17 نوفمبر، 2024 11:44 م
Search
Close this search box.

إدارة الأزمة العراقية إلى أين؟(2)

إدارة الأزمة العراقية إلى أين؟(2)

قد يبدو إن من البالغة القول إن لا احد يستطيع التكهن ببساطة في مستقبل الأزمة العراقية الحالية وهذا ما قلناه في مقالتنا السابقة المنشورة في هذا الموقع الكريم بتاريخ 4 نيسان 2016 فتلك حقيقة نراها ثابتة وواضحة لمن ينظر بعين مستقلة إلا من الانتماء لهذا الشعب الأصيل الجبار وصار يعاني من ظلم ذوي القربى على مدى قرون وبعد أن كان يقود العالم في بناء الحضارة والتقدم في كبوة من الزمن صارت تفرض عليه تعاليم الديمقراطية الجديدة فالأحداث في تسارع مستمر وكل يوم تتمخض عن شيء جديد يتفاجأ به الكل على حد سواء الحكومة أو الشعب أو الجهات الفاعلة المؤثرة في صناعة القرار العراقي وهذا إفراز طبيعي لما خلفته سياسة إدارة الاحتلال الأمريكي وعمل عليه من تصدى للحكم في العراق بعد 2003 لأهداف كانت في بداية الأمر انتخابية وتساعد في توزيع المناصب الحكومية وما لبثت أن أصبحت بعد أن أثبتت نجاحها إلى مدى بعيد في الوصول إلى غايات العاملين عليها حيث عمل الجميع على تعدد الكتل بشكل واسع وعام أي تناسلت الكتل وانشطرت على نفسها ومن ثم تعددت الرؤوس والشخصيات المؤثرة في داخل الكتلة الواحدة حتى يصبح من الصعب الوصول إلى قرار واضح المعالم تعتمده إدارة دفة حكم البلاد يتفق عليه الجميع ونحن نعاصر تلاحق وتوالي الأزمات وتشابكها وتداخلها مع بعضها منذ سقوط النظام في 2003 إلى الآن فالكتل تختلف على كل شيء وعلى توزيع أي شيء وتبدل مواقفها بسرعة حسب المعطيات المستجدة ففي ضنهم إن تقاسم المناصب سيؤدي حتما إلى توفير الحماية للأشخاص والكتل من جانب والى الانتفاع المادي الذي هم بحاجة ماسة إليه لتحقيق المستوى ألمعاشي الذي يناسب المنصب من جهة ثانية وكما قلنا سابقا وحسب ضنهم فان المنفعة الشخصية تقع في البداية ثم منفعة الحزب أو الكتلة ومن ثم الطائفة ولو بنسبة قليلة وليست بذات الأهمية بدلالة ما تشهده المناطق الشيعية من إهمال لا يقل عن الإهمال الذي تعاني منه المناطق السنية وان تركز المتظاهرين وتعالي أصواتهم في الوسط والجنوب أكثر من أي مكان في العراق وحتى أخواننا الكرد الأكثر استقرارا يعانون من مشاكل الاختلاف السياسي.
إن ما لا يختلف عليه اثنان إن تقاطع الكتل السياسية وتكرار الأزمات له مسبباته التي تغذيها جهات محلية من الداخل أو إقليمية أو دولية من الخارج لها مصالحها في تصعيد وارتفاع وتيرة الشد والجذب بين الجميع وهي أبدا لن يسرها ولن تسمح باستقرار الشعب العراقي وهذا الحال هو جزء لا يتجزأ من الفوضى التي خلقتها أمريكا وصارت تعم المنطقة بأجمعها ومنها استمرار احتلال عصابات داعش للأراضي العراقية والسورية ناهيك عن تمددها إلى أكثر من دولة سواء في آسيا أو أفريقيا .
إن السنوات الثلاثة عشر الأخيرة التي مرت علينا تعتبر فترة قصيرة وغير كافية لقراءة المستقبل بدقة وقد جعلت من التقلبات السريعة أمر وارد جدا وان كثير من التنبؤات وقراءات المستقبل التي طرحها المحللون وتقصاها قد فشلت وكثير من الخطط التي وضعها الساسة قد اصطدمت بواقع غير متوقع فتحطمت ونحن في العراق لا نشبه غيرنا من شعوب المنطقة أو العالم لمزاجيتنا المفرطة وقابليتنا السريعة على تغير مواقفنا وحتى طموحاتنا في تلبية حاجاتنا الشعبية المشتركة قد تتبدل بين ليلة وضحاها بإرادتنا أو ربما بمؤثرات خارجية إلا في شيء واحد هو وحدة العراق شعبا وأرضا ومن يراهن على غير ذلك لن يحصد من رهانه غير الفشل خلاف ما يتحقق بالصدفة وما حدث في الدورة الرئاسية أو البرلمانية الحالية دليل واضح فكلنا يعي إن تلكؤ أجهزة الدولة في تقديم الخدمات له سببان رئيسيان أولهما إننا بسبب عدوان عصابات داعش أصبح اقتصادنا هو اقتصاد حرب وثانيهما هو التدهور الكبير في أسعار النفط وما ترتب عليه من تعطيل لمشاريع الدولة فاكتفت موازنتها للعام الحالي على توفير رواتب الموظفين وبشكل محدود جدا على تطوير المشاريع الخدمية الضرورية أي بمعنى أنها ميزانية تشغيلية غير إنتاجية الأمر الذي كان سببا في إثارة غضب الشارع فانطلق بتظاهرات تطالب بإصلاح البرنامج الحكومي وتوفير الخدمات ومحاسبة المفسدين وسراق المال العام فإذا بنا ندخل بأزمة سياسية جديدة كان هدفها معالجة الخلل فانقلبت إلى مشكلة آثارها السيد رئيس مجلس الوزراء الدكتور حيدر ألعبادي الذي يقول إن فريقه الوزاري يشكل حالة من الانسجام والتعاون لم يشهدها العراق طيلة السنوات الماضية ومع ذلك ادخل نفسه والكتل السياسية في مأزق لإعادة هيكلة الوزارات وتسمية تشكيلة من التكنوقراط وبعد شد وجذب واجتماعات واقتراحات وكثير من الاعتراضات ومواعيد تتجدد وجدنا سياسيو العراق يدخلون في مشكلة إقالة هيئة رئاسة البرلمان وظهور كتلة برلمانية جديدة عابرة لكل قادة الكتل ارتفع سقف مطالبها إلى إقالة الرئاسات الثلاث وارتفعت الأصوات من جديد وبدلا من لملمة المشكلة الأولى اتسعت دائرة الخلاف وفتحت أبواب التدخل الخارجي بشكل واسع من جديد وبين سعي البعض لسحب البساط من تحت أقدام الغير ومحاولات البعض في ركوب الموجة لتحقيق أهدافه وبين مخلص محب للعراق وشعبه وبين مبررات جديدة للاعتصامات دخلنا في متاهة جديدة غير محسوبة وغير متوقعة ضاع فيها المطلب الحقيقي للشعب وأصبحنا نقترب من نقطة البداية أكثر ما نكون من نقطة الشروع بالإصلاح وهكذا دواليك تتداخل الأزمات السياسية ولا بصيص أمل في نهاية واضحة وقريبة لها ومن المؤكد إن الأيام القادمة حبلى بكثير من الأحداث.

أحدث المقالات