23 ديسمبر، 2024 4:16 ص

أصبحت الموهبة (Talent) من المواضيع الساخنة في إدارة الموارد البشرية، وأثارت اهتمام الكثير من الباحثين والكتاب حول هذا المفهوم، ومما أثار الاهتمام هي شـركة McKinsey التي قدمت عام (1997) دراسة جاء فيها مصطلح الحرب على المواهب (War for Talents)، لإعادة التفكير في الإجراءات التي ستتخذها لاستقطاب الأفراد الموهوبين والاحتفاظ بهم.
أن بعض الأشخاص يعتبرون موهوبون لامتلاكهم قدرات وإمكانات استثنائية يستطيعون من خلالها التأثير في كفاءة وفعالية المنظمة التي يعملون فيها. ويمكن لأي شخص قادر على التأثير في تحقيق المنظمة لأهدافها أن يطلق عليه موهوب ، وهنا لا يجب على الإدارة التركيز فقط على مجموعة صغيرة من هؤلاء الذين يمتلكون مقدرات استثنائية دون غيرهم كون كل فرد يمتلك مقدرات وإمكانيات كامنة يمكن تحفيزها ورعايتها لتحقيق الميزة التنافسية للمنظمة. وهنا يمكن تفسير الموهوب على أنه أي شخص أكثر التزاما، وتحفزاً، وذو الأداء الفاعل الذي يحقق أهداف المنظمة بكفاءة وفعالية غير مسبوقة. ولقد دلت العديد من الدراسات السلوكية والنفسية في مجال السمات الشخصية للموهوبين أن الاختلاف بين الموهوبين يكمن في اختلاف قدرات التفكير، والمهارات، والسمات، والقدرات، والمعارف، والخبرات التي يمتلكونها ودرجة تأثير كل منها على العمل الذي يؤديه كل فرد منهم داخل المنظمة بما ينسجم مع الاستراتيجية الخاصة بالمنظمة.
أن الموهوب هو ذلك الشخص الذي يتمتع بالعديد من الصفات التي تسهم في تقدم منظمته أو أمته، أما اصطلاحا فهي قدرات ذات أصل تكويني لا ترتبط بذكاء الفرد. اي القدرة في حقل معين أو المقدرة الطبيعية ذات الفاعلية الكبرى. وهم مجموعة من العاملين الذين لديهم الأفكار والمعارف والمهارات، ومنحهم الإمكانات على إنتاج القيمة من الموارد المتاحة لديهم”. وبذلك فهم مزيج معقد من الموظفين والمهارات والمعارف والقدرات المعرفية والمحتملة”. وعرفت الموهبة على أنها القيمة النادرة، التي يصعب تقليدها، ولكن لها خصائص محددة وأنها ليست دائما واضحة. في ضوء التعاريف السابقة يمكن القول ان الموهبة هي مجموعة القدرات المميزة والخبرات والمعارف والمهارات والسلوكيات التي يمتلكها العاملون من أجل تحقيق أهداف المنظمة.
أما مصطلح إدارة المواهب فقد ظهر في أواخر القرن الماضي وهناك عدد من التعريفات الخاصة به وقد اختلف الباحثون والدراسون في تعريف إدارة المواهب، فقد عرفت بأنها “مجموعة من
النشاطات الخاصة بالمنظمة والتي تعنى بامتلاك وتطوير وتحفيز واستدامة الموظفين الموهوبين لتحقيق أهداف المنظمات الحالية والمستقبلية”. أي أنها “استخدام مجموعة من الأنشطة المتداخلة والمترابطة حيث تقوم المنظمة من خلالها باستقطاب واستدامة وتطوير الأفراد الموهوبون الذين تحتاج إليهم المنظمة في الوقت الحالي وفي المستقبل لتحقيق الميزة التنافسية”.
ويمكن القول ان إدارة المواهب هي “نظام إداري يقوم على تحديد الوظائف الأكثر أهمية وحساسية في المنظمة والتي تسهم في تحقيق الميزة التنافسية المستدامة من خلال تزويدها بالقوى العاملة المناسبة لتأديتها بفعالية وكفاءة عالية”.
ان التطور الذي شهدته الإدارة والأعمال في السنوات الأخيرة طور مفاهيم ومصطلحات وأفكارا إدارية وتنظيمية جديدة في مجال الموارد البشرية ورأس المال البشري وإدارة وتخطيط الموارد والمواهب الإدارية، ومن أهم المفاهيم الجديدة مفهوم إدارة المواهب في الإدارة. وأصبح الاهتمام بالمواهب في إدارة الأعمال ضروريا لتحقيق أداء عال، وظهرت مصطلحات ومفاهيم جديدة في المواهب الإدارية وإدارتها, وزاد الاهتمام به أخيرا بصفته مفهوما يركز على مفهوم الاهتمام بالقدرات والمواهب والمهارات الفعالة في الموارد البشرية.
وتهدف استراتيجية وبرامج تطبيق إدارة الموهبة في الموارد البشرية إلى تطوير مفهوم ثقافة التركيز على المواهب كمصدر للتنافس وتزويد هذه الموارد بمساعدة الموظفين لإنجاز أفضل قدراتهم ومواهبهم كما تساعد الأعمال للاستجابة للتحديات، والدخول إلى أسواق جديدة، والتحرك إلى الأمام في سبيل المنافسة والتنافس. والشركات التي تملك مواهب وقوة عمل ناجحة تستطيع تطور سمعة عامة لتكون مكانا عظيما وجذابا للعمل، حيث تبني الولاء والثقة بين الموظفين الحاليين.
وتأتي التجارب اليابانية والألمانية والصينية والكورية والماليزية والعديد من التجارب الأخرى، لتؤكد أن تحقيق التميز في الإنتاج ليس فقط من خلال إنشاء وحدات للموارد حتي تفعيل دور الموارد البشرية بشكل تقليدي في إدارة منظمات الأعمال، بل تعداه إلي العمل بشكل استراتيجي إلي زيادة أعداد الموهوبين من خلال برامج التربية والتعليم والتدريب والتطوير.
تعتبر الموهبة قضية العصر، إذ أن العصر الذي نعيشه الآن هو عصر علم وتقنية ونبوغ معرفي وتقدم مذهل يعتمد في أساسه على تخطي الحواجز وتغيير المألوف وابداع جديد متطور دائماً، ولا يتسنى ذلك للمجتمعات النامية إلا بالاعتماد على دور كل فرد من أفرادها عامة والموهوبين خاصة، فتقدم الأمم ورقيها مرهون بتقدم فكرها ونتاجها العلمي والتقني.
مفهوم إدارة المواهب البشرية
تم استخدام هذا المصطلح لأول مرة من قبل ديفيد واتكنس في عام 1998، في مقال نشره في العام نفسه، ورد مصطلح ومفهوم وعملية إدارة الموهبة في التسعينيات واستمر بعد تكييفه،
واستخدامه من قبل عديد من الشركات، حيث اكتشفت أن مواهب ومهارات العاملين فيها يجب العناية بها وأنها يجب أن تكون مركز العمليات، وهي التي تقود الأعمال إلى النجاح وتحقيق الأرباح، وقد سارعت عديد من الشركات العالمية الطموحة إلى أن تخطط وتطور مواردها البشرية ومواهبها، كما طورت مفهوم عملياتها وأساليبها في إدارة مواردها ومواهب موظفيها والعاملين فيها.
كما أنها عبارة عن مجموعة من العمليات التي تسعى لصياغة استراتيجية تركز على تخطيط حاجة المنظمة الآنية والمستقبلية من الموهوبين والعمل على استقطابهم من جهة، وتشخيص مستوى وجودة المواهب المتوافرة في المنظمة حاليا، وفي جميع مستوياتها التنظيمية لتطوير وإثراء معارفها باعتماد معايير موضوعية وبرامج تطويرية مستدامة من جهة أخرى، والعمل على المحافظة على الموهوبين واستبقائهم من خلال توفير الظروف الملائمة لهم والحوافز المشجعة لإسنادهم وادارة مسارهم الوظيفي.
كما أن إدارة المواهب هي تنفيذ استراتيجيات متكاملة أو أنظمة مصممة لتحسين عمليات توظيف وتطوير الأشخاص والاحتفاظ بذوي المهارات المطلوبة والاستعداد لتلبية الاحتياجات التنظيمية الحالية والمستقبلية.
وتعرف إدارة المواهب أيضا بأنها عملية تطوير وتوحيد وتكامل بين التركيز على قدرات ومواهب الموظفين لتحقيق المنافسة، وتطوير العاملين الجدد، والمحافظة على العاملين الحاليين، وجذب العاملين الموهوبين من ذوي الخبرات العالية للعمل في الشركات والمؤسسات.
أهمية إدارة المواهب البشرية في منظمات الأعمال:
عندما تلبي أي منظمة حاجات الموهوبين وتنمي قدراتهم، سوف يظهر الإنتاج الإبداعي والابتكار والذي سيؤدي حتماً إلى مخرجات تميز هذه المنظمة عن غيرها, وتظهر أهمية إدارة الموهوبين من حيث:
1- التكاليف: تكاليف الحاجة إلى استبدال شخص من ذوي المهارات النادرة والمواهب كبيرة، لأنها ليست متاحة بحرية في السوق هذا يعني أن هناك حاجة للوكالات أو المستشارين من أجل البحث للعثور على مثل هذه المواهب.
2- المخاطرة: على الرغم من محاولات ممارسة اختيار العاملين بفعالية، لكن هناك دائماً خطر أن العاملين الجدد لن يقوموا بتنفيذ كما هو متوقع منهم ما لم يمتلكوا مواهب تمنحهم بذلك .
3- خدمة العملاء وتكاليف الفرصة البديلة: يشعر العملاء بالثقة والارتياح عند وجود المواهب داخل المنظمة، وذلك لإيمانهم بمدى تميز الخدمة أو المنتج الذي سيحصلون عليه، لأن نقص الكفاءات يؤدي إلى زيادة الحمل على المنظمة، وغياب الالتزام
بالمواعيد النهائية، وانخفاض نوعية العمل مما يجعل المنظمات تفقد عملائها، كذللك تفقد القدرة على مواكبة أحدث الممارسات المتعلقة بإبداع المواهب.
وتظهر أهمية إدارة المواهب فيما يلي:
– التركيز على المناصب والمراكز الوظيفية الحرجة ذات الأهمية الاستراتيجية.
– تحديد أسماء البدلاء للمناصب الحرجة واستكشاف الطاقات الكامنة.
– تكوين أوعية مواهب لكل مستوى تنظيمي في المؤسسة.
– تحديد واضح للاستعداد الموهبي.
– تفادي اضطراب العمل بسبب الرحيل المفاجئ لشاغلي المناصب الحرجة.
– المحافظة على المواهب وضمان مساهمتها الإيجابية لخدمة المنظمة.
وترتبط إدارة المواهب بالإبداع والذكاء وكالآتي:
إدارة المواهب والإبداع: يعرف المبدع على أنه الشخص الذي يوجد الشيء من العدم أو الشخص الذي يتسم بالاستحداث لا المحاكاة أو التقليد، وعلى الرغم من الاتفاق اللغوي على معنى الإبداع إلا أن الدراسات الحديثة تشير إلى وجود بعض الفوارق بين المصطلحين في العصر الحديث، وعلى الرغم من هذه الفوارق إلا أن العلماء يتفقون على أن غالبية الخصائص الإبداعية موجودة لدى الموهوبين. ويظهر الإبداع على هيئة تفكير إبداعي يعتمد الأسلوب العلمي في البحث المتضمن الإحساس بالمشكلات التي تواجه المنظمات أو المجتمع، والقدرة على الملاحظة، ووضع الفرضيات واختبارها، والتحقق من صحة النتائج وفائدتها وتعميمها، أو على شكل منتج أو اكتشاف جديد.
ومنذ بداية القرن العشرين تزايد الاهتمام بالموهوبين والمتفوقين والمبدعين وذلك بتعليمهم وتدريبهم خدمةً لأهداف التنظيمات التي يتبعون لها. وظهرت العديد من الأسباب التي تدعو إلى الاهتمام بالموهوبين والمتفوقين، لذا كان من الطبيعي أن يتأثر تطور الاهتمام بالموهوبين المتفوقين بتطور حركة القياس العقلي، ذلك أن عملية اكتشاف الموهوبين والمتفوقين تتطلب قياساً لقدراته بطريقة أو بأخرى. أيضاً كان لسباق التسلح والحرب الباردة دوراً أساسياً في بروز الاهتمام بالموهوبين والمتفوقين والمبدعين أكاديمياً وتقنياً في المجالات كافة ، إذ أن الأمم تسعى للبقاء بالاعتماد على الأفراد الأكثر موهوبةً وتفوقاً وابدعا في تحقيق المهمات الصعبة التي تحفظ لها السيادة والبقاء. ومن ناحية أخرى تستمد المنظمات قوتها في تحقيق الميزة التنافسية على الأفراد الموهوبين والمبدعين لا من خلال تقديم أفضل الأسعار، واستخدام أفضل التقنيات، أو أفضل المنتجات، ولكنها تستمدها من كونها مرنة ومبتكرة ، وأن هذه المزايا التنافسية منبعها هم الموظفون والعاملون في التنظيمات التي تهتم بهم بشكل مباشر لتحقيق هذه المزايا وغيرها من المزايا التي تعود بالنفع العام على الجميع.
إدارة المواهب والذكــاء: تعددت وتنوعت تعاريف الذكاء، فمنها ما يعرف على أنها سرعة الفهم وحدته، ومنها أنه القدرة على التعلم، والقدرة على التكيف مع البيئة، والقدرة على اكتساب المعارف والخبرات والاستعداد للتعلم، والاستفادة من هذه الخبرات والمعارف في حل المشاكل، ومنها ما يعرف على أنها القدرة الى التفكير. ومن الجدير بالذكر أن الدراسات العلمية المبكرة للموهبة والإبداع قد ارتبطت بشكل مباشر مع نظرية الذكاء، ومن بعدها تطور مفهوم الموهبة ليعكس الفروق الفردية بين الأفراد ودرجة موهبة كل منهم واختلافها عن الآخرين.
وهنا يمكن القول بأن الأفراد الموهوبين هم في الأصل يحملون صفات الذكاء الذي يؤهلهم للتعامل مع المشكلات واتخاذ الطرق الكفيلة لحل هذه المشاكل والتغلب عليها، كما أن هناك اتجاه يميل إلى ربط الأفراد الموهوبين أو المواهب الكامنة داخل التنظيمات الإدارية وبين الذكاء العاطفي أو الشعور العاطفي الذي يمكن أن ينمي ويحفز مواهبهم باتجاه تحقيق التطلعات الاستراتيجية للمنظمة كإتباع أسلوب احتواء العاملين أو انخراط العاملين في رسم الاستراتيجيات العامة للمنظمة مما يعطيهم الحافز نحو إظهار قواهم وقدراتهم ومواهبهم المدفونة والكامنة من خلال ولائهم للمنظمة وللعمل الذي يقومون بتأديته.
تـصنـيـف المواهب داخل المنظمة
ويمكن تصنيف المواهب داخل المنظمة إلى أربعة أصناف:
1) مواهب قيادية Leadership Talent: هذه الفئة تقبع في قمة هرم تصنيف المواهب وهم القادة الموهوبون الذين يتمتعون بالمسئولية في وضع وإعداد وتوصيل وتنفيذ الاستراتيجية على مستوى المنظمة.
2) مواهب أساسية Key Talent: يشمل النوع الثاني أفراد لديهم حس المنافسة القوية ويعتبرون مواهب قيمة ومهمة بالنسبة للمنظمة نظراً لما يتمتعون به من قدرات وما يمتلكونه رؤية وتصور للمستقبل، كما أن لديهم القدرة على تحمل المسؤولية، وأن بعض الصناعات أو الأدوار يجب أن تتضمن المتخصصين وقادة الفكر أو ذوو المهارات النادرة.
3) مواهب جوهرية Core Talent: يشكل أفراد هذا النوع القوة العظمى ضمن العمل، وهم موظفو الإنتاج المسؤولين عن تسليم المنتج النهائي للمستهلك أو الزبون.
4) مواهب داعمة Support Talent: إن تنفيذ الأنشطة يتم من خلال دعم المواهب الداعمة للأعمال غير الأساسية، وكثيراً ما تكون هذه الأنشطة على سبيل المثال الأنشطة الادارية التي قد تصلح للأتمتة ، وتكون مهارات الأفراد العاملين داخل هذه المجموعة من المواهب المتوافرة بسهولة، ويمكن تغييرها في غضون أسابيع.