18 ديسمبر، 2024 10:20 م

إختفاء خاشقجي قضية تهز العروش وتحرك ماكنات الإعلام

إختفاء خاشقجي قضية تهز العروش وتحرك ماكنات الإعلام

لا أعرف هل هو سوء الطالع الذي يواجه السياسة السعودية الجديدة أم إن هناك مؤامرات دولية تحاك للنيل من توجه السعودية الجديد . يبدو إن إنشغال وإنغماس السعودية هذه الايام بالخلافات والصدامات والإنشقاقات والحروب الخارجية حركَ بها جانب العمل الاستخباراتي الى أعلى مستوياته من جديد ،فبعد حادثة إختفاء المعارض السعودي (ناصر السعيد) في بيروت عام 1979 لم يسبق للعالم أن سمع بسطوة وتجاوز المخابرات السعودية أو الخليجية إلى هذا الحد ، ما لايتقبله العقل هو أن تقوم المخابرت السعودية او الفرق الخاصة التابعة لولي العهد محمد بن سلمان بإغتيال أو إختطاف شخصية إعلامية معروفة مثل جمال خاشقجي . خاشقجي لم يكن يوماً يحمل بندقية أو يمول جماعات متطرفة تهدد أمن العائلة المالكة السعودية ، خاشقجي كان يكتب بقلمه ويبدي رأياُ معارضاً لسياسة محمد بن سلمان .
لو افترضنا إن لخاشقجي ادواراً خفية غير تلك الأفكار والأراء التي ينشرها في الصحف الدولية والمحلية ، فهل يتوقع من السعودية أن تلجأ وتستنجد وتطبق تجارب المخابرات العراقية والليبية في السبعينيات والثمانينيات من القرن المنصرم. أم إنها وجدت في تقليد ممارسات وأساليب الكي جي بي والسي إي آي فرصة مناسبة لتوجيه رسائل قوية الى إيران وتذكيرها بأنها قادرة على ممارسة نفس اساليبها، وهل سياسة وستراتيجيات السعودية التي يعلن عنها محمد بن سلمان مراراً وتكراراً ستبنى على اساس نبذ التطرف بكل أشكاله والإنفتاح الخارجي والداخلي على كل ما هو جديد بما في ذلك الوسائل الحديثة في القتل والإختطاف!
إذا صحت التسريبات التي وجدت باباً واسعاً للنشر، تبرعت بهِ الجزيرة القطرية والواشنطن بوست ورويتروأصرّواعلى مصداقيتها رغم إنها لا تزال مجرد إدعاءات من هنا وهناك ، فان السعودية تكون قد دخلت مرحلة جديدة لا يمكن لها التراجع عنها ، مرحلة تؤهلها الى تبوء مركز الصدارة والريادة في مجال تصفية كل من يقف أمامها من علماء دين أو كتاب رأي او معارضين مهما كان جنسهم ونوعهم .
إن حجم الضغوطات التي تواجه المملكة والخوف من اهتزاز العرش الملكي السعودي وزواله سيقودها الى الكثير من المغامرات والممارسات الإستفزازية التي لا يستفيد منها إلا من يترقب لها السوء ، السعودية حالة مختلفة عن ايران وسوريا في تحالفاتها ، فهي على الرغم من امتلاكها القوة الاقتصادية الهائلة والعمق الديني الذي يؤهلها لتكون مركزاً عظيماً للتنمية والإسلام السني ، إلا انها لم تستطع ان تُكّون خلية أو شبكة رصينة من الحلفاء الأقوياء الداعمين لها ، الغرب بزعامة اميركا وبريطانيا وفرنسا يعطيها جرعات محدودة من الدعم ويذكرها مراراً وتكراراً بإنها ستسقط إن لم تدفع .
الدول الإسلامية والعربية مرتبكة وغير قادرة على الوقوف معهاوممارسة دور الحليف القوي ، قطر بقطعها العلاقات وعزلتها افسدت على السعودية فرصة بقاءها راعياً لمصالح مجلس التعاون ، عمان تغرد خارج السرب الخليجي ، العراق حليف ايران القوي، لن يكون يوماً معها في مواجهة ايران مهما كان الثمن ، مصرتمارس دعم السعودية مقابل المال ولا تتوانى في التنسيق مع ايران ، الكويت تمارس دور المحايد حتى في الخلاف الايراني السعودي ، لم يبق لها عربياً إلا الامارات والبحرين والسودان كونهم يواجهون نفس المصير السعودي .
أما على الصعيد الاسلامي فهي لديها علاقات جيدة مع الباكستان الحليف الجيد ضمن التحالف العربي الذي يواجه الحوثين في اليمن ، لكن الانتخابات الاخيرة في الباكستان وظهور قيادة جديدة قد تغير وتحد من الدعم الباكستاني للمملكة . يضاف إلى ذلك وجود 41دولة اسلامية وعربية دخلت ضمن تحالف اسلامي عربي مركزه الرياض عام 2015لمحاربة التطرف ، لكنه يبقى بعيداً عن تصنيف الدولة الحليفة المباشرة للسعودية .
عودة الى قضية خاشقجي ، فإذا لم تبرىء السعودية نفسها من لغز إختفاء أو إغتيال الصحفي السعودي جمال الخاشقجي ، وإذا لم تستطع ايضاً أن تخرج من حرب اليمن منتصرةً ، فإن مصيرها سيكون مصير باقي دول المنطقة التي سبقتها في ذلك كمصر والعراق وسوريا وليبيا . وربما يكون خريف خليجي متمم للربيع العربي المشؤوم .