9 مارس، 2024 8:37 ص
Search
Close this search box.

إجماع واشنطن …. والورقة البيضاء

Facebook
Twitter
LinkedIn

في عام ١٩٨٩ وضع الاقتصادي “جون وليامسون” مسودة اقتصادية من عشر بنود ، قدمها لتكون وصفا” علاجيا” للدول الفاشلة التيتعاني مشاكل مالية واقتصادية كبيرة في القارة اللاتينية ( الدول الفاشلة او الدول الهشة هو اصطلاح سياسي يشير الى الحكوماتالضعيفة وغير الفعالة والتي لم تتمكن من السيطرة على اداء واجباتها الخدمية والادارية الناجحة او التي فشلت في احتكار سلطة العنفالمشروع ) ودعا خلالها الاقتصادي وليامسون مؤسستي صندوق النقد الدولي والبنك الدولي لتبني هذه اللائحة وكانت التوصيات التيطرحت في حينها كالآتي:
سياسة الانضباط المالي ومراعاة المصاريف
إعادة توجيه الأنفاق العام من الدعم العشوائي إلى الاستثمار في البنية التحتية
الإصلاح الضريبي بمعنى توسعة القاعدة الضريبية بشكل معتدل
منح الأسواق حرية تحديد الاسعار بحيث تكون أعلى من نسبة التضخم
تحرير قطاع التجارة مع التركيز على مبدأ القضاء على القيود الكمية كمنح التراخيص والامتيازات
تحرير تدفق الاستثمارات الأجنبية
خصخصة مؤسسات الدولة
تحرير وإلغاء اللوائح والقوانين التي تعوق دخول الأسواق أو تقيد المنافسة
سعر صرف العملة يكون مناسباً ويعكس القوة الاقتصادية
مراعاة قوانين وحقوق تملك الأراضي

وفي تسعينيات القرن المنصرم اخذت هذه اللائحة منحى سياسيا” واسعا” ، بعد اعتمادها من قبل مؤسستي البنك الدولي وصندوق النقدالدولي ووزارة الخزانة الامريكية المتواجدة مقراتهم في العاصمة الامريكية واشنطن ، حتى طغت على هذه السياسات مصطلح ( إجمّاعواشنطن Washington Consensus ) في اشارة الى تلك المؤسسات المتبنية لهذه السياسات التي تدعم سياسات العولمة الدولية .

 

وبين منتقد ومعترض على هذه السياسات والتي اعتبرت من قبل البعض ، سياسة تدخلية موجهة لصالح دول ليبرالية معينة في التلاعببالميزات التنافسية لتلك الدول لاغراض سياسية ، حيث طبقت هذه السياسات الاصلاحية في الدول اللاتينية وطبقت مرة اخرى في الدولالعالم الثاني اي الدول الاشتراكية بعد انفصالها عن الاتحاد السوفيتي ، ثم اضيفت الى اللائحة عشر بنود اخرى سميت في حينها – Post-Washington Consensus اجماع واشنطن المعدل – تم خلالها مراعاة اوضاع الدول الاقتصادية النامية وحجم المسؤوليات المقيدةلاقتصادها والمكبلة نتيجة اعتماد شرائح وطبقات اجتماعية عديدة على اقتصادياتها المركزية .

 

يستند مبدأ اللائحة وبنودها بشكل عام – كما يراه الاقتصاديون – بمفهوم مفاده ( بان الاسواق تقود الى تحقيق النمو اكثر من الدولة نفسها، وتقليل دور الدولة في ادارة الاقتصاد ) .

 

الورقة البيضاء

قدمت الحكومة العراقية في آب ٢٠٢٠ تقرير الاصلاح الاقتصادي والتي اسمتها ” بالورقة البيضاء ” والتي تضمنت مجموعة منالتوصيات والستراتيجيات والسياسات والتي تظن بانها كفيلة لاصلاح النظام الاقتصادي والمالي في العراق ، والتي تعتقد الحكومة العراقيةمن خلالها ( كما ورد في ديباجة الورقة ) بانه لا مناص آخر غير تطبيق هذه الاصلاحات ولا مجال لتأجيل تلك القرارات والسياسات والاستمرار باعتماد العراق على انتعاش اسعار النفط وكمياته التصديرية لتمويل نفقاته المتزايدة .

 

ومع دراسة الاطر والمحاور الخمسة الخاصة بالورقة البيضاء والسماح لانفسنا باعادة ترتيبها مع ما يتوافق بنود ( ورقة إجماع واشنطنالعشر ) نجد ان اغلب المحاور والموضوعات التي تناولتها الورقة الاصلاحية العراقية البيضاء جائت متوافقة تماما مع بنود إجماع واشنطن ،فمحاولة الانضباط المالي او الترشيد الانفاقي وتقليل الدعم هو توجه حكومي وان كان لم يلاحظ اثره بوضوح في الموازنة الاخيرة المقترحةلسنة ( ٢٠٢١ ) ، كذلك خصخصة القطاعات العامة هو هدف اخر تسعى حكومة الكاظمي لتنفيذه ، في حين كانت خطوة تغيير سعر صرفالدولار وتقليل قيمة الدينار هي اولى الخطوات التي نفذتها الحكومة والتي انعكست قساوتها على شرائح واسعة من الشعب العراقي .

 

 

جدوى وفعّالية هذه الخطوات

يمكننا الاتفاق على الاقل مع اغلب الليبراليين والمؤمنيين بالاقتصاد الحر المؤمنين بمبدأ تحجيم تدخل الدولة في الاقتصاد ، بأهمية تنفيذهذه الفقرات ، لكن من الممكن ان تكون الاعتراضات حول آلية التطبيق والتنفيذ منطقية ومقبولة ومبررة ايضا” ، خصوصا” مع طبيعةالاوضاع الهشة والمعقدة لتلك الدول التي لم تكن بيئاتها القانونية والاقتصادية والسياسية مؤهلة لاجراء اصلاحات شمولية بهذا الحجم ،والتي من الممكن ان تضر بمصالح ودخول الكثير من شرائح مجتمعاتها العاجزة عن الدفاع عن مصالحه او فهم حتى حقوقها ومعرفةواجباتها .

 

اما مع العودة الى الدول والمؤسسات راعية هذه البنود والتي تعتبر من الدول الرأسمالية الصناعية المتقدمة كالولايات المتحدة وبريطانيا مثالا” ، والتي تبنى مفكروها الاقتصاديين ومؤسساتها الاقتصادية الكبرى ومراكزها البحثية لتلك البنود الاصلاحية !! نجد انها سلكت سلوكا” متناقضا” مع دعوة الدول النامية والدول الاشتراكية في تبني هذه القرارات الصعبة في زمن الازمات المالية والاقتصادية التي مرت بها فيعامي ٢٠٠٨ و ٢٠٢٠ ، فقد تخلت الولايات المتحدة وحتى دول الاتحاد الاوربي وبريطانيا عن اجراءات رفع دعم الدولة ، واتجهت نحوسياسات تدخلية بالسوق ، وزيادة الانفاق والتحفيز الاقتصادي ، ودعم الشركات المتضررة بالمنح والقروض بدون فائدة او بالفائدة السالبة ،وتبني سياسات انفاقية ، وزيادة كبيرة في الانفاق لرعاية الطبقات الهشة ومدفوعات واسعة للبطالة !! .

 

تحاول تلك المؤسسات المالية الدولية ومن يساندها من كبريات الدول فرض سياسات ضاغطة على حكومات الشعوب لتنفيذ بنود وخطواتاقتصادية قاسية بفترات عصيبة كما يحدث في العراق اليوم ، معاكسة لطبيعة سلوك قراراتها وسياساتها الاقتصادية في اوقات الازمات ،مما يدعونا الى التوقف قليلا” واعادة التفكر في تبني مثل هذه الاجراءات في بلداننا والعودة لاستماع المناهضين لتلك السياساتوالاجراءات او أعادة تقييم وبحث الاسباب الموضوعية لنجاح او فشل مثل هذه الاجراءات والسياسات الاقتصادية على واقع البلدان الناميةاو البلدان التي تمر بحالة من الانتقال الاقتصادي من المركزية الى اقتصاد السوق .

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب