع يدعو لحقوق الإنسان والمواطنة والتعددية وقبول الآخر ويتجاوز الطائفية السياسية والاجتماعية, وهكذا. نعم, توجد تلك الأفكار ولكن لايوجد مشروع متكامل, توجد تلك الأفكار لدى النخبة التي لافاعلية لها, أم من له فاعلية ويستطيع أن يحشد مئات الالآف فهو رجل الدين فقط, وهو مع الأسف لايدعو لتلك المفاهيم بل له مفاهيمه الخاصة به والنابعه من مشروعه الإسلامي السياسي. وعلى سبيل الفرض, إن وجد هذا المشروع فلايتفق عليه العراقيون جميعا ً من شمالهم إلى جنوبهم وكل الدلائل تشير إلى ذلك من الشعارات التي يرفعها المتظاهرون كل مرة في جنوب العراق وشماله وغربه.
رابعا ً, هل توجد ظروف موضوعية تسمح بالتغيير؟ نسبيا ً نعم, فالدولة في أقصى حالات الضعف الذي يسمح بعملية التغيير, وكذلك نسبيا ً الوضع الدولي الذي لايسمح بإستمرار المجازر اليومية التي يعيشها العراقيون, حتى أن الكثير من السياسيين يقبل برحابة صدر عملية التغيير السياسي ويدعو لها. كان هذا الجانب المشرق, أما الجانب المظلم فهو أن الدولة تمتلك الكثير من الأموال التي تسخرها في الجانب الأمني بميزانيات خرافية من تسليح وتجهيز ورواتب, وأن أي حديث عن التغيير ستعيقه عملية الفساد المستشري بتلك المؤسسات التي ستجعل من الدولة كائن قوي أما أي تغيير وهي في نفس الوقت تقوم بإعادة أنتاج الإرهاب لتبقى هي كالطفيلي تعيش عليه بمحاولة قمعه. فالفساد والأرهاب المتمكنان من خزينة الدولة سوف لن يسمحان بأي عملية تغيير وسيقومان بقمع أي حراك شعبي بحجة الحفاظ على الأمن. وهناك العامل الاقتصادي بحصول بعض المهمشين على الاموال التي تؤهلهم للوصول لخدمات الانترنت وغيرها, أو هجرة الريف إلى المدينة والتي أخفت الحد الفاصل بين ماهو ريفي وماهو حضري وجعلت الريفي فاعل سياسي بحاجة لتنظيم وحراك اجتماعي.
كانت تلك أسباب لمراحل التغيير التي لايتم من غيرها, وأن صار تسارع وتم تغيير معين فسيصبح تمردا ً أو انتفاضة عشوائية أو ثورة غير محسوبة النتائج. لا أريد أن أحبط من له أمل بالتغيير, ولكني لا أريد أيضا ً أن يغش أحدهم دعاة التغيير بإخفاء الحقيقة عنهم. ولكن, وبالرغم من كل ذلك, وكما يقال خطوة الألف ميل تبدأ بخطوة, فان أي دعوة للتغير في العراق هي دعوة أيجابية وستكون لبنة لبناء حركة اجتماعية واسعة تدعو للتغيير. أن أهم أدوات التغيير هي إنشاء حركة تدعو للديمقراطية والدولة المدنية والتعددية في العراق, دعوة لاتحملها النخبة فقط بل يشارك بها كل العراقيين من الشمال إلى الجنوب, سيكون التغيير قد تحقق ولو بعد حين!

https://www.facebook.com/imad.rasan

أحدث المقالات