17 نوفمبر، 2024 2:25 م
Search
Close this search box.

إحياءُ أمر أهل بيت النبوة.. هو إحياء الانسان

إحياءُ أمر أهل بيت النبوة.. هو إحياء الانسان

روي عن الإمام الصادق عليه السلام أنَّه قال للفضيل بن يسار: « يا فضيل أتجلسون وتتحدثون؟ »قال: نعم جعلت فداك. قال الإمام: «إن تلك المجالس أحبها. فأحيوا أمرنا، فرحم الله من أحيا أمرنا »، بحار الأنوار، ج44، ص282، الحديث رقم 14.

وقال الإمام علي بن موسى الرضا : «من جلس مجلساً يحيي فيه أمرنا لم يمت قلبه يوم تموت القلوب»، بحار الأنوار، ج1، ص199، الحديث رقم 3، وسائل الشيعة/ج10/باب66/.

الكلام في مستويات:

المستوى الاول: (أَحيوا أمرنا)

ما هو هذا الأمر الذي حثَّ فيه ائمة أهل بيت النبوة عليهم السلام شيعتهم على إحيائه، وترحموا على من يُحيي هذا الأمر، وبينوا أنهم يحبون تلك المجالس التي يُحيى فيها أمرهم؟!!! ولماذا هذا التأكيد على ضرورة إحياء هذا الأمر؟!!!

هل أنَّ هذا الأمر (أَحيوا أمرنا) هو أمرٌ شخصي يعود لأهل بيت العصمة ؟!! فهل أنَّ القضية شخصية ومصلحية يعود نفعها وريعها لأهل بيت النبوة؟!! أم أنَّ هذا الأمر هو عام، والقضية عامة تصبُّ في الصالح العام؟!!، واذا كان عامًّا؛ فهل هو يخصُّ الشيعة؟!!! أم المسلمين بحيث تكون فائدته تشمل جميع المسلمين؟!!! أم أنَّه أمرٌ وقضيةٌ عامةٌ عابرةٌ للحدود المذهبية والدينية ليشمل الدائرة الانسانية جمعاء لأنَّ أهل بيت العصمة هم للناس اجمعين( وما ارسلناك الا رحمة للعالمين)؟!!!

واذا عرفنا معنى ذلك الأمر فماهي الكيفية والآلية التي يتم ويتحقق فيها إحياء أمر أهل بيت العصمة عليهم السلام؟!!!

المستوى الثاني: الإجابة من أئمة أهل بيت النبوة.

الإجابة التامة الشافية عن تلك التساؤلات تأتينا من أئمة أهل بيت النبوة أنفسهم حيث فسَّروا لنا معنى كلمة ( أحيوا أمرنا)، يقول الهروي سمعت الإمام أبا الحسن علي بن موسى الرضا عليه السلام يقول:« أحيوا أمرنا، رحم الله من أحيا أمرنا. قلت: يا بن رسول الله وكيف يحيا أمركم؟ قال: أن يتعلم علومنا ويعلمها الناس؛ فإن الناس لو علموا محاسن كلامنا لتبعونا»، بحار الأنوار، ج2، ص30، الحديث رقم13،

المستوى الثالث: أضواء من كلام الإمام:

يتضح من كلام الامام عليه السلام عدة أمور نذكر منها ما يأتي:

أولًا: إنَّ أمر أهل بيت العصمة الذي ورد منهم التأكيد على إحيائه هو علومهم عليهم السلام.

ثانيًا: إنَّ احياء أمر أهل البيت يتكون ويتحقق من خلال مرحلتين:

الأولى: تعلُّم علومهم والعمل بها.

الثانية: تعليم الناسَ تلك العلوم بالحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن.

ثالثًا: فالنتيجة أنَّ ( أحيوا امرنا) تعني تعلم علوم أهل بيت النبوة وتعليمها الناس.

رابعًا: إنَّ الإمام عليه السلام كشف وأشار الى قضية جوهرية وفي غاية الأهمية وهي أنَّه بيَّن الطريق السليم الذي يدفع الناس لإتباعهم واتباع منهجهم وذلك الطريق يتمثل بالعلم والعلوم ومحاسن الكلام والأخلاق حيث قال: (فإن الناس لو علموا محاسن كلامنا لتبعونا) وهي اشارة واضحة للمنهج الالهي المتمثل بالعلم والأثر العلمي الذي ينبغي للإنسان أن يجعله ضابطا ومعيارا للأتباع والاقتداء.

خامسًا: كما أنَّه عليه السلام بيَّن أنَّ المنهج السليم للدعوة اليهم قائمٌ على أساس ابراز وطرح العلم والأثر العلمي، حيث قال: (فإن الناس لو علموا محاسن كلامنا لتبعونا)، وليس بالسب واللعن والطعن والفحش والغلو والتطرف ونحوها من الممارسات التي تنفر الآخرين عن الحق والحقيقة.

المستوى الرابع: ماهي علوم أهل البيت؟

من الثابت أنَّ علوم أهل بيت النبوة عليهم السلام هي علوم جدهم النبي الأقدس، وهي علوم القرآن الكريم، وهي بمجموعها تشكل منظومة معرفية علمية قيمية أخلاقية انسانية شاملة ومتكاملة تُنظم حياة الانسان وتأخذ به نحو السعادة والكمال في الدنيا والآخرة.

المستوى الخامس: إنَّ تلك المجالس أحبها:

ماهي المجالس التي يُحبها أئمة أهل بيت النبوة؟

الجواب أيضًا يأتينا منهم عليهم السلام حيث قال الإمام الصادق: (إن تلك المجالس أحبها. فأحيوا أمرنا)، وهذا يعني أنَّ المجالس التي يُحبها أئمة أهل بيت العصمة هي المجالس التي يُحيى فيها أمرهم، وهذه المجالس هي التي يتعلم فيها الناس علوم أهل البيت، ويعلموها الناس، لأنَّ أمر أهل البيت هو علومهم، واحياء هذا الأمر هو تعلُّم علومهم وتعليمها الناس كما تبين لنا.

المستوى السادس: الشعائر الحسينية والمنهج الرسالي:

لا يخفى أنَّ الشعائر الحسينية الرسالية تكتسب أهميةً عظيمًة لأنَّها ترتبط بالإمام الحسين وثورته الإصلاحية التي ملكت القلوب والتي حافظت على استمرارية وديمومة الرسالة السماوية، وقد أسَّسها المعصومون عليهم السلام ورعوها حق الرعاية لما لها من دورٍ فعال في تربية المجتمع- فيما لو تم ممارستها بصورتها الرسالية- وقد اشار الاستاذ المعلم الى هذه القضية في بحثه( الثورة الحسينية والدولة المهدوية) حيث قال: «لترسيخ الثورة الحسينية وأهدافها في أذهان الناس وقلوبهم ولشحذ المخلـصين وتأسـيس الاسـتعدادات الروحيـة والجسدية وتحقيق التكاملات الفكرية والعاطفية والسلوكية، ولتهيئة القواعد والشرائح الاجتماعية التي تحتضن أطروحة الأخذ بالثأر والمحقق للعدل – عليه السلام – والانتصار له – عليه الـسلام – والثبـات علـى ذلـك، تــصدّى الأئمـة المعصومون – عليهم السلام – لتربية الأجيال وتحقيق الأهداف، وقد جعلوا المنبر الحسيني الوسيلة الرئيسية في تلك التربيـة الرسالية الإلهية، فقد عقدوا المجالس وأرشدوا الناس إلى ما يترتب عليها من آثار في الدنيا والآخرة »،

وسيرا على نهج المعصومين فقد حظيت تلك الشعائر بمكانةٍ عظيمةٍ وعنايةٍ كبيرةٍ في فكر وسلوك الأستاذ المُعلم الصرخي، فقد قدَّم خارطةً متكاملةً- على المستوى التنظيري والتطبيقي- لهذه الشعائر ليطرحها بصورتها الرسالية التربوية الاصلاحية التنويرية الوسطية المعتدلة بعيدًا عن مظاهر التمذهب والتخندق والتسييس والانتهاز والاستئكال والممارسات التي لا تمت الى الحسين ونهجه بصلة،

ولعل ما جاء في بيانه رقم-69- الموسوم (محطات في مسير كربلاء) يمثل برنامجًا رساليًا متكاملًا بيَّن فيه المنهج الالهي العلمي الشرعي الأخلاقي الذي ينبغي أنْ تقام وتمارس فيه الشعائر الحسينية من أجل تحقيق الحب والولاء والطاعة والنصرة الحقيقية للحسين ونهج الحسين: علم.. تقوى.. أخلاق.. وسطية، فكان مِن بين المحطات التربوية التي تضمنها البيان:

أولًا: الشعائر الحسينية العبادية: حيث قال الاستاذ المهندس: « لا بُدّ من أنْ نتوجه لأنفسنا بالسؤال: هل إنّنا جعلنا الشعائر الحسينية: المواكب والمجالس والمحاضرات واللطم والزنجيل والتطبير والمشي والمسير إلى كربلاء والمقدّسات هل جعلنا ذلك ومارسناه وطبّقناه على نحو العادة والعادة فقط وليس لأنّه عبادة وتعظيم لشعائر الله تعالى وتحصين الفكر والنفس من الانحراف والوقوع في الفساد والإفساد فلا نكون في إصلاح ولا من أهل الصلاح والإصلاح، فلا نكون مع الحسين الشهيد ولا مع جدّه الصادق الأمين- عليهما الصلاة والسلام-؟».

ثانيًا: تحيا النفوس والمجتمعات بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فقد قال الاستاذ المعلم: « لنسأل أنفسنا عن الأمر والنهي الفريضة الإلهية التي تحيا بها النفوس والقلوب والمجتمعات: هل تعلمناها على نهج الحسين- عليه السلام-؟ وهل عملنا بها وطبّقناها على نهج الحسين الشهيد وآله وصحبه الأطهار- عليهم السلام- وسيرة كربلاء التضحية والفداء والابتلاء والاختبار والغربلة والتمحيص وكل أنواع الجهاد المادي والمعنوي والامتياز في معسكر الحق وعدم الاستيحاش مع قلّة السالكين؟»

المستوى السابع: بشارةٌ وحياةٌ:

قال: الإمام علي بن موسى الرضا : «من جلس مجلساً يحيي فيه أمرنا لم يمت قلبه يوم تموت القلوب» بحار الأنوار، ج1، ص199، الحديث رقم 3، كتاب/وسائل الشيعة/ج10/باب66/.

يتضح من كلام الأمام عليه السلام عدم أمور منها:

اولًا: إنَّ الإمام عليه السلام بيَّن لنا أن ثمرة إقامة تلك المجالس التي يحيا فيها أمرهم- والذي هو تعلم وتعليم علومهم وسيرتهم- هي أحياء قلوب الناس وأرواحهم وأفكارهم وتهذيب وتربية سلوكهم ومواقفهم.

ثانيا: أمَّا المجالس الفاقدة لتلك الشرائط- التي وضعها المعصومون عليهم السلام- والتي تستخدم للرياء والانتهاز والاستئكال باسم اهل بيت العصمة فإنها بلا شك لا تُحيي القلوب، بل تميتها ولا يؤجر صاحبها كما ورد عن المعصوم.

ثالثا: إنَّ الغاية التي من اجلها حثَّ المعصومون على احياء أمرهم ليس من أجل مصلحة شخصية، وكسب وجاهة، أو ملك، أو منصب، أو مال، أو تكثير سواد-حاشاهم من ذلك- وإنَّما هي غايةٌ نبيلةٌ وساميةٌ تصبُّ في صالح الناس والمجتمعات والأوطان، حيث تربية وبناء الفرد والمجتمع الصالح الواعي البناء.

المستوى الثامن: إحياءُ أمرهم.. مظاهر وتطبيقات نورانية.

إحياءُ أمر أهل بيت النبوة.. هو إحياءٌ للفكر والعلم والأعلمية والأخلاق والإنسانية.

إحياءٌ أمر أهل بيت النبوة.. هو إحياءٌ للمنهج العلمي الشرعي الاخلاقي في الاختيار والاقتداء والإتباع والولاء والطاعة.

إحياءُ أمر أهل بيت النبوة.. هو إحياءٌ للوسطية والاعتدال.. إحياء منهج:( ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ…).

إحياءُ أمر أهل بيت النبوة.. هو إحياءٌ للسلم والسلام والتعايش السلمي.. احياءُ منهج ( الناس صنفان: أمَّا أخ لك في الدين، أو نظير لك في الخلق)

إحياءُ أمر أهل بيت النبوة.. هو إحياءُ فريضة الإصلاح العملي الصادق و الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

إحياءُ أمر أهل بيت النبوة.. هو إحياءُ القيم الإلهية والأخلاقية والإنسانية

إحياءُ أمر أهل بيت النبوة.. هو إحياءُ الانسان.

أحدث المقالات