جاء الأحتلال الأمريكي للعراق عام 2003 ليفتح بوابة جديدة في الأقليم والشرق الأوسط عموماً وبغض النظر عن الأسباب والذرائع وشرعيتها من عدمه إلا انني اود مناقشة النموذج الأمريكي الوافد حديثاً الى العراق كتجربة فريدة في القرن الحالي .
كي يكون النقاش مثمراً سوف لا اتطرق الى بيان كل العوامل وعلى الأخص المتعلقة في نظريات تحول القوة power transition ولا الى استراتيجيات الأدارة الأمريكية في التعامل مع الشعوب المتحولة من الأنظمة الشمولية الى الديمقراطية وسأركز على الخلل الجوهري الذي قاد الى اخفاق الولايات المتحدة الأمريكية في العراق وسقوط تجربتها فيه .
كان العراق قبل 100 عام محتلاَ من قبل المملكة المتحده وكان هناك نموذجاَ model للحكم ارساه الأنكليز بعد ان ورثوا نظاماً إدارياً فوضوياً يسود فيه العرف واللاقانون ويخضع لرغبات الوالي ومزاجه ولكنهم بعد الأنتداب جاءوا بنموذجاً ادارياً غاية في التنظيم واسسوا اركان ادارة الدولة وفقاً للنظام البريطاني ومن اولويات تلك الادارة هو الأختيار السليم للقادة والأداريين وتدريبهم الشاق في المدرسة الأدارية البريطانية الدقيقة التنظيم وكان المندوب السامي البريطاني بيرسي كوكس وخلفه ارنولد ولسون وفريقهما الأداري والعسكري المثال الأكثر سموا في النموذج البريطاني فكانت القفزة في البناء والتخطيط والأدارة وبناء مؤسسات الدولة والتقسيمات الأدارية ولعل اثار ذلك الأنتداب لاتزال شاخصة في العراق من شماله حتى جنوبه عمراناً وقيماً ثقافية مع انه إستعمار .
في العام 2003 احتلت الولايات المتحدة الأمريكية العراق ووضعت العراق تحت سلطة احتلال بموجب قرار اممي ولكنها فشلت في الأتيان بنموذج ادارة جذاب يتوائم مع قوتها العسكرية فكانت قوة تدمر وتهدم مؤسسات الدولة ولكن دون اعادة بناء لعدم امتلاكها اليات بناء صالحه لبلد كالعراق اما قياداتها فكانت هي الأسوء عبر تاريخ الأحتلال فكان اول حاكم مدني جي غارنر هو عسكري متقاعد عمل كمنسق لدى جلال الطالباني ومسعود البارازاني فكان اشبه بموظف لديهم وكحصان مروض broken horse تلاه بريمر مهرج مراهق تمكنت موظفة خدمة من إغواءه حتى اصبح إضحوكه في عشقه وصبيانيته وكانت هي الحاكم الفعلي وصانعة القرارات وفتحت الأبواب لهجرة مئات المسيحين الى الولايات المتحده الأمريكية والذين سيتغلغلوا داخل المؤسسة الكنسية الأمريكية وخلال عقد او عقدين سنشهد سيطرة المسيحين الوافدين على طول المؤسسة الكنسية افقياً وعامودياً . كان بريمر اول الفاسدين ولعل قضية ادانته بإختفاء اكثر من 8 مليار دولار من العراق هي من اسخن القضايا المتعلقة بفساد الموظفين الأمريكان وهذا النموذج ينطبق على جميع القادة العسكريين فالجميع لديه ملفات فساد خلقي واداري ومالي تتابعها المحاكم وعلى رأس القائمة باتريوس الذي طرد من رئاسة سي اي اي على ضوء قضية فساد اخلاقي والذي كان في العراق متأثر بقصة الف ليلة وليله وعلاقته باحدى السياسيات ازكمت الأنوف , هذه النماذج هي التي انتقيت لاعادة بناء العراق فكان الجميع نماذجاً في غاية السوء دون استثناء .
حينما نقارن بين النموذج الأمريكي والبريطاني سنرى الفارق الكبير بين ثقافتان مع ان كلاهما محتل والأمر الأخطر هو اختيار المحتل الجديد للطبقة الحاكمه بدءاً من غارنر الذي اختار الشخصيات الخمس لحكم العراق وهما جلال ومسعود وعبد العزيز الحكيم وعلاوي والجلبي وبتشكيلة غريبة من زعيمين كرد وثلاث شخصيات شيعية .
ان الفشل الأمريكي في صناعة النموذج البراق للتجربة هو الذي قاد فيما بعد الى الأستخفاف والاستهزاء بالسياسة الأمريكية من قبل دول الأقليم التي فيها دولتان على الأقل تصنفان كدول للقوة المتحولة في العقد القادم وهما تركيا وايران . ولو قارنا سليماني كمندوب ايران في العراق مع جميع الشخصيات الأمريكية الهزيلة والفاسدة لسلمنا بتفوق الآخير في جميع المجالات فهو يخدم دولته وعقيدته باخلاص وايثارونزاهه يستحق التقدير مع انه يقود مشروعا مدمراً يستهدف العراق والمنطقه .
ختاما اقول ان امريكا نجحت كقوة عسكرية هائلة ولكنها فشلت في تسويق النموذج الذي يقود لهدف جاذب مما ادى الى تدهورها وفقدان احترامها لما ارتكبه قادتها من اخطاء وفساد وفشل في الأختيار والبناء فالعهد قبل الأحتلال لايزال افضل بكثير مما بعده ولا يزال الشعب العراقي يدفع فاتورة الحمق الأمريكي والتغلغل الأيراني بنزيف الدم والثروة .