19 ديسمبر، 2024 3:27 ص

إدارة الأزمة العراقية إلى أين؟

إدارة الأزمة العراقية إلى أين؟

هل يمر الشعب العراقي اليوم في مشكلة حقيقية أم أزمة وقتية يمكن عبورها وتجازوها كما تجاوز الكثير من المحن والمعضلات التي تم تسجيلها في تاريخنا الذي تكتب أحداثه منذ 2003 لحد الآن ؟
لا اعتقد إن احد ما يستطيع أن يتكهن إلى ما ستؤول إليه الأحداث التي آخذنا نعبر عنها بتشكيل حكومة التكنوقراط في القريب المنظور رغم المدد التي تحددها هذه الجهة أو تلك ذلك لان القوى المؤثرة فيها متعدد ومختلفة في توجهاتها وعوامل تغذيتها واختلاف الجهات الداعمة لقسم منها ومن يصدر القرار فيها بعد أن أصبح العراق ساحة لتصفية حسابات وصراعات دول الإقليم القريبة والدول المؤثرة عالميا فدول المنطقة ولا نستثني أحدا منها ابتداءا من دول الخليج التي تعمل على أن تفرز مكان مؤثرا وفاعلا لها على السواء إقليميا أو عالميا من خلال تغولها بعد تنامي امتلاكها لرؤوس الأموال وتضخمها مرورا بتركيا وإيران المتصارعتان لبسط النفوذ عبر كل تاريخهما مستغلتان الرهان على الطائفية وكل منها لها مصالحها التي لا يمكن تجاهلها في العراق وهي أيضا الأخرى في حالة صراع مع القوى العالمية التي هي أيضا مختلفة على مصالحها في المنطقة عموما والعراق خصوصا وبالتحديد أمريكا ومعها الاتحاد الأوربي من جهة وروسيا التي تحاول الحفاظ على استقرار اقتصادها القلق والمعتمد على تصدير الغاز ومحاولاتها المستمرة وبقوة لاستعادة أمجاد الاتحاد السوفيتي المنحل وتريد أن يكون لها موطئ قدم قوي ومؤثر في المياه الدافئة وتحاول امتلاك تأثيرا في المنطقة من جهة أخرى وفي خضم ذلك لا نتغافل الصراعات البينية والمؤثرات الداخلية في وبين أطراف الصراع جميعها إضافة إلى إن شعوب المنطقة بأجمعها سوق مثالية لتصريف كل شيء ولا ننسى المؤثر الأكبر وصاحب المصلحة الحقيقية في صراعات المنطقة وصاحب اليد الأطول في إدارة النزاعات جارتنا الدينية الحديثة التكوين إسرائيل التي تعمل على استقرار أمنها من خلال نقل الصراعات معها إلى الدول العربية والإسلامية المجاورة لإنجاح مفهوم الحرب بالنيابة أي أنها تعمل على جعل العرب والمسلمون يتقاتلون بينهم والانشغال عنها لإنهاكهم وإضعاف إمكانياتهم بل وإنهاء قابلياتهم القتالية في الوقت الذي تستمر بانجاز مشروعها التوسعي وسط تعتيم إعلامي وهذا ما يحدث الآن فعلا فلم يعد احد يتحدث عن جرائم اليهود بحق العرب والإسلام أبدا وصارت قضيتهم شبه منسية حتى في محافل الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان.
قبل الاسترسال في الموضوع يجدر بنا أن نتذكر إن المستقبل طال الوقت أم قصر في قيادة العالم شاء من شاء وأبى من أبى هو للمسلمين لان الأرض لا يرثها إلا عباد الله الصالحين وهذا ليس للمبالغة أو الخيال أو من قبيل الأمنيات وإنما هو كلام الخالق الجليل ويدركه الجميع لكنهم يتغابون عن ذكره ويستبقون التحضيرات لإبعاده وتأخير انجازه في اقل تقدير ما استطاعوا إلى ذلك من سبيل وهذا موضوع خاص يحتاج الكثير من النقاش والتداول لإشباعه ولسنا بصدده الآن .
ولكي لا ندخل في متاهات متشعبة ونبتعد عن محور حديثنا فان التكهن في مستقبل مجريات الأحداث العراقية الحالية نراه أمر صعب بسبب صعوبة تحديد العوامل المؤثرة في حركة عامة الشعب العراقي خصوصا بعد الالتفاف الواسع الذي حصل عليه السيد مقتدى الصدر وبالأخص بعد دخوله إلى المنطقة الخضراء والاعتصام داخلها ولا نختلف على انه مدعوم ومبارك من المرجعية العليا الرشيدة التي حذرت مسبقا من الانفجار الشعبي وما ينتج عنه وقد يصعب السيطرة عليه إذا ما تم تجاهل المطالب الشعبية ولنضع في حساباتنا أن من يعتصم ويضع الشروط والمطالب هم الشيعة يؤازرهم باقي أطياف الشعب العراقي المتضرر من سياسة الحكومة الشيعية وهنا خط احمر ولا يجوز عبوره فلا قتال شيعي شيعي ولا سفك للدماء مع الأخذ بعين الاعتبار مرور البلد بعدوان نذل وحقير وقذر هو عدوان عصابات داعش الإرهابية وهي جزء من المخطط المعد مسبقا لإنهاك شعوب المنطقة جميعها ولا نحتاج إلى إثبات ذلك بأمثلة لشخوص الحالة السورية والليبية والمصرية وما جرى فيها إضافة إلى حالتنا القائمة أمام أعيننا وارتفاع حصيلة ضحايا العنف هذا الشهر ربما تكفي كدليل.
إن أطراف الصراع الداخلي العراقي الآن متعددة تتقاتل بينها وليس بالضرورة باستخدام السلاح مع حضوره لفرض مشاريعها الخاصة وتحقيق مصالحها الحزبية والفئوية وتقوية نفوذها وأكثرها تقاتل بالنيابة عن غيرها والجميع في الخارج يراقب الموقف عن كثب وبدقة فإخواننا الكرد يسعون جاهدين إلى الاستحواذ على اكبر ما يمكن من ميزانية الدولة العراقية وهو حقهم الطبيعي ويتهيئون لإعلان دولتهم المستقلة انطلاقا من العراق رغم إدراكهم المسبق بان هذا الحلم الصعب تقريبا يستحيل تحقيقه في الوقت الحاضر مهما ضعفت الدولة العراقية حيث أنهم يتوزعون بكثافة على أربعة دول في المنطقة كما هو معلوم فبالإضافة إلى العراق يتوزعون بنسب متفاوتة في إيران وتركيا التي تعيش الآن فترة ذروة قوتها وفي سوريا التي تقترب أوضاعها من الوضع العراقي والكرد يجهدون في النأي بأنفسهم عن المشكلة العراقية إلا بقدر تعلق الأمر بهم ولا نتجاهل صراعاتهم البينية والسنة يحاولون استعادة مكانتهم بين قواعدهم التي ملت وعودهم الكاذبة وإفلاسهم السياسي والتظاهر بمظهر المظلوم وبعد أن فاحت رائحتهم في السرقات وانعدام إمكانيتهم في التأثير بالقرار السياسي العراقي بعد أن تركوا أهلهم يموتون مهجرين خارج مدنهم أما الشيعة الذين ارتفعت تضحياتهم في مقاتلة عصابات داعش الإرهابية فهم اليوم الأشد اعتراضا على حكومتهم والتظاهرات المطالبة بإصلاح أجهزة الحكومة تتركز في محافظاتهم وعلى هذا فانك تلاحظ إن لا احد في العراق يتوافق مع احد في طرحه وان الكتل بأجمعها مختلفة مع بعضها وكذلك حال أجهزة الدولة فانك تلاحظ الاختلاف والتسابق في إلقاء مسئولية ما آلت إليه الأمور والتقصير بين البرلمان والحكومة التنفيذية على بعضهم البعض وتعمق الخلاف بعد الأزمة المالية وتعمق أكثر بعد المطالبة بالإصلاح وأصبح على أشده بعد أن طرح الدكتور حيدر ألعبادي أسماء كابينته الوزارية المقترحة وبعد أن وضعت سقوف زمنية محددة فتكشفت الوجوه وأصبح الجميع أمام القول الصريح .
الآن فان المتابع البسيط للحالة العراقية لا يحتاج إلى عناء كبير ليفرز إن سبب الأزمات هم قادة البلد وان هناك أكثر من اتجاه للصراع الدائر بين النخب فيه وكل منها يجتهد في سحب البساط من تحت أقدام الآخرين بدل استيعابهم والتحاور معهم لإنضاج القرار السياسي وبلورة نظام الدولة وطريقة انقياده للدستور وكل يعمل على فرض إرادته وينزع إلى الدكتاتورية في ذلك رغم إن الظاهر من دستورنا انه يرسخ الديمقراطية فأصبحنا في النهاية جميعنا عاجزين فلا دولة مدنية ولا دولة دينية ولا دولة قومية ونكاد نضيع بين نظامنا البرلماني ونزعتنا الرئاسية وها نحن نهرب إلى الأمام ونرحل الأزمات بانتظار الفرج .
وأخيرا فان إجابة السؤال الأول لازالت محيرة للجميع ومن الصعب جدا قراءة قابل الأيام ودخلنا في مشكلة جديدة فمن أيد الدكتور حيدر ألعبادي ودعمه في الإصلاح هو نفسه من وضع العراقيل وتعددت أسباب وطرق الاعتراض وبدأت وجهات نظر جديدة تسوق إلى الجمهور والأيام لا تتوقف والمواعيد تقترب من نهاياتها ودعائنا إلى الله العزيز الحكيم أن يحفظ كل العراق الحبيب وأهله .

أحدث المقالات

أحدث المقالات