22 ديسمبر، 2024 10:43 م

إدارة الإعلام العام ؟

إدارة الإعلام العام ؟

فقد الإعلام العام جزءا كبيرا من دوره لعدم امتلاكه وسائل منافسة ناضجة ومهنية مع الأعلام الخاص، في حين كسب الإعلام الخاص ثقة المشاهدين، يعني كسب ثقة الناس لوجود مهنية في صناعته، لذا يتوجه الناس إلى الصحف والقنوات الخاصة المملوكة من قبل بعض الأحزاب والسياسيين ورجال الإعمال والمستثمرين بعد أن فضلوها على القنوات والإذاعات والصحف المملوكة للدولة، علما إن ما يمتلكه إعلام الدولة من كوادر متخصصة عمرها المهني عقود من الزمن تمتلك الخبرة والمهنة وتراكماتها وبدون منافس والسؤال إذن: لماذا هذا الانحسار والتراجع في دور الإعلام العام، بعد أن أصبح تأثيره نسبيا؟ علما إن الإعلام العام هو خدمة وطنية عمومية تمول من قبل المال العام لخدمة المجتمع، وهذا يجرنا إلى التساؤل: من هم المعنيون بالسياسة الإعلامية في العراق؟ ولماذا لا يخرجون ويتحدثون للناس عن هذه السياسة؟ التي من أولوياتها أن تلعب دورا كبيرا في بناء الرأي العام والمجتمع والدولة وفي حياة المواطنين وتعزيز دور الأنظمة والقوانين والحقوق والواجبات، كون ظروفنا الوطنية الحالية بأمس الحاجة لصناعة سياسة إعلامية جديدة بإمكانها بناء رأي عام قوي يتضامن مع الدولة لمواجهة التحديات، ومما تقدم يظهر أن الدولة ليس بمقدورها السيطرة على الأعلام بشكل عام، وفي نفس الوقت لم تتمكن من تطوير وبناء إعلامها، وتحسين حاله وأدائه، والبعض يوعز ذلك لسبب غياب الأنظمة والقوانين، والحقيقة إن المشكلة هي ليست في الأنظمة والقوانين التي يتوازن من خلالها العمل الإعلامي، إنما الخلل في السياسة الإعلامية، التي يجب إن تظهر وتتبلور من قبل الدولة لتكون واضحة ومعروفه للإعلاميين، والعامل الأخر يكمن في الناس المعنيين بقيادة مؤسسات الإعلام العام الذين ليست لديهم بصمات إعلامية معروفة، لها تاريخ إعلامي متجذر في المسيرة الإعلامية العراقية الوطنية، يعني المعاناة والخراب الإعلامي بسبب هؤلاء، والحديث في هذا الموضوع يتطلب الشجاعة والجرأة والتشخيص العلمي المهني الدقيق لمفاصل الضعف، وبدون الجرأة والتشخيص بمهنية لا يتغير ويتحسن دور الإعلام العام والخاص في نفس الوقت، لان هناك قنوات ووسائل إعلام خاصة عليها مؤشرات كبيرة في عمليات خلط الأوراق والتصيد بالماء العكر وصولا لشرعنه ودعم الإرهاب، وهذا يحتاج أيضا الى وقفة جادة من الدولة لمنع تمدد هكذا إعلام مؤدلج مشبوه اضر بالواقع الوطني وبالبناء المجتمعي… اليوم علينا معرفة من هو الإعلامي؟ هل هو كل من يحمل هوية النقابات والمنظمات والمؤسسات الإعلامية؟ بعد ان أصبحت مهنة الإعلام بدون ضوابط، والكل يدعي انتسابه لهذه المهنة الإنسانية النبيلة، إذا مشكلتنا اليوم مع من يدير الإعلام ويترأس ويقود مؤسساته، لان هؤلاء من الضروري أن يكونوا من المتميزين في صناعته وصناعة سياسات إعلامية جديدة، فيها مضمون، لأنه ليس بمقدور الناس تحمل كلام إعلامي بدون مضمون… يعني المطلوب برامج ومناهج إعلامية فيها إبداع ولون وطعم بعيدا عن واقع الأحادية الإعلامية التي أوصلت الإعلام العام إلى التراجع والانحسار… وبالعربي الفصيح المطلوب صناعة إعلام رأي، ليس الإعلام دفاع عن مواقف معينة، وإنما صناعة إعلام معني بمعرفة احتياجات المواطنين والمشاهدين من كل الشرائح الاجتماعية والثقافية، وكل الطبقات بالإضافة إلى اهتمامه بالنخب والشباب والطفولة والمرأة، واحتياجات الطبقات الفقيرة المعدمة والمنسية.. يعني صناعة إعلام عام يحاكي الناس في أمالهم وتطلعاتهم ليتميز ويتفوق على الإعلام الخاص، وان لا يؤطر نفسه بإطار الحكومة، يعني التركيز والمتابعة لشؤون المواطنين، أكثر مما يكون التركيز على وجهات النظر الرسمية متناسيا إرادة ورغبات الناس، التي يتوجب على الإعلام العام إعطاؤها المساحات الأوسع في برامجه وفعالياته ومناهجه وخططه وتفكيره، لان ما يقوم به الإعلام الخاص من نشاطات استطاع من خلالها قضم جزء كبير من مساحة الإعلام العام والتأثير على أصحاب القرار في الدولة، وهذا يعني قدرة الإعلام الخاص على استخدام كل الوسائل المتاحة في تحقيق علاقة متينة مع المشاهدين وكسب ثقتهم …اي كسب ثقة الرأي العام وتوسيع مساحاته على حساب مساحة الإعلام العام الذي كان من الأولى به الاستفادة من تجربة نجاحات الإعلام الخاص كونه المسئول عن حمل الرسالة المجتمعية وتحقيق الخدمات العامة للمواطنين، بحكم تكوينه كان على الإعلام العام التميز على جميع القنوات وأجهزة الإعلام الخاصة المرئية والمسموعة والمقروءة، كونه ملك المجتمع وكان عليه أن يكون المنافس الأقوى المنتصر في أدائه وصولا إلى ابعد نقطة في المجتمع، ليتمكن من تحقيق مهامه وأهدافه في خدمة المجتمع والدولة سوية، كون الناس بأمس الحاجة للإعلام العام ولا غنى لهم عنه بالأخص عندما يكون ممثلا لهم وملبيا لطموحاتهم، ونحن إمام تحديات كبرى في الحرب على الفساد والإرهاب، وتفشي البطالة والفقر والتفاوت الطبقي وتردي الخدمات والتخلف عن الركب العالمي في العلوم والتكنولوجيا واحترام وتطبيق الأنظمة والقوانين، وكل هذه الفعاليات للإعلام دور أساسي وكبير فيها، لان الإعلام مهنة والمشكلة إن عدم التوازن في أداء إعلام الدولة بسبب غياب هذه المهنة وتنوع المصادر الإعلامية وغياب الرؤوس المهنية صاحبة الخبرة والتجربة الإعلامية وتراكماتها عن قيادة مؤسسات الإعلام العام وتصريف العمل الإعلامي بحرفية ونجاح من خلال خلق إعلام متنوع لان التمسك بالمهنية والتنوع بمقدوره تحقيق المنافسة والتنافس بين المؤسسات الإعلامية من اجل الوصول إلى الحقائق وتقديم البرامج المطلوبة برؤى علمية وحرية مهنية وسياسة إعلامية عامة واضحة بعد أن نتخلص من الأفكار الأحادية التي تعرقل عمل الإعلام العام، والانتقال إلى الواقع الوطني الجديد وفضاءات الحرية، وهنا لابد من التذكير بان عدم وجود دراسات جدوى حقيقية في التوسع في بعض المفاصل الإعلامية في مؤسسات الإعلام العام، ومعرفة من يقودها من أصحاب الخبرة والاختصاص بعيدا عن التحزبات والمحاصصات والتوسطات والقرارات الارتجالية في اختيار المسؤولين، لان الاعلام لا يقبل كل هذه الجوانب وهي تداعيات ومخاطر يواجهها الاعلام العام، ادت الى ضعفه وانحسار دوره وتعثره في اداء مهامه.. ولنعد الى تخبط الدولة وعدم قدرتهاعلى اصلاح وقيادة الاعلام العام وتطويره وهذا يرجع الى عدم وجود مراكز دراسات وبحوث اعلامية مهنية علمية تقدم لها الاستشارات والخطط المطلوبة لبناء الاعلام العام ونجاحه وتقيم برامجه من خلال المعايير العلمية الاعلامية ليصبح بعدها الاعلام العام اداة رائجة لدى المواطنين و هذا بأمس الحاجة الى وجود الادوات الاعلامية التي بمقدورها قيادة الاعلام العام بجميع مفاصله.. ان مشكلة الإعلام كونه الواجهة التي يشاهدها ويتابعها الناس لذا يكون معرضا للنقد خاصة الإعلام العام الذي يشكل العمود الفقري والرائد للإعلام الوطني.. ومن الضروري ان يدعم وتكون له حرية ومساحة من الثقة ليتحرك بدون الانتظار الى إشارات الدولة والمعنيين ليعطوه الموافقة في نشرالاخبار والوقائع والحقائق الدقيقة والموثقة طبقا لمعايير المهنة، وعلى المعنيين بقيادة الإعلام العام إدراك حقيقة إن الإعلام العام ليس هو ملك الدولة بل ملك المجتمع ويجب إعطاؤه الحرية بعد ان يتم اختيار أفضل المهنيين وأكثرهم خبرة وتجربة لقيادته ليتحول أي الإعلام العام خدمة عامة ينطق باسم كل المجتمع، لان الإعلام العام اليوم ينافسه الإعلام الخاص، ولهذا يجب ان يتمتع بالدقة والمصداقية الموثقة، والحقيقة هناك مشكلة في بيئة الإعلام العام،وكيف يقدم نفسه للمشاهدين والمستمعين والقراء، ويحترم حقوقهم ويشدهم له بدون مغادرة، وذالك عن طريق إشعارهم انهم الغاية والوسيلة .. بمعنى انهم الهدف ويعمل لصالحهم، وليس لصالح فئة او نظام معين لان من اولويات مهامه العمل لصالح الناس وحماية الدولة والمجتمع كل المجتمع وبدون تمييز بنشره للحقائق التي تحصن المواطنين..اي وضع المعلومات والحقائق الدقيقة بين يد المواطنين وعليهم اتخاذ قراراتهم من خلال هذه الحقائق والمعلومات والعمل لحماية انفسهم ووطنهم، واداء واجباتهم، وهذا يعني ان يتحمل الاعلام العام دوره الاساسي والمهني في بناء الراي العام الوطني وهذه المهام تدعوه للبحث عن الكوادر الحقيقية واعطائها حقوقها ووضعها في مكانها المناسب باعتماد واتباع اسس وثوابت العمل المؤسساتي وهذه النقطة من النقاط الجوهرية والاساسية المهمة جدا، والمقصود بها على من ياتي ويستلم المواقع القيادية في مؤسسات الاعلام العام عليه ان يكمل المسيرة ويبني فوق الموجود وله الحق ان يرمم ما يحتاج الى ترميم، ولكن دون نسف البناء والجهود التي بذلها المسؤول السابق وتهميش من عمل معه من الكوادر الاعلامية والادارية اي عدم نسف الماضي والبدء من جديد.. والفكرة واضحة لا تحتاج الى تفصيل وهذا تتحمله الدولة ايضا ، لان الدولة صانعة القرار ولا يوجد اعلام عام بمقدوره القتال والعمل لوحده دون دعم الدولة ليتمكن من اداء دوره وتحقيق اهدافه ومهامه واعطاء العاملين في الاعلام ضمانات تمكنهم من العمل بشفافية مريحة وبهذه الاسس والدعم والادوار المهنية سيتمكن الاعلام العام من العوده بقوة لمكانته والحفاظ على نفسه متميزا متفوقا على غيره من المؤسسات الاعلامية.