19 ديسمبر، 2024 12:21 ص

إخوان العراق أم خوّان العراق ؟

إخوان العراق أم خوّان العراق ؟

لم يكن لأحد أن يفاجأ لو أن انتفاضة شعبية عارمة اندلعت في أرجاء العراق لتقضي على النظام القائم وتضع رموزه حيث يوجب العدل أن يكونوا , بل إن نخباً وطنية سنّية تعتقد أن شروط هذه الانتفاضة باتت متوفرة بشرط أن يقدح جنوب العراق  شرارتها كما حدث دائماً عبر التاريخ , ولكن ما يجري منذ ثلاثة أشهر لم يجهض فقط الآمال بانتفاضة شاملة , بل عزز مواقع السلطة الطائفية و أسند مقولاتها بشواهد جاءت بالصوت والصورة على لسان معممين قطرت خطبهم سماً طائفيا , واستنفرت تهديداتهم الغرائز البدائية للناس بما يهدد جدياً وحدة البلد , ولم يكن هؤلاء المعممون في الأنبار وصلاح الدين والموصل وكركوك سوى الخلايا النائمة لحركة الاخوان المسلمين في العراق والتي تحمل اسم الحزب الاسلامي !   
سبق الاخوان المسلمون في العراق زملاءهم في تونس ومصر وليبيا وسوريا بالتآمر على تمزيق البلد وتأجيج الفتن فيه كما تقضي الإملاءات الأميركية , ففي شهر ايلول من عام 2007 قام السيد طارق الهاشمي الذي كان وقتها نائباً لرئيس الجمهورية والمرشد غير المعلن للإخوان المسلمين في العراق بلقاء الزعيمين الكرديين جلال الطالباني ومسعود البرزاني في استراحة سد دوكان , وقد وقع ثلاثتهم وثيقة اتفاق سياسي جاء فيها :
– تقسيم العراق إلى ثلاثة أقاليم ضمن نظام فدرالي , اقليم كردي وآخر سنّي وثالث شيعي .                                   
– يضم الاقليم الكردي محافظات أربيل والسليمانية ودهوك و كركوك ومعها أراضٍ في محافظتي ديالى والموصل .        
– تكون للأكراد الحرية الكاملة في إبرام عقود النفط .                                                                             
– ينشيء الأكراد 12 فرقة من قوات البيشمركة تتولى خزينة الحكومة المركزية الإنفاق على تدريبها وتسليحها بالطائرات والدبابات والمدفعية , وتتولى كذلك دفع رواتبها بحجة أنها جزء من منظومة الدفاع العراقية .                                
– يشمل الاقليم السنّي محافظات ديالى والأنبار والموصل وصلاح الدين , ويتولى الحزب الاسلامي حصراً إدارته .        
– يتشكل الاقليم الشيعي من محافظات جنوب العراق التسع .                                                                     
– تكون العاصمة بغداد محايدة باعتبارها مقرّاً للحكومة المركزية التي يشارك الجميع فيها .                                   
وبطبيعة الحال لم يكن السيد طارق الهاشمي يمثل شخصه في تلك الاتفاقية , بل كان مفوضاً في التوقيع عليها من قِبل قيادة الاخوان المسلمين في العراق ومن أبرزهم رافع العيساوي وأحمد العلواني وعبد الكريم السامرائي وإياد السامرائي وسليم الجبوري , ولكن الذي أجهض تلك العملية في ذلك الوقت أن أغلبية القائمة العراقية التي يشكل الإخوان المسلمون واحداً من مكوناتها قد رفضتها وأرغمت رئيسها السيد إياد علاوي على عدم تبنيها برغم تأييده لها , وقام بعض أطراف القائمة بإبلاغ رئيس الوزراء بمضمونها فبادر إلى الاتصال بالأكراد ليعلن إليهم رفض حكومته القاطع لها ؛ و قد اعتبرت محصلة هذه العملية فشلا سياسياً تحمل مسؤوليته السيد طارق الهاشمي أمام حزبه فجرى عزله عن منصب الأمانة العامة , ثم  كانت سبباً لتربص الحكومة به , وكذلك انتهى هارباً في المنفى تاركاً رجاله لمصيرهم .
جاءت أحداث ما سمي بالربيع العربي بحمولاتها الطائفية لتنعش آمال الإخوان المسلمين وحلفائهم الأكراد في إحياء اتفاق دوكان , خاصة وأن الأكراد قد وصلوا إلى قناعة بأن كيانهم التوسعي والمستقل لن يرى النور إلا بالقوة المسلحة وفي ظل حكومة معنية بتقسيم البلد يظنون أن التيار المقتدائي مؤهل لها ؛ وقد بلغت السيد نوري المالكي معلومات تفيد بأن ما بدأه  طارق الهاشمي سيكمله السيد رافع العيساوي وعلى نطاق أوسع وأخطر , وأن مشاورات تدورحول ترتيب آليات الانطلاق بهذا المخطط , وقد بادر نوري المالكي إلى وضع الائتلاف الشيعي الحاكم في صورة ما يجري ونبهه إلى شكل الخطر القادم , وقال لحلفائه أن أجهزة الدولة ترصد حركة العيساوي وحزبه لمعاودة إجهاض ذلك المخطط خاصة وأن معطيات مختلفة و أشدّ خطراً طرأت على مسرح الأحداث ولعله من أهمها دخول المحور القطري – التركي على الخط بدعم مالي وسياسي مفتوحين للاخوان المسلمين وحلفائهم , وتواجد ألوف اللاجئين السوريين في الأنبار ومعظم الرجال منهم ليس بريئاً من سوابق إرهابية , وتصاعد التنسيق بين فصائل الارهاب المسلّح ما بين العراق وسوريا , وبذلك خرج الأمر عن إطاره العراقي ليندرج في ما يجري تداوله عالمياً عن مشروع سايكس – بيكو 2 والذي سيعيد رسم حدود الدول العربية بما ينسجم وتكويناتها الطائفية .
وكان طبيعياً أن يلمّ التيار المقتدائي بتلك المعلومات بحكم عضويته في الائتلاف الحاكم , وكذلك بادر النائب جواد الشهيلي بنقلها إلى الطرف الكردي في أربيل وذلك ضمن ملف يتضمن تقريراً عن نوايا المالكي تجاه الأكراد , وقام الأكراد بدورهم بتنبيه القائمة العراقية و الحزب الاسلامي إلى نوايا الحكومة تجاه العيساوي , وكذلك جرى استنفار كل قدرات الاخوان المسلمين في العراق ومعهم حلفاؤهم من كافة أطياف الاسلام السياسي السنّي بما في ذلك فصائله المسلحة , وجرت اتصالات لاهثة بين الأنبار وهيئة علماء المسلمين المقيمة في عمّان ممثلة ببشار الفيضي , ليتم الاتفاق بين الجميع على اعتبار المساس المرتقب بالسيد رافع العيساوي ساعة الصفر التي تنطلق لحظة حلولها مظاهرات كبرى في كل منطقة عراقية متاحة لتطالب بإصلاح النظام , ثم التحكم في تلك المظاهرات وتوجيهها لتصعد بمطالبها إلى إسقاط النظام , ثم تجييشها ودفعها إلى سياق طائفي سافر تطالب فيه بفيدرالية سنّية وهوما حصل فعلا, وبطبائع الأمور لم يكن ممكناً رفع هكذا مطلب إلا من خلال تجاهل الهوية الوطنية وتأكيد التمايز الطائفي عبر حملة من البذاءات والشتائم استهدفت الآخر الطائفي والديني لتشعره أن التعايش بات مستحيلا وأن سلامة الجميع تقتضي الطلاق البائن ؛ ولم يتوقف أحد ليسأل عن مصدر تمويل ثلاث وجبات يومية لمئات الألوف من المتظاهرين في أربع محافظات و عن تكاليف إيوائهم !
………………………….
………………………….
سار نوري المالكي إلى الفخ المنصوب بأعين مفتوحة ولكن ببصيرة عمياء , فلم يكن الاخوان المسلمون في العراق لينجحون مع المحور القطري – التركي في اجتذاب ملايين العراقيين إلى مخططهم لولا أن تلك الملايين من المتظاهرين شأنهم شأن أشقائهم في جنوب العراق , متعبون وينوؤن تحت ثقل دولة فاشلة يقيدها دستورملغوم , ويحكمها نظام طائفي ظلامي وظالم أورثهم  الفقر والعوز والتخلف , وقد حشرها باستعلائه وانغلاقه المذهبي في مواطنة من الدرجة الثانية ,  وأن تلك الملايين يائسة من امكانية صلاحه وانتشاله من الفساد المروّع الذي يعوم فيه , وهي باتت مستعدة للسير خلف كل من يعدها بحياة فيها الكفاية والعدل والحلم والبشارة بغد أفضل , وهي غير معنية بالتحقق من هوية وحقيقة ارتباطات حملة هذا الوعد وهذه البشارة , ولا في أي شراع تنفخ رياحهم , فالانتقاء والتأمل في ساعات الشدة واليأس ترف لا يملكه المسحوقون .