23 ديسمبر، 2024 10:02 م

إذا دخل الاحتمال بطل الاستدلال

إذا دخل الاحتمال بطل الاستدلال

في هذه الكلمات المتواضعة أسلط الضوء على عبارة كان يستعملها الشهيد محمد الصدر(قد) في مناسبات عديدة وهي عبارة (اذا دخل الاحتمال بطل الاستدلال)

والمراد منها هو تمحيص الاستدلال -اي استدلال- وتمييز الاستدلال الصحيح من الباطل…….

ما معنى بطلان الاستدلال وصحته؟

الاستدلال الصحيح هوالاستدلال البرهاني وهو ما كان  منتجا للقطع واليقين بمعنى ان يترجح طرفٌ ترجيحاً تاما على الطرف الاخر….

وحيث ان العلم(التصديق) يكون إما اثبات وإما نفي فيكون الرجحان التام إما  لطرف الاثبات بنسبة 100% على طرف النفي بنسبة 0%….

ومثال ذلك: العراق حار في فصل الصيف.

أو العكس وهو رجحان طرف النفي بنسبة 100%على طرف الاثبات بنسبة 0%

ومثال ذلك: العراق ليس بلداً أوربياً.

وفي هذين المثالين فإنه من المستحيل أن يدخل الاحتمال ولو بنسبة 1% وبالتالي فإن الاستدلال يكون صحيحا….

فالمراد من دخول الاحتمال هو دخوله على الطرف المرجوح الذي تكون نسبة الإحتمال فيه 0% وهذه النسبة ضرورية لكل إستدلال برهاني ولذلك عرف علماء المنطق البرهان بأنه اليقين بثبوت المحمول للموضوع عن طريق معرفة العلة في ثبوته له (المصدر الاسس المنطقية للاستقراء للسيد الشهيد محمد باقر الصدر(قدس))

وفي المثالين فإن الموضوع هو (العراق) والمحمول هو (حار) في المثال الاول و(ليس بلداً اوربياً) في المثال الثاني….

والمراد من العلة في تعريف المناطقة للبرهان هو الدليل لأنه علة اليقين…

فالاستدلال الصحيح لابد ان يتوفر فيه أمران:-

1- الرجحان التام لأحد الطرفين وبنسبة 100% على الطرف الاخر.

2- إستحالة وتعذر إمكان الطرف المرجوح أي إستحالة دخول الاحتمال ولو بنسبة 1%على الطرف المرجوح اي إن نسبة الطرف المرجوح  في الاستدلال البرهاني لابد أن تبقى 0%…

 

إن معنى دخول الاحتمال هو نقصان نسبة الطرف الراجح بحسب قيمة نسبة الاحتمال الداخل على الطرف المرجوح (التناسب عكسي بين الطرفين ) فعلى سبيل المثال لو كانت نسبة إحتمال الطرف المرجوح هو 1% فهذا يعني نقصان نسبة الطرف الراجح فيصبح 99% وهذه النسبة الراجحة من الناحية المنطقية لا تمثل يقيناً بل هي الظن بعينه وهذا يؤدي الى بطلان الاستدلال لأن الاستدلال البرهاني لابد أن يكون منتجا لليقين وإلا فلا….

 إن الظن من الناحية المنطقية والدقية تكون نسبته من 51% الى 99% أما اليقين فنسبته 100% فقط لأن علماء المنطق يقسمون العلم الى نوعين ظن ويقين…

إن هذه الحقيقة (اي حقيقة الاستدلال البرهاني) يؤمن بها جميع المناطقة والفلاسفة وعلماء الرياضيات وسائر اهل العلم بل هي من الامور المسلمة عندهم…

ولكن الشهيد الصدر(قد) بما يمتلك من ذكاءٍ وفطنةٍ وألمعيةٍ وعبقريةٍ إستطاع أن يستفيد من هذه الحقيقة من أجل الدفاع عن الحق والعدل والاسلام والقران بإتخاذ هذا الاسلوب الدفاعي الذي من خلاله برهن على بطلان كل استدلال مزعوم وموهوم عن طريق دخول الاحتمال عليه وهذا الاسلوب يمثل أحد أساليب نظام الاطروحات الذي إبتكره الشهيد محمد الصدر(قدس) وهذا ماصرح به قدس سره في أكثر من مناسبة من أهمها مقدمة كتابه الرائع (منة المنان في الدفاع عن القران) وقد تشرفت بكتابة بحثين أو أكثر تناولت من خلالها بيان الاساليب المتنوعة لنظام الاطرحات في فكر الشهيد محمد الصدر(قد) وهي ثلاثة أساليب وهذا الاسلوب هو واحد منها.

بقي ان أشير إلى العبارات المتنوعة التي إستعملها الشهيد محمد الصدر(قدس) من خلال مؤلفاته ومحاضراته ودروسه ومواعظه وخطبه….الخ وهي تعبر عن نفس المعنى ولكنها ذات فائدة عظيمة لأنه (قدس سره) كان يتوخى من تنوعها تعليم الاخرين وتوضيح المراد منها وهذا واضح لكل من تدبر فيها والعبارات أذكر منها:

1-   إذا دخل الاحتمال بطل الاستدلال.

2-   الاحتمال قاطع للاستدلال.

3-   الاحتمال دافع للاستدلال.

4-   الاحتمال مبطل للاستدلال.     

إن هذا الاسلوب من اساليب الاطروحات قد كشف لنا عن مدى أهمية الاحتمال في الفكر الانساني والاسلامي على حد سواء…. فانه بالرغم من ان الاحتمال لايصلح أن يكون برهانا واستدلالا ولكنه (أي الاحتمال) دائما ما يكون سببا لبطلان الكثير الكثير من الاستدلالات المزعومة والتي ملئت الكثير من المؤلفات والافكار الضالة التي لطالما كشرت عن انيابها لأجل الصد عن سبيل الله على حد تعبير القران الكريم ومن المؤسف جدا أن هذه الاستدلالات المزعومة لم تقتصر على أعداء الأسلام والأنسانية من خارج الأسلام بل تبناها الكثير من ابناء الأسلام الذين فتنتهم بعض الفلسفات الغربية تحت شعارات براقة عديدة ولوكانت هذه الافكار صحيحة لكان من المستحيل أن يدخل عليها الاحتمال!!!! وهيهات أن تكون كذلك بعد أن ثبت للجميع بطلانها علميا ومنطقيا وحتى عمليا وتطبيقيا!!!

إن العظة والعبرة من طرح هذا الموضوع هو أننا لابد أن نستعمل هذا الاسلوب الرائع في الدفاع عن الحق والعدل والدين والمذهب كما فعل ذلك شهيدنا الصدر الثاني (قد) طيلة حياته الشريفة.