22 ديسمبر، 2024 7:19 م

إدارة المياه ضرورة الأمس وليس غدا

إدارة المياه ضرورة الأمس وليس غدا

وتعقيبا على تقرير الرقابة ر.ت 19922في 13-9-2022
مقدمات لم يرافقها تكيّف للظرف
وضع المياه في المنطقة عموما والعراق جزء من المنطقة يحتاج إلى عمل وتخطيط وليس معالجة طوارئ، فما يحصل ليس طارئا وإنما هو إنذار لتغيير مناخي اندمج مع الدورة المناخية للجفاف والرطوبة زمنيا، الاستعداد مطلوبا من الأمس وليس غدا أو اليوم بل منذ ثمانية عشر عاما عندما بدأت الفجوة تتسع بين الصيف وأخذت أمطار الخريف تختفي حتى قبل هذا ببضع سنين.
في عام 1964 سجل زلزال ألاسكا العظيم، ثم في عام 2004 سجل زلزال إندونيسيا البالغ 9,2 على مقياس رختر، أعقبه تسونامي رهيب شكل صدمة لم تلبث إلا أن تضعف أمام زلزال (توهوكو العظيم) وتسونامي اليابان في آذار 2011 والذي لوحظ على اثره حركة في الكتلة الجليدية بل في الجزر اليابانية بانحراف واضح، وسجلت حركة في محور الأرض على أزمنة متعددة لم يعرف العلماء سببها، لكن الشديد في اثر الزلازل هذه تأثيرها على تصدع الجبال الجليدية في القطب الجنوبي ولاشك أن هنالك أثرا في القطب الشمالي، ومن هنا يأتي التغيير المناخي “المحتمل” مبررا وبتعاظم مع تسجيل زيادة مهمة رغم صغر رقمها في سرعة دوران الأرض وليس بالضرورة أن التغيير يعني الجفاف في العراق وشرق المتوسط بل قد يعني اضطرابات لزمن ما ثم استقرار على فيضانات أو جفاف لا أظن أن الجزم في احد الاتجاهات مستحسن ودول المنطقة تخمن بلا دراسات ذات رؤية حقيقية أو التزام بمنهج ما أو لها الجرأة على تنفيد إصلاحات ضرورية بل لا عزيمة ولا إرادة واضحة تظهر حقيقة كل هذا.
شحة المياه:
هنالك في الحقيقة اضطراب في التزامن المعهود لسقوط الأمطار مع شحة ليست معلومة فعلا إن كانت ستستمر أم هو نوع من الانقلاب المناخي أو الاضطراب الذي يسبق الانقلاب ولا أظن أن هنالك قدرة حقيقية على تحديد مدة زمنية لهذا الأمر، فدول المنبع نفسها تتعرض مع خزاناتها الطبيعية من بحيرات وينابيع إلى الجفاف والشحة، وقد نوهت إلى ذلك في مقالات سابقة.
ضرورة ملحة:
إن إدارة المياه لا تعني المراشنة في مياه الإرواء فقط فهذه إدارة ري لأراضي متشاركة في المياه وهي جزء من إدارة المياه في التشغيل لمشاريع؛ بيد أن المعني بإدارة المياه هو الاستراتيجية التي تبنى فيها معالجة المتغيرات القادمة ومرونة هذه الاستراتيجية في مساحة التكتيك أثناء تنفيذها وهذا لا يأتي من خلال نظرة تركز على هذا الجانب أو ذاك كلما ظهرت مخاطر بل يجب ألا تظهر هذه المخاطر إلا كأعراض مرض عند من تلقى التلقيح ضده
تقرير الرقابة المالية:
على الرغم من توجه التقرير باللوم على معدي التقارير الوصفية للحالات الخطيرة في التصحر والأرقام المخيفة حقا، لكن التقرير نفسه كان وصفيا ولم يتجه إلى عنصر مهم في التخطيط للمعالجة إلا باستنتاجات مهمة ولكن بلا كيف تحققه وزارة الموارد المائية بالذات، فهذه الوزارة لا يتضح لها تصويبات أو دعم حقيقي أو أعانتها بالخطة والرؤية، والوزارة تتحدث عن خطط لشركات اجنبيه لعشرات السنين ولغاية 2050 كطموح قادم، وهي بها مراكز دراسات تقليدية وظيفية تحتاج تعريفا للمهام وتوسيع تفعيلها لتكون مراكز دراسات حقيقية تستعين بالخبرات والتي يمكن أن تولد كوادر قادرة على التنفيد بشجاعة لرؤية واضحة والتزام حقيقي.
إن مراكز الدراسات ليست زوايا راحة وإنما هي خلايا نحل تضع الفرضيات وترسم الخطط والبدائل وتدرب الكوادر إداريا وفنيا، وتؤهلهم ليكونوا قادة يواجهون المستحدثات بما أنجزته تلك المراكز وتحديثات خططها، لكن السؤال الذي ينبغي أن يكون مقدمة لإنصاف مطلوب هل الوضع في البلد يسمح بهذا، وما يجري فعلا من محاصصة وما يترتب عليها وهل ستكون هنالك أجواء صحية للبذل والتضحية من المختصين، وهل سياتي الشخص المناسب في المكان المناسب أم يأتيك كل يحمل فكرة تقليدية ينشغل بها ولا يوجد من يصوب له تلك الفكرة أو يصوب مساره، هذا أصلا إن كان لديه فكرة ومشروع سواء كان في جانب من المشكلة أو طوباويا لا يسمن ولا يغني من جوع.
المشكلة ليس حلها عند مواجهتها:
المشكلة اذًا حلها يسبقها، والتسفيه للراي وإبعاد الكوادر التي تحمل العلم والتي تمتاز بالاستقلالية أمام تقريب الكوادر التكنوقراط المنفذة المطيعة لن يبني خططا أو كوادر أو يحلل مشاكل حقيقية أو يتخذ قرار فكل شيء مؤجل ومحول وهذا الحال في دول العالم الثالث كما كان يسمى ظاهرة لهذا تراها تغرق في المشاكل وتعجز عن مواجهتها وتشعر بالغثيان عندما يتحدث مسؤول عن العلاج.
الأمور متفاقمة ولا يمكن حلها بسهولة هذا إن تولدت إرادة حل لتشكل رؤية فهذه الأمور تحتاج سنين لتثمر ونحن في منحدر المشاكل البيئية
ما شخصه تقرير الرقابة ــــــ الذي ساترك تحليله لآخرين ـــــــ وفي فقرة نبذة عن التقرير أراه يحمل في النقاط الثلاث الأخيرة مختصر لتفاصيل كثيرة مهم حلها، أما ما ذهب باستنتاجات وصفية وحلول فهو يفتقر إلى الآليات وخطط علاجية لعله من خلال هذا المقال ومقالات سابقة كتبتها عن فضاءات التكامل في إدارة الموارد المائية وعن سد النهضة وغيرها تكون احد الروافد لتكملة منظومة حل مخطط لها وليس كرد فعل على الواقع وتوقع من وزارة كالموارد المائية أن تنجزه وهي تحتاج إلى رؤى وليس رؤية وتحتاج إلى تخصيصات لبناء هكذا صروح علمية ممكن أن تتشارك مع دول الجوار في حل ازمه تعترضنا معا شئنا أم أبينا.
لابد أن نفهم الأمر ليس مواقف سياسية أو عسكرية وإنما مشكلتنا كما هي معظم مشاكل المياه فنية إدارية.