23 ديسمبر، 2024 4:54 ص

إدارة التميز ودورها في تحقيق الاداء المتفوق

إدارة التميز ودورها في تحقيق الاداء المتفوق

مع حلول عصر المعرفة ، فأن الموجودات الفكرية للمنظمة تعٌد أهم موجوداتها ، وان استثمار المقدرة العقلية والعمل على تعزيزها وإدارتها بشكل فاعل ينعكس على تحقيق ما يسمى بالاداء الفكري Intellectual Performance ، الذي يحقق التفوق ويكسب الميزة التنافسية من خلال تحويل القيمة المهملة الموجودة في عقول العاملين في المنظمة الى رأس مال.

إن البيئة الاقتصادية سريعة التغيير ، والتي تتصف بظواهر مثل العولمة والأسواق غير المنتظمة وطلبات الزبون المتغيرة والمنافسة المتزايدة دائماً للمنتوج- السوق ، اصبحت قاعدة لأغلب المنظمات. ولغرض التنافس ينبغي أن تحسن المنظمات بأستمرار ادائها عن طريق إدارة فاعلة للتميز والتجديد في المنتجات والعمليات ، وتحسين النوعية والإنتاجية. وبذلك فأن القدرات المحورية ومصادر القوة التنافسية للمنظمات تعٌد مصدراً لتحقيق المزايا التنافسية المستدامة Sustainable Competitive Advantage والاداء المتفوق Superior Performance إذ أن الإدارة الفاعلة للإبتكار والتميز قادرة على بناء ما يسمى بأنظمة عمل الاداء العالي High Performance Work System التي تعتمد آلية ربط الأجور والسلوكيات ونتائج الأداء المرغوبة ، إذ تعمل وبشكل فعال على أن تختار وتحتفظ بالاشخاص الذين يتمتعون بمستويات ذكاء عالٍ.

نشأ مفهوم إدارة التميزEXCELLENCE MANAGEMENT للتعبير عن الحاجة إلى مدخل شامل يجمع عناصر ومقومات بناء المنظمات على أسس متفوقة تحقق لها قدرات متفوقة في مواجهة المتغيرات والأوضاع الخارجية المحيطة بها من ناحية ، كما تكفل لها تحقيق الترابط والتناسق الكامل بين عناصرها ومكوناتها الذاتية واستثمار قدراتها المحورية Core Competencies والتفوق بذلك في الأسواق وتحقيق العوائد والمنافع لأصحاب المصلحة Stakeholders من مالكين للمنظمة وعاملين بها ومتعاملين معها والمجتمع بأسره.

ويمكن تعريف التميز بأنه تبني الافكار المبتكرة وتقديمها على شكل سلع وخدمات نافعة ، او اعتمادها اسلوباً جديداً في العمليات ، وان المنظمات المتميزة هي التي تتفرد في توجيه ابتكاراتها نحو مخرجات ناجحة.

إن التميز يفتح امام منظمات الأعمال فضاءات فسيحة لا مقاومة فيها وان النجاح في مواجهة تحديات المنافسة الشاملة يتم من خلال تعامل الادارة المتفاعل مع حالات الإبتكار الفعال وفي معالجة المعلومات الجديدة والمستجدة وتقديمها على هيئة منتجات تشبع حاجة

المجتمع ، كما أن الثبات في السوق والتفوق على المنافسين يجب ان يستند الى ستراتيجيات جديدة مبتكرة ومنتجات جديدة ، فضلاً عن اساليب تصنيعية وتسويقية جديدة . من هنا يبدو واضحاً بأن التميز هو اكثر عناصر قوة المنظمة قدرة على خلق ميزات تنافسية تحقق للمنظمة هيمنة وريادة في السوق ، فمع مضي الزمن تتقارب الميزات التنافسية غير انه باستطاعة المنظمة المحافظة على قدراتها التنافسية من خلال التميز والذي يمكن وصفه بأنه:.

– يحقق نجاح المنظمة في التنافس على المستوى العالمي.

– يعزز ستراتيجية التنافس للمنظمة.

– ينتقل بالمنظمات ذات القدرات على التميز الى مواقف جديدة بأستمرار من خلال تحقيقه ميزات تنافسية لها ، وبالتالي تحقيق الأداء المتفوق.

وبذلك يمكن القول أن ثقافة التميز تعٌد مصدر الميزة التنافسية للاقتصاد المعرفي ، وقد إستولت مفاهيم التميز على عقول صُناع السياسة والاقتصاد كوسيلة لزيادة الدخل الوطني والفردي وتخفيض معدلات البطالة. ولقد غَدت الصناعات الإبتكارية التي تتعدد تعريفاتها عنصراً مهماً في تكوين الاقتصادات المتقدمة ، ففي عام 2001 ، قُدر صافي حقوق النشر الأمريكية بـ (791.2) بليون دولار ، وهو ما يعادل (%7.75) من إجمالي الناتج المحلي ويعمل فيها حوالي (8) ملايين عامل ، ويفوق إسهامها في الصادرات الخارجية صادرات الصناعات الكيمياوية أو صناعة السيارات أو الطائرات أو صادرات قطاع الزراعة. وفي بريطانيا قٌدرت عائدات الصناعات الإبداعية بـ (112.52) بليون إسترليني ويعمل فيها (1.3) مليون شخص ، وفي ماليزيا تجاوزت قيمة الصادرات من السلع الإبتكارية ذات التكنولوجيا العالية الى اكثر من (%58) من إجمالي صادراتها الخارجية (الحسيني ، 2008: 154). وترتكز الصناعات الإبتكارية على تنمية الموهبة الفردية وتزويدها بالمعارف (الفنية ، الصناعية ، التكنولوجية ،…) وينتج عنها نواتج ثقافية (فنون إبداعية ، موسيقى ، سينما ،…) أو صناعية (سلع تحويلية ، أدوات ووسائل إنتاج ، أجهزة ،…) أو زراعية (تحسين أدوات ووسائل الري ، بذور جديدة ،…) أو مالية وإدارية أو خدماتية وغير ذلك. كما أدت الصناعات الإبتكارية الى تغيير في نظرة المستهلك الى نواتج الإبتكار وإقتناء السلع الجديدة لناحية الجودة والسعر والرفاهية التي تؤمنها ، وفي نظرة رجال الأعمال من أفراد وشركات الذين وجدوا في هذه الصناعات مجالاً أوسع للكسب والربح معتمدين على عقولهم ومعارفهم ، وفي نظرة الدول المتقدمة منها والنامية التي وجدت فيها وسيلة مناسبة للتنمية البشرية والاقتصادية.

من هنا حٌول واضعوا السياسة وإستراتيجيات التعليم والعلوم إهتمامهم الى تعزيز ثقافة التميز ، بعد ان تأكد لمهندسي السياسات المالية والاقتصادية أن القيمة المضافة تتأتى من قيمة المعلومات ونواتج البحوث العلمية والسلع المبتكرة ، فبعد أن كانت الشركات الكبرى مثل جنرال

موتورز وجنرال إليكتريك تحتل الصدارة في الاقتصاد الاميركي وفي سوق الأسهم ، إنتقلت هذه الصدارة الى مايكروسوفت والى شركات المعلومات والاتصالات العملاقة المرتكزة على المعرفة العلمية الدقيقة.

وعلى هذا الأساس يستند مفهوم ” إدارة التميز” إلى إطار فكري واضح يعتمد التكامل والترابط ويلتزم منطق التفكير المنظومي Systemic Thinking الذي يرى المنظمة على أنها منظومة متكاملة تتفاعل عناصرها وتتشابك آلياتها ومن ثم تكون مخرجاتها محصلة لقدراتها المجتمعة . ومن ثم فإن إدارة التميز هي القدرة على توفيق وتنسيق عناصر المنظمة وتشغيلها في تكامل وترابط لتحقيق أعلى معدلات الفاعلية ، والوصول بذلك إلى مستوى المخرجات الذي يحقق رغبات ومنافع وتوقعات أصحاب المصلحة المرتبطين بالمنظمة.

وتتمثل مفاتيح ” إدارة التميز” في مجموعة التوجهات الإدارية التي تشترك في بناء وتنمية ثقافة تنظيمية محفزة لفرص التميز والتفوق. وتعبر تلك التوجهات الإدارية عن أنماط سلوكية متفوقة تستهدف توفير أفضل الظروف والآليات والأدوات للأداء الذي يلتزم بمواصفات ومتطلبات الجودة الشاملة والمتوافق مع رغبات وتوقعات الزبائن ، وهي

وتتضمن قائمة مفاتيح ” إدارة التميز” ما يلي:

* تنمية وحفز الابتكار Innovation

* تنمية وتفعيل التوجه لإرضاء الزبائن Customer Satisfaction

* الالتزام بأخلاقيات وقيم العمل الإيجابية Positive Work Ethics

* تنمية وتوظيف الرصيد المعرفي المتجدد للعاملين Knowledge Management

* تيسير وتفعيل فرص التعلم التنظيمي Organizational Learning

* تنمية آليات التفكير الإبتكاري والالتزام بمنهجية علمية في بحث المشكلات واتخاذ القرارات.

* الاهتمام المتوازن بأصحاب المصلحة Balanced Results for Stakeholders

* تنمية الإحساس بالمسؤولية الاجتماعية لدى العاملين Social Responsibility