22 نوفمبر، 2024 3:08 م
Search
Close this search box.

إدارة الاختلاف

لو نظرنا للواقع وصفحات التاريخ لوجدنا رايات الاختلاف مشرعة ، وهذا الاختلاف الفكري والعقائدي …الخ .. له عدة عوامل نترك الكلام عنها في مواضيع أخرى وكذلك اعتناق وتبني هذا التوجه او المذهب وذاك ، أيضا خاضع لعوامل عديدة خاصة وعامة ، والاختلاف أمر طبيعي، وقد بدأ منذ زمن ابني آدم (عليه السلام) والخطورة تكمن في إدارة الاختلاف فالنتائج تتبع طريقة إدارة الاختلاف فلو أُتبعت سياسة “من لم يكن معي فهو ضدي” فسيحدث التصادم والتناحر وهذا ما يخبر عنه التاريخ ويحكي عنه الواقع . فتقسيم الناس إلى قسمين “مع ، وضد” شيء خطير جدا . إما إذا أُتبعت سياسة “رأيي صوابا يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب” فسنحرر مساحة معينة ولو صغيرة في عقولنا لتقبل الاختلاف ، وإدارته وفق الرأي والرأي الأخر تمكننا من تدوير الزوايا وفهم بعضنا للبعض الأخر مع الإشارة إلى التمسك بالقناعات الفكرية والمذاهب العقدية ، لكن مع الالتزام بصيغة الطرح والحوارات المبنية على الاحترام والهدوء ، بعيدا عن التجريح والسب ولغة الاتهام وبما إننا مسلمون فلنطرق باب أعلى كتاب قيمي لدينا ونسأله عن رأيه في هذا الموضوع وهل لديه إجابة ونماذج وخطة لهذه المسألة ؟
في القران الكريم عدة نماذج ووقائع تحكي عن الأسلوب الراقي في الحوار وإدارة الخلاف والاختلاف ، بل يصل الأمر إلى مقابلة التعدي والتجريح بالحسنى والكلام الطيب الهادئ ، ومن هذه النماذج ما جاء في سورة الأعراف ، ففيها عرض موجز عن حوار بين نبي الله نوح وقومه ، ونبي الله هود وقوم عاد تتجلى فيهما لغة الحوار والأدب
قال تعالى في قصة هود ” قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (66) قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ (67) ” سورة الاعراف . لاحظ معي لغة الاتهام لدى قوم هود فهم في معرض اتهام للنبي “نراك في سفاهة ونظنك من الكاذبين” فبماذا أجابهم وكيف رد عليهم ؟! لم يقل لهم انتم السفهاء ولا انتم الكاذبين بل اكتفى بنفي الصفة عنه واخبرهم بأنه مرسل ” قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ” .
وكذلك نبي الله نوح قال تعالى { لقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَىٰ-;- قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَٰ-;-هٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) قَالَ الْمَلَأُ مِن قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ * قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلَالَةٌ وَلَٰ-;-كِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ * أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ..} سورة الأعراف .
تمعن في الخطاب ، دعوة من النبي لعبادة الله ، وتحذير من عذاب واقع وخوفا على القوم فكان ردهم “إنا لنراك في ضلالة” فاكتفى بنفي الضلال واخبرهم بأنه ناصحا لهم ومبلغ . هذه النماذج القرآنية تبين لنا الخط الذي يجب ان نتبعه في الحوار وإدارة الاختلاف فهؤلاء الأنبياء مع جلالة قدرهم وعظيم شانهم يقابل ذلك اتهام وتهجم لكن الأنبياء لم يردوا على ذلك بمثله او ادنى منه من لغة الصد والتنفير، هذا مع قوم لم يؤمنوا بما يؤمن به الأنبياء . فما بالنا نحن والمشتركات بيننا كثيرة وثابتة ومتفق عليها وأعظمها الإيمان بالله تبارك وتعالى .
ان لغة التهجم والتجريح لا تنفع وتضر جزما وهي لغة المفلسين والضالين يقول المرجع المحقق السيد الصرخي الحسني (دام ظله) . في إحدى محاضراته عن لغة الحوار يقول ” البحث والكلام والنقاش الذي نطرحه في هذه المحاضرات، هو النقاش العلمي و النقاش المثمر و النقاش الأخلاقي و النقاش المطلوب هذا الذي حثّ عليه الله في طلب العلم سبحانه وتعالى، وأيضًا حثّ به وعليه الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) فهو نهج إلهيّ، نهج رسالي، نهج عقلائي، نهج علمي في تحقيق الرقيّ والعلوّ والعمق والسعة في أي علم من العلوم ، أمّا السبّ والشتم والاعتداء على الآخرين والتعرض للأعراض فهو سلاح الفاشل، سلاح الجاهل وسلاح الفاسق وسلاح البهيمي وسلاح الضالّ المضلّ وسلاح أئمّة الضلالة” . أنتهى كلام السيد المحقق .
نعم هذا هو المطلوب والنافع وقد دلت عليه الأدلة النقلية والعقلية وكل من يخالف ذلك ويميل إلى استخدام سلاح السب والشتم والاعتداء فقد حكم على نفسه بالجهل والإفلاس والضلال.

أحدث المقالات