الفقر يزداد ونطاق الظلم يتوسع.. ساعة أسوأ من أخرى وجحيم يتبعه جحيم ينهش صبر الناس ويجعلهم يلتفتون إلى باب للحل أو نافذة يترقبون من نورها بصيصا كي يشفي غليلهم ويعيد لهم حقوقهم ممن ظلمهم .. العراقيون يقاتلهم كل أهل الأرض وحتى الجن يقاتلنا ويتآمر ضدنا بينما يمتلك العراقيون جميعهم.. العرب والأكراد والتركمان والأيزيديين والشبك والجرجر .. قلوبا تسامح أعداءهم بابتسامة بسيطة .. يمدون أيديهم للعالم بالسلام فيرد علينا بالدم والنار والموت .. لم ينج عراقي واحد من الظلم والقهر وضياع المستقبل وضياع الممتلكات وخراب المدن منذ الآف السنين وحتى يومنا هذا .. ما حكمنا إلا طغاة وبغاة فأخترقوا عقولنا ومزقوا عواطفنا ونثروا أحلامنا في سديم أسود كقلوبهم , دخلنا العباسيون وأصبحت بغداد عاصمة للعالم ثم تحولت الى مركز لصراع المذاهب وقتال العقائد وبحيرة تطوف فوقها الفتن فضاع كل شيئ ودخل المغول بقبلة من خائن عميل وتكرر دخول المحتلين البويهيين والسلاجقة والجلائريين والصفويين والعثمانيين والانكليز ثم الأميركيين وهم المحطة التي رسى فيها قطار موتنا وخراب ضمائرنا
( 2003 وحتى أواخر 2019 ) سبعة عشر عاماً من الشؤم والويلات ونزف الدماء ودخول المحتلين الدواعش إلى أرضنا الطاهرة حكمنا بها عقل موحد لكن وجوهه مختلفة .. إنهم قرقوزات السياسة ولمن لا يعرف معنى القرقوز فأنا لا أقصد به (قراقوش) وهو أحد ولاة القائد صلاح الدين الأيوبي على مصر واسمه بهاء الدين الأسدي.. بل أقصد القرقوز اللعبة المضحكة الصغيرة التي تضع كبوسا مخروطي الشكل فوق الرأس وجميعنا لابد وان وقف يوما يتفرج عليها في الأعياد أو في برامج الأطفال ! لاعمل للقرقوز سوى الضحك والتصفيق والصراخ بصوت عال مبحوح وبعض القرقوزات تطور أداؤها المهني فتعلمت الغناء والإنتقاد والحوار !
لكنها تبقى تابعة ليد تحركها وصوت ليس صوتها.. القرقوز لعبة مضحكة صغيرة يقف الناس للتفرج عليها والضحك على ماتطلقه من نكات ولربما كلمات لاذعة لمرة واحدة أو مرتين على الأكثر ! لأن كلامه متكرر وممل ومزعج بعد أول عرض .. السياسيون في العراق لم يستفد العراقيون من حواراتهم وصراعاتهم وسجالاتهم البائسة وحروبهم المستعرة داخل القاعات وفي الفضائيات ولم يزداد إلا الفقر والبطالة والغلاء وانخفاض مستويات التعليم واستمرار نزوح الكوادر الوطنية العلمية وإفتقاد متزايد للأمن والأمان وتهديد لحدودنا من دول طامعة وظهور قوى جديدة مسيطرة على توجهات الحكومة العراقية ومنعها من إتخاذ أي خطوة مستقلة مهما كان حجمها !فرق كبير بين سياسي وحاكم ومسؤول يعمل بما يفترض أن يقدمه لمن انتخبه من العراقيين الفقراء الصابرين وبين أن يبقى قرقوزا تحركه أياد مجهولة قليل منها معروف ومعظمها لانعرف هويته ..
الشعب العراقي يحاول الهروب من المسؤولية وإلقاء اللوم على الساسة وفسادهم ، بينما في الحقيقة الساسة هم من نتاج هذا الشعب ، وان السلطة مصدرها الشعب ، وعلى الأقل بعد التغيير عام 2003 الشعب العراقي إنهار ولم يتماسك ويتدارك زخم الأحداث ويدافع عن نفسه وبلده ، وإستسلم للأحزاب الفاسدة ، وظهر للعيان من السهولة التلاعب به والضحك عليه !
ومن أبرز عيوب الشعب التي يتحمل المسؤولية عنها هي :
– تساهل الشعب مع اللصوص والعملاء .. ولم يمارس عقوبة المقاطعة والعزل الإجتماعي السلمي لهم .– الشعب تراجع إيمانه بمفهوم المواطنة .. وإرتمى أكثره في أحضان الطائفة و رجل الدين والعشيره– الشعب العراقي رغم كل هذه الكوارث لم ينظم نفسه وينشيء تجمعات وطنية تكون بمثابة جماعة ضغط وبديل سياسي في المستقبل وظل يتفرج على مأساته . ة ضعف وغياب مشاعر الإنتماء الوطني وغياب الشعور بالمسؤولية نحو البلد -– حينما خرج الحراك المدني الأول كان خليطا من الشيوعيين بتحريض من الكورد ضد حكومة المالكي ومعهم بقايا البعث وبعض الابرياء .. وسرعان ما حركت إيران مقتدى الصدر- لإحتواء ذلك الحراك وظهر ضعفه وعدم جديته وانه لايمثل عموم الشعب – ثورة تشرين كانت بدايتها مطلبية ثم تطورت الى إحتجاجات وطنية ، وقدمت تضحيات وخسائر كبيرة .. لكن للأسف بدون فائدة ملموسة ، ولم يكن لديها مشروع سياسي وطني ، وخلت من القيادات الناضجة والفاعلة جماهيريا ، والمؤلم ان أكثرية الشعب العراقي خذل ثوار تشرين ولم تتحول الثورة الى إحتجاج شامل عارم يتمكن من إقتلاع الأحزاب الفاسدة .ماذا عن المستقبل ؟ سوف يستمر على المدى المنظور الشعب العراقي على نفس عيوبه .. ولن يحدث فيه تطور نوعي فاعل ، فهو مشتت ومنقسم ، وغير منظم ، وشعب يتيم من دون قيادات وطنية شريفة فاعلة ومؤثرة في الجماهير ولديها القدرة على إنقاذ البلد .. وامام وضع مأساوي كهذا سيستمر تهاوي وإنحدار العراق نحو الأسوأ ، والناس تكرر نفس صحيات الإحتجاجات والبكائيات من دون فعل جماعي على الأرض.
وإنقاذ العراق محصور في خيارين : الأول .. ثورة مسلحة شعبية لجميع مدن العراق العربية في الوسط والجنوب والغربية ، وإسقاط النظام السياسي ، وهذا الخيار صعب نظرا لغياب القيادات الوطنية وتشتت الجماهير ، والخيار الثاني .. هو إنقلاب عسكري بإشراف أميركي على غرار ما حدث في مصر بقيادة الجنرال السيسي يقتلع هذا النظام السياسي ، ويتوب بعدها الشعب العراقي الى الله من خطيئة مطالبته بالديمقراطية التي دمرت بلدنا ، وتعود الأمور الى طبيعتها بما يناسب الشخصية العراقية والشرقية عموما وهو ضرورة وجود حاكم حازم وصارم يمارس السلطة الدكتاتورية الإيجابية في ضبط سلوك الناس وإرشادهم وتوفير إحتياجاتهم .. وتذكروا مثال على فائدة القوة .. الجندي شبه الأمي حسين كامل كيف نجح في بناء صناعة عسكرية ومدنية ضخمة بفضل القوة في زمن صدام حسين .. وكيف دمرت الديمقراطية في العراق الصناعة والزراعة والتجارة والكهرباء والبنوك والثروة وتحول البلد الى ضيعة ملحقة بيد إيران وعملائها أن من يخون تراب وطنه ويتآمر على أبناء جلدته , عاجلاً أم آجلاً خاصة بعد أن تنتفي الحاجة إليه سيرّكل جانباً , وسيكون منبوذاً في نهاية المطاف حتى من قبل أسياده ومن جنّدوه لخدمة مصالحهم ونفوذهم , كونهم يعلمون علّم اليقين بأن من يخون أرضه وعرضه .. أبداً لا يتردد ولا يتوانى عن خيانة أسياده في حال حصوله على امتيازات ومزايا أفضل من أسياد جدد آخرين !؟, وهذا ما تجسد ولمسناه وشاهدناه بأم أعيننا قبل وبعد عام 2003 , عندما تابعنا السفرات والرحلات المكوكية لأتباع آل البيت الأبيض ( بشيعتهم وسنتهم وكردهم ) , وتنقلاتهم بين لندن وواشنطن وباريس وغيرها , واستجدائهم وتوسلهم بالرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الأبن الأرعن تحرير العراق !؟, والآن وبعد ما يربوا على مرور الـ 18 عشر عاماً … وتحديداً منذ انطلاق شرارة ثورة تشرين المظفرة , باتوا أنفسهم يلعنون أمريكا ويطالبون بإخراجها فوراً من العراق ..؟؟؟, ويصفون الشباب الحر الثائر والمنتفض “بجوكرية السفارة الأمريكية وبأبناء الرفيقات ومشتقاتها ” !!!, وهذا ما يدل بوضوح إلى ما ذهبنا إليه في مقدمة السطور أعلاه , بأن أمريكا توصلت إلى قناعة تامة … إن لم تنهيهم وتسّدل الستار الأسود على حقبتهم المأساوية والكارثية , فإن الشعب العراقي سيطيح بهم وينهيهم .. بل وسيسحلهم سحلاً … على ما اقترفته أياديهم الآثمة بحق الشعب العراقي , ولهذا أتت بمصطفى الكاظمي للعب هذا الدور , للتخلص منهم بشكل انسيابي وسلس وتدريجي !, بعد أن تأكدت أيضاً بأن هؤلاء الأوباش وناكري جميلها الذي جعل منهم سادة وقادة وضباط ورجال أعمال وساسة لا يشق لهم غبار في غفلة من الزمن الأغبر … لا يؤتمن لهم جانب ولا يمكن الوثوق أو التعويل عليهم حتى على الأمد القصير .. !؟, ولابد من الاسراع في التخلص منهم , ومن راقبَّ وتابع الوضع والمشهد العراقي … منذ تشكيل أول معارضة عراقية خارج العراق بعد عم 1991 , يجد أنها ضمت بين صفوفها النطيحة والمتردية وسقط المتاع وأصحاب السوابق ومرتكبي الجرائم بكل أشكالها وألوانها .. كالخيانة العظمى والتجسس والقتل والسرقة … ناهيك عن الجّنح المخلة بالآداب العامة !, وأغلب هؤلاء منهم من ذهب إلى مزبلة التاريخ ومنهم من ينتظر دوره .
فبما لا يدع مجال للشك والتأويل والتحليل … بل وبكل تأكيد لقد بات عملاء وأدوات إيران في العراق خاصة والشرق الأوسط عامة يلعبون في الوقت شبه الضائع !, وها هي المخابرات الأمريكية وجميع المخابرات المتحالفة معها وعلى رأسهم الموساد الصهيوني .. منذ تنصيب الكاظمي بدءوا يعدون العدة للإنقضاض على جماعة هيهات منهم الذلة , وكلا .. كلا .. أمريكا , وكلا .. كلا .. إسرائيل ؟, وما عملية تدشين العام الجديد باستهداف وتصفية قائد فيلق القدس والحرس الثوري الإيراني ” قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس ” يوم 3 كانون الثاني \ 2020 , إلا كما أشرنا في مقالات سابقة .. بأنه كان عربون ثقة للشعب العراقي بأن التغيير قادم , ووثيقة اطمئنان وتطمين لمصطفى الكاظمي نفسه .. بأننا معك ولن نخذلك أو نتخلى عنك في عملية تبادل المسرحيات والأدوار الجديدة في العراق والمنطقة !, وما الحفاوة والتكريم والاستقبال الحار له في البيت الأبيض خلال زيارته الأولى كرئيس وزراء ..!, إلا من أجل هذا الغرض وهذا الهدف بالذات , لتمرير هذه الخطة الجديدة , وتسويقه للعراقيين بأنه القائد والزعيم الجديد والرئيس المنتظر…!, الذي سيخرج العراق من حالة الفوضى والهرج والمرج والسلاح المنفلت وعمليات الخطف والأبتزاز , وسيخلصه من الاحتلال الإيراني المباشر !؟, وسيجلب له الأمن والأمان والاطمئنان والرخاء … وفي مقدمتها حل معضلة القرن الواحد والعشرين المستعصية فقط في العراق كما هي تأمين ” الكهرباء ” !!!؟ بكل تأكيد نستطيع أن نقول .. ها قد بدأت رحلة عد الأنفاس واللعب على المكشوف .. ومن يقف بوجه الخطة الأمريكية – الكاظمية الجديدة سيكون مصيره مصير سليماني والمهندس ..على ما يبدو.
نعم … لقد بدأ العد التنازلي لإنهاء هيمنة عملاء وأدوات ووكلاء إيران على القرار السيادي والسياسي والاقتصادي في العراق وفي مقدمتهم … والي إيران ” نوري المالكي وهادي العامري وقيس الخزعلي ” وآخرين , إن لم يتم طردهم من المنطقة الخضراء وتجريدهم من كافة المناصب والامتيازات والصلاحيات طوعاً أو قسراً قبل فوات الأوان , كما تم إنهاء خدمات المدعو ” حامد الجزائري” قائد مليشيا الخراساني طوعاً بعد أن أبلغه الكاظمي على ما يبدو بأنه سيلحق بمن سبقه !؟, وها هي .. أي المخابرات الأمريكية – الدولية تقوم برصد وتقصي ومراقبة جميع تحركاتهم الداخلية والخارجية على مدار الساعة , حتى وإن تنكروا بملابس نسائية وارتوا الحجاب من الرأس إلى أخمص القدم !, وفي حال لعبوا أو حركوا ذيولهم ستتم تصفية من تشاء منهم في غضون ثوان معدودة .. وهم يعلمون بذلك .. ولا نبالغ إذا قلنا بأنهم يحملون الشرائح والمجسات الأليكترونية في جيوب جلابيبهم وعمائمهم وأماكن تواجدهم وعرباتهم .. أو حتى في أجسادهم … ولهذا يجب عليهم أن يتأكدوا بأن زمن الكذب والتدليس وبيع العنتريات والضحك على عقول البسطاء والأغبياء والسذج قد ولى وبدون رجعة … إن كانوا يعلمون أو لا يعلمون أو مازالوا في غيهم يعمهون , وهذا كله بطبيعة الحال يحسب لقادة وصناديد ثورة تشرين الأبطال ومن يدعمهم ويقف معم على طول الخط وليس لأمريكا ومطاياها الجدد
تفيد آخر المستجدات والتسريبات الموثقة بأن مصطفى الكاظمي .. واجه كل من نوري المالكي وهادي العامري وقيس الخزعلي بالجرم المشهود …!, وبمعلومات دقيقة ومؤكدة وصادمة لهم عن العملية التي تم الاعداد والتحضير لها في إيران , والتي كانت تهدف للإطاحة بحكومته !, عارضاً عليهم تسجيلات ومراسلات تفصيلية دقيقة وكاملة عن هذه الخطة !, وحذرهم بشكل مباشر من مغبة التآمر على حكومته والانجرار والسير خلف قائد الحرس الثوري الإيراني الجديد , إسماعيل قاآني , وممثل حزب الله اللبناني محمد كوثراني .
, و الأيام القليلة القادمة حبلى بالمفاجآت غير السارة لهم ولذيولهم ولمن لم يقفز من مركبهم الغارق قبل فوات الأذان …!؟, أليس 1 أكتوبر يوم عيد ميلاد وإنطلاق شرارة ثورة تشرين المظفرة , وكذلك يوم 4 أكتوبر يوم إجراء الإنتخابات الأمريكية … بقريب !!!؟ وقطعا السياسيين والموالين للجارة والذين ولدو بدون جارة (المشيمة ) يتخذون من الحرباء ونهجها نقطة شروع، ينطلقون منها في تحديث أساليب العداء وأدواته وأنواعه، فيستحدثون من فنونه الجديد والغريب، وهنا ينحسر علاجهم فيقتصر على دور القوة فقط، ولن يجدي الكي حينها إن كان آخر الدواء، بل يجب ان يكون أوله..
هو نداء إذن، من العراقيين يضعونه في صناديق الشكاوى، وأولها المركون في باب رئيس الوزراء، أن طهر المناصب العليا من اولئك الأشرار، من أول بادرة سيئة تصدر منهم، قبل تمركزهم في منصبهم واحتكامهم به وتحصنهم تحت دبلوماسيته. فالسيئ من المسؤولين كما اعتدنا يفرغ سمه في جسد العراقيين، وبعد حين يصل اليه العقاب -ان وصل- ويكون إذاك قد اتخذ لنفسه مكانا قصيا في دولة تؤويه، كما آوت الذين من قبله، او يكون قد شد رحاله الى أخرى يحمل جنسيتها ويكن الولاء لها، أكثر من بلده الذي تباكى عليه حين كان معارضا للنظام الحاكم، واستقتل على “خدمته” كما يدعي بعد سقوط النظام .ولا حياة في ظل حكومة ديكتاتورية، فالعراق بلا حياة ولا زراعة ولا صناعة ولا خدمات ولا امن ولا أمان ولا سلام وانتخابات يذهب ضحيتها آلاف لتتسلط علينا حكومة لا ترعى لا ذمة وبرلمان بكراسيه البالية لا يستطيع دفع الضرر عن نفسه فما باله بدفع الضرر عن الآخرين»، مؤكدا أن «العراق تحكمه ثلة جاءت من خلف الحدود لطالما انتظرناها لتحررنا من ديكتاتورية لتتمسك هي الأخرى بالكرسي باسم الشيعة والتشيع, السياسة أصبحت بابا للظلم والاستهتار والتفرد والانتهاك ليتربع ديكتاتور وطاغوت فيتسلط على الأموال فينهبها وعلى الرقاب فيقصفها وعلى المدن فيحاربها وعلى الطوائف فيفرقها وعلى الضمائر فيشتريها وعلى القلوب فيكسرها ليكون الجميع مصوتا على بقائه.و مجلس النواب يستطيع أن يجمع بالتصويت داخل قبة البرلمان حالة واحدة فقط، اذا كانت فيها امتيازات له أو نفع شخصي، وإذا وصل الموضوع لنفع شعبي عام تخاذل الجميع أو يصل الأمر إلى مجلس الوزراء ينقضه»، موضحا «لكن من لا ينقض الامتيازات والرواتب التقاعدية يكون عراق يحكمه ذئاب متعطشة للدماء أو نفوس تلهث خلف المال تاركة شعبها في بحبوحة العذاب والخوف يرتع في برك الماء وليالي مظلمة على ضوء قمر أو فتيل شمعة وتعصف به الاغتيالات والحكومة تتفرج. والمنصف يتهم الحكومة بـ«الحصول على الدعم من الشرق والغرب لتحقيق أهدافها»، مؤكدا انها «تسمع كلام أسيادها وتتجاهل صوت مراجع الدين وشكوى الشركاء»، مشددا على ان «الحكومة تهجر معارضيها وتعتقلهم وتستخدم القضاء المسيس في تكميم أفواه شركائها…
أن إهدار المال العام وسوء استخدام السلطة يسري كالسرطان في مفاصل الدولة العراقية وان “المواطن العراقي هو المستهدف حيث انه الضحية إذ أن أمواله تنهب بشكل كبير بسبب الفساد المالي والإداري والمحسوبية السياسية”.وأن عمليات الفساد الإداري والتي استشرت في معظم مفاصل الدولة أدت إلى سرقة الكثير من موارده النفطية. وأشارت إلى أن أكثر من 70 في المائة تذهب بعمليات فساد إداري، مؤكدة أن مافيا الفساد باتت ألان تسيطر على الموارد التي تصل الوزارات. وشددت المصادر العراقية على أن هيئة النزاهة لديها الكثير من ملفات الفساد الإداري بعضها يؤكد تورط مسؤولين كبار في الحكومة العراقية. وكشفت أن أكثر من أربعمائة ملف فساد تتعلق بوزارة الصحة، وسجلت أمانة بغداد ووزارتي الداخلية والدفاع أرقاما قياسية بعدد ملفات الفساد التي تم الكشف عنها من قبل لجان شكلت للتدقيق في ملفات وزراء حكومتي علاوي والجعفري السابقتين وحكومة المالكي , وكان رئيس مفوضية النزاهة العامة في العراق القاضي راضي حمزة كشف وجود 1500 قضية فساد إداري بينها 450 قضية تخص وزارة الدفاع وقيام وزارة المواصلات بشراء طائرات وهمية بما قيمته 264 مليون دولار. وقال ان المفوضية قدمت مسودة إلى مجلس الوزراء والجمعية الوطنية لتعديل قانون المحاكمات الجزائية وقانون انضباط موظفي الدولة، وحض الحكومة على تقديم المزيد من الجهود لمساعدة المفوضية في محاسبة الموظفين الفاسدين والحفاظ على المال العام. مشيراً إلى أن هذين القانونين يقفان عائقين أمام عمل المفوضية، ويمنعان محاسبة الوزراء وكبار الموظفين في الدولة واتهمت مصادر عراقية المسؤولين الأميركيين بإفساد الطبقة السياسية العراقية، وقالت “ان استشراء الفساد في العراق وصل إلى حدود غير مسبوقة بالمقاييس العلمية، وإن ما بلغه استشراء الفساد في الطبقة السياسية العراقية خلال عامين فاق ما بلغته بعض الطبقات السياسية في بعض دول المنطقة أو حتى في غير دول المنطقة خلال عقدين أو ثلاثة عقود وأضافت “ان عملية إفساد الطبقة السياسية في العراق تتحمله واشنطن عندما سمحت بتدفق الأموال منها ومن غيرها للأحزاب السياسية في العراق حال تواجدها على الساحة، وأن بلوغ بعض السياسيين العراقيين مواقع السلطة فتح شهوتهم إلى المال، وشجع المسؤولون الأميركيون الذين يهيمنون على مقاليد الأمور خلال السنوات الماضية السياسيين العراقية الاستفادة من العقود والدخول في المناقصات سيما ما يتعلق بإعادة الأعمار أو الهواتف النقالة وما إلى ذلك”. وضمن ذلك الإطار، أكدت نائبة المفتش العام الأميركي المختص بإعادة اعمار العراق جينجر كروز ان الفساد متفش على “كل المستويات” في ظل حكومة رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي ويقدر المسؤولون عن مراقبة اختلاس الأموال العامة أن أربعة مليارات دولار على الأقل نهبت من خزينة الدولة .
لايمكن لأي أحد في ظل استحواذ القادة الحاليين على المشهد السياسي وقيادة البلد أن يفترض حلاً ، طالما أن التفكير في اسباب المشكلة ما زال غائباً ، وأن أسباب تفاقمها قائما ، بل مازال التفكير الجدي في أصل المشكلة بعيدا عن اهتمام مفكرينا ومن تقع عليهم مسؤولية التغيير ، ويزيد من تفاقم الأمر أن المجتمع العراقي قد ورث من النظام السابق ( تراكما سلوكيا سلبيا ) خلقته الآلة الإعلامية للنظام السابق والمنطقة ، وأعانت عليه اساليب البطش والإرهاب خلال عقود طويلة ، مما ولد رؤيا طائفية وخوفا وترقبا لدى المكونات الرئيسية ، هذه الرؤيا توظفها الأحزاب الحاكمة اليوم ، توظيفا دقيقا لمكاسب انتخابية وأنا أعتقد أن لدى تلك الأحزاب خبراء ومستشارين أجانب يعملون على تعميقها ويصرفون من أجلها الكثير من ألأموال التي استحوذوا عليها من المال العام نتيجة لعمليات الفساد الذي يضرب بأطنابه وبحرية كاملة كل مرافق الدولة ، وهذا الواقع الذي يطرب إليه السياسيون ويجاهدون من أجل ترسيخه لأنه يضمن لهم مستقبلهم السياسي على حساب حاضر ومستقبل الأمة ، يشكل عاملأ إضافيا يزيد من تفاقم الأمر ويبعد المجتمع عن شاطي الحل, إذن نحن مدعوون جميعاً إلى التفكير الجدي في خطورة هذا الأمر ، والطلب من قبل كبار المفكرين العراقيين وذوي الاختصاص في معاهدنا الأكاديمية وفي الحوزة الدينية ، من أجل وضع اسس لمشاريع اجتماعية تضع أقدامنا على طريق الحل
ما هي أسباب الفساد في العراق؟- قد حاول حكم البعث خلال 35 سنة من حكمه الجائر تدمير النسيج الاجتماعي، والاخلاقي، والفكري والحضاري، وهيمن على كل وسائل الإعلام، ومنع العراقيين من التفكير الحر، لأن الدكتاتور وحده كان يفكر نيابة عنهم. وفي حالة منع الانسان من استعمال عقله كما يشاء لمدة طويلة، لا بد وأن يصاب عقله بالعطل وفق المقولة الطبية:(Use it or lose it)، أي (إما أن تستخدمه أو تفقده)، والضمور لعدم الاستعمال (Disuse atrophy). وهذا المبدأ ينطبق على الصحة الجسمية والعقلية، وحتى الماكنة الصماء إذا لم تستخدم تصدأ. فالشعب العراقي مُنِعَ من إعمال عقله والتفكير الحر لأاربعين سنة، أي منذ إنقلاب 8 شباط 1963 إلى 2003.
كذلك فرض حكم البعث على الشعب اخلاقيته التدميرية الشاذة بكل قسوة وصرامة، وهي الطاعة العمياء المطلقة للدكتاتور بدون أي نقاش، وعلى المواطن أن يتأقلم، ويتكيف كما يريده النظام وفق شعاره الذي ذكره حنا بطاطو في بحثه الأكاديمي عن تاريخ العراق: (إلما يمشي على سكتنا خلي يكعد ويه مرته). إضافة إلى الحصار الاقتصادي الدولي الذي أذل العراقيين، والحروب العبثية التدميرية، وغيرها من وسائل الخراب المادي والمعنوي والأخلاقي، فجردوا الناس من قيمهم وأعرافهم السابقة، وحتى الشعور بالمسؤولية والمواطنة والوطنية والإنتماء الوطني، فصاروا يائسين من الحياة، لا أباليين. وفي هذا الخصوص يقول الفيلسوف الإيرلندي (Edmond Burk): “لكي تحب وطنك، يجب أن يكون فيه ما يجعلك تحبه”. لذلك فقد المواطنون كل شعور يربطهم بهذا الوطن، ولسان حالهم يقول:(طز بالوطن، طز بالآخرين)، و (وكلمن يقول يا روحي). بل فرضوا على الشعب التقشف المجحف، وشحة في البضائع بما فيها المواد الغذائية الضرورية منذ السبعينات، أي قبل الحرب العراقية الإيرانية والحروب اللاحقة. وكنا نسمع أن صدام كان قد تبنى مقولة لأحد خلفاء بني العباس: (جوِّع كلبك حتى يركض وراك). وأخذ صدام بهذه المقولة المهينة لكرامة الإنسان، وطبقها على العراقيين، ولقي التشجيع من مرتزقته حين كانوا يستقبلونه أين ما يذهب بهتافاتهم الرخيصة الصاخبة (بالروح بالدم نفديك يا صدام)، و(صدام اسمك هز أمريكا . لذلك فهذا الفساد المتفشي اليوم من أعلى قمة السلطة إلى أصغر موظف هو التركة الثقيلة التي ورثها العراق الجديد من البعث الساقط، وسوف يبقى إلى أجل غير معلوم. وإلا كيف يقبل مهندس أن يقوم بتفجير أنبوب نفط مقابل 600 دولار؟ نعم. هذا ما قرأته بعد التحرير في إحدى الصحف اللندنية قد يعترض البعض قائلاً: لكن البعث سقط إلى غير رجعة، فلماذا تلقون اللوم عليه الآن وبعد 16 عاماً؟ نعم، البعث سقط ولكن تركته الأخلاقية الكارثية ستبقى إلى أكثر من جيل. وحتى المسؤولون الفاسدون والعاجزون عن الإصلاح هم نتاج مرحلة البعث وخلاصة القول: الفساد والفوضى وغيرهما من الكوارث، هي صناعة محلية عراقية بامتياز، وليس من صنع أمريكا، وإذا كانت صناعة أمريكية فلماذا تمسك بها العراقيون؟ أليس عيباً عليهم قبول بضاعة فاسدة؟ على العراقيين أن يعيدوا النظر بمواقفهم من هذه الأمور، إذ لا يمكن الإصلاح إلا إذا بدأنا بإصلاح أنفسنا، وإعمال عقولنا بالتحليل الصائب، وتبديل المناهج الدراسية لرفع معنوية الإنسان العراقي، وحب الوطن، وحب الحياة، والتركيز على الولاء للوحدة الوطنية بدون عزل أو تهميش، وتشجيع التفكير النقدي، والنقد الذاتي، فـ”النقد أساس التقدم”، والتعلم من أخطاء الماضي، وليس تعليق غسيلنا على شماعة الآخرين. فكما قال حكيم: “الذين ينسون أخطاء الماضي محكوم عليهم بتكرارها
مَن هم الفاسدون في العراق؟ الصراخ المندد بالفساد الذي يعلو اليوم في الفضاء العراقي ما هو إلا فقاعات تجريبية يمسك من خلالها الفاسدون بأماكنهم في السلطة , تسممت حياة العراقيين بالفساد. الجميع هناك يقف ضد الفساد. الفقراء والأثرياء. المنبوذون وأصحاب الامتيازات الخاصة. الخدم والسادة. العلمانيون والمعممون. العامة والخاصة. المثقفون وباعة الملابس المستعملة. المعارضون والمستفيدون من غنائم نظام المحاصصة الطائفية. القتلة السابقون والقتلة الجدد. أئمة المساجد وزعماء الميليشيات التي ارتكبت أبشع الجرائم وفي كل لحظة يبدو العراقيون هذه الأيام كما لو أنهم يخرجون في تظاهرة ضد الفساد. لم يعد لديهم ما يجمعهم سوى الهجوم على الفساد. وهو ما يشير في ظاهره إلى صحوة نموذجية بعد ليل الأحزاب الدينية الطويل .لقد دمر الفساد حياة العراقيين. هذا صحيح. الفساد أذلهم وقهرهم وانحرف بأخلاقهم فصاروا إما مسروقين أو لصوصا. حطم الفساد قيمهم وأعرافهم وحقائق حياتهم، وسرق أجمل ما يملكون وهو التكافل الاجتماعي والتسامح في النظر إلى الآخر المختلف. الفساد حرمهم من أنظمة التعليم والصحة وخدمات البنية التحتية، وهو الذي دمر قدرتهم على أن يروا الحقائق كما هي. فلا دينهم سويّ ولا دنياهم نضرة, إذا كانت الطبقة السياسية التي حكمت العراق عبر سبعة عشرة سنة تدعو اليوم إلى محاربة الفساد، فمن الذي أوصل العراق إلى المرتبة الأولى في سلم الدول الفاسدة؟كل هذا صحيح ولكن الفساد ليس ظاهرة تجريدية أو ذهنية. وهنا يبرز سؤال قانوني هو “مَن هم الفاسدون؟” لا فساد من غير فاسدين فإذا كانت الطبقة السياسية التي حكمت العراق عبر سبعة اثنتي عشرة سنة تدعو اليوم إلى محاربة الفساد، فمَن الذي أوصل العراق إلى المرتبة الأولى في سلم الدول الفاسدة ومَن هم الفاسدون؟ وكان أحد أعضاء مجلس النواب العراقي صريحا بطريقة فاجعة حين قال ذات مرة على شاشة التلفزيون “كلنا فاسدون”، ولكن ذلك الاعتراف لن يكون حجة دامغة إلا إذا تدخلت السلطة القضائية في تأكيد الوقائع من خلال وثائق لا يتخللها الشك. وهو ما لا يمكن توقع حدوثه في العراق. ذلك لأن السلطة القضائية هي الأخرى تحوم حولها شبهات الفساد. ألم تبرئ تلك السلطة سليم الجبوري، وهو رئيس مجلس النواب، من تهم الفساد التي وجهت إليه خلال ربع ساعة؟ لقد تسممت حياة العراقيين بالفساد. رائحة الفساد العفنة تنبعث من كلامهم وثيابهم وطريقة عيشهم وأسلوب نظرهم إلى العالم وطريقة تعاملهم مع الحقيقة. هم كائنات مفسدة، وهم في الوقت نفسه ضحايا ماكنة فساد عظيمة لا قدرة لشعب تعرض للتجهيل والتضليل عبر سنوات مضنية على مقاومتها وفي سياق المنطق السليم يمكن القول إن الفاسدين هم من أوصل العراق إلى المرتبة العليا في سلم الدول الفاسدة. وهو منطق نظري لا يمكن أن يهتدي إلى صلابته الواقعية ويمسك بعصا العقاب إلا من خلال وثائق قانونية ما صرح به نوري المالكي، وهو عميد أكاديمية الفساد في العراق، من أنه يملك ملفـات كثيرة تـدين الفاسدين هو أمـر لا يمكن الاستهانة به، ذلك لأن ذلك الرجل الذي عاش حياة، يكمـن سر نجـاتها في التآمر على الآخرين عرف جيدا كيف يجر الجميع إلى مستنقع الفساد. وهـو يدرك أنه عن طريق ذلك لن يكون الفاسد الوحيد. وهنا علينا أن نعترف أن الرجل نجح في تنفيذ مخططه غير أن المالكي حين يهدد خصومه السياسيين بتلك الملفات، فإنه من حيث لا يدري يفصح عن فساده الشخصي. كان يومها رئيسا للسلطة التنفيذية وهو ما يؤهله للتصدي للفاسدين بحكم منصبه، لا أن يتستر عليهم من خلال الاحتفاظ بملفات يمكن أن يستعملها في عمليات النيل من خصومه والمالكي الذي يعترف اليوم من خلال شعاراته الانتخابية بأنه أهدر ثروة العراق يضفي طابعا إنسانيا على ما فعله. ذلك لأنه كما يقول كان قد وزع تلك الثروة المنهوبة بطريقة ارتجالية على أرامل وأيتام وفقراء عراقيين، وهو يقصد أعضاء حزب الدعوة الذين صاروا بحكم ما حصلوا عليه من امتيازات أباطرة العراق الجديد,, كان المالكي ولا يزال مطمئنا إلى أن أحدا لن يطارده ولن يقبض عليه بتهمة الفساد ما دامت السلطة القضائية تدين بالولاء له. لذلك فإن الصراخ المندد بالفساد الذي يعلو اليوم في الفضاء العراقي ما هو إلا فقاعات تجريبية يمسك من خلالها الفاسدون بأماكنهم في السلطة ,.