9 أبريل، 2024 7:57 م
Search
Close this search box.

إدارة العراق والسياسة البريطانية

Facebook
Twitter
LinkedIn

عند مطالعتي الكتاب الموسوم (الأساليب الميكافلية تجاه العشائر العراقية في ضوء نظام دعاوى العشائر المدنية والجزائية لسنة 1918) إصدار عام 2021 لمؤلفه أستاذ التاريخ الدكتور عادل تقي البلداوي، لفت انتباهي ما نقله عن المرحوم الدكتور كمال مظهر احمد حيث يقول ( كل حكام العالم ولا سيما الطغاة منهم، يستنكرون مبادئ ميكافلي نظرياً، إلا انهم يلجأون اليها عملياً، فعندما يكون هؤلاء الحكام خارج السلطة ينتقدون مبادئ ميكافلي بشدة، ولكنهم عندما يمسكون السلطة يؤيدون مبادئ ميكافلي نصاً وروحاً) (ص89)، وحينما أضع هذه المقولة مع ما مر به العراق منذ تأسيس الدولة (الحكم الوطني) عام 1921، اجد إنها ما زالت تواكب عمل الإدارات التي تعاقبت عليه دون استثناء، وعلى وجه الخصوص بعد عام 2003، حيث تلاحظ الوجوه ذاتها تتقلب بين حاكم في السلطة ومراقب لها خارج السلطة، فيشجب ويدين الفكر الميكافلي (الغاية تبرر الوسيلة) عندما يكون خارج الحكومة ويقبلها ويعدها منهجاً ناجحاً ان تمكن من الظفر بالسلطة، وبريطانيا وهي من الدول المحتلة للعراق في عام 2003 ، كان لها الدور الرئيسي في إدارة البلد من خلال المنصب الذي حظيت به (نائب الحاكم الاداري لسلطة الائتلاف المنحلة بول بريمر) حيث منح منصب نائب الحاكم بريمر إلى بريطانيا ورشحت له احد ابرز دبلوماسييها وهو مندوبها في مجلس الأمن في ذلك الوقت (جيرمي غيرنستوك) وكان يتولى ملفات مهمة من ابرزها الملفات ذات الصلة بالمجتمع العراقي ويذكر احد العاملين مع فيرق بريمر في حينه ان (جيرمي غيرنستوك) كان هو الذي يلتقي بالفعاليات الاجتماعية ويتواصل معها وكأنما خُطِطَ الأمر لان تتولى بريطانيا هذا الملف المهم، ودون أي ضجيج إعلامي، والغريب في الأمر انها اختلفت في سياستها تجاه العراق عن أسلوبها الذي كانت انتهجت أثناء احتلالها العراق عام 1914 ، ويذكر الدكتور البلداوي انها في ذلك الوقت سعت إلى ترسيخ النظام العشائري في العراق من اجل ان يكتب لاحتلالها النجاح فعمدت إلى تقنين ذلك عبر نظام دعاوى العشائر لعام 1916 ثم عدلته عام 1918 بإضافة مادتين ليشمل عموم العراق بعدما كان مقتصر على منطقة البصرة، وان السبب الذي دعاها لاعتمادها على رؤساء العشائر لم يأتي من فراغ أو مجرد صدفة وإنما عن دراسة عميقة وفاحصة لواقع المجتمع العراقي، حيث كانت تتابع نبض المجتمع العراقي من خلال تحليل خطابات نواب الولايات العراقية (بغداد والبصرة والموصل) في مجلس المبعوثين العثماني) وكان لخطاب احد هؤلاء المبعوثين دوراً في تولد هذه القناعة لأنه قال الاتي ( اسلم للمرء الف مرة ان يعتمد على العشيرة من ان يعتمد على الحكومة، ففي حين الحكومة تؤجل أو تتجاهل الظلم الذي وقع على الأفراد فان العشيرة مهما كانت ضعيفة، فإنها تعد العدة لنصرة اتباعها وتأخذ الثأر لهم) وعلى وفق ما ذكره الدكتور البلداوي (ص84)، والسياسة البريطانية الاستعمارية لم تتغير ابدأ تجاه العالم والشرق الأوسط بشكل عام، لأنها وكما يقول اهل الاختصاص في السياسة ان عقلها اكبر من قوتها بينما أمريكا قوتها اكبر من عقلها لذلك تبقى امريكا دائما بحاجة إلى العقل البريطاني، وما يثير الدهشة ان بريطانيا وتابعتها أمريكا لم تلتفت إلى العشائر هذه المرة عند السعي لترسيخ الاحتلال، وان كانت لها بعض المبادرات مع شيوخ العشائر في المنظقة الغربية، ولكن هذه مؤقتة بسبب حاجتها إلى السيطرة على الموقف العسكري، وإنما كان اهتمامها واضح جداً على بعض الشخصيات التي تدعي بانها تمثل رجال الدين واهتمت بهم كثيراً سواء من المسلمين أو غير المسلمين وكذلك من مختلف المذاهب، وهذا التحول من العشائر إلى رجال الدين يفيد بان الغاية البريطانية تبرر أي وسيلة تهدف الى ترسيخ الاحتلال وفرض أجندته على المجتمع، وخلال الفترة الممتدة من عام 2003 ولغاية الأن يلاحظ المراقب ان السياسة الغربية تجاه العراق هي سياسة بريطانية بامتياز، ومن أهدافها هو تمزيق نسيج المجتمع، والعمل على تشظيه إلى فرق ونحل وملل بمسميات متعددة، جوهرها واحد وهو ان لا يتوحد المجتمع لان في حدته تربك الوجود الغربي مهما كانت عدته أو عديده، ويقول احد الكتاب (ان الضمانة الأفضل للبقاء تتمثل في ان تكون مسيطراً فلا يمكن ان تقوم دولة أخرى بعد ان انهيار الاتحاد السوفيتي ان تهدد القوة الغربية المهيمنة) وعلى وفق ما ذكره ديفيد فيشر في كتبه الموسوم (الأخلاقيات والحرب) منشورات سلسلة عالم المعرفة الكويتية عام 2014 ص39، واعتقد إن بريطانيا نجحت نسبياً، وتكاد تكمل خطتها من خلال التحكم بمجريات الأمور التي سبقت الانتخابات الأخيرة واثنائها وما بعدها، والمراقب الفهيم لا يحتاج إلى تلميح لمعرفة هذه المقاصد، وان أدواتها التي استخدمها في عام 1914 لا تصلح هذه المرة وإنما تبحث عن زعامات تستند إلى ولاء عقائدي بدلاً من الولاء العشائري ويبدو إنها وجدت ضالتها، لكن هل سيستمر الحال كما رسم له من صانع القرار الغربي ( البريطاني) ام ستظهر امور لم يحسب لها؟ أرى ان الوقت القادم كفيل بالإجابة، وحتى ذلك الحين سنبقى ندور في الحلقة التي وضعت لنا، ونؤدي أدواراً رسمت لنا.

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب