فإن سألك سائل عن العراق ، فإعلم أنها تلك البلاد التي كان اسمها بلاد ما بين النهرين ، وقد أنتجت أرضها ، واحدة من أعظم الحضارات في التأريخ ، لكنها اليوم أرض صحراء جدباء مغبرة مريضة مفككة ، حوائطها واطئة ، وبيبانها منخورة ، تتسلقها أوساخ الأرجل ، ويلعب فوق ساحتها ، حثالة الأرض وحراميتها ومرتزقتها وشواذها ، برعاية وسقاية وحماية الوحوش الأمريكان الهمج ، أبناء وبنات المواخير ، أباً عن جدٍّ عن ولد . أجلاف وسماسرة ومخانيث الكويت – حتى الآن – التي هي عفطة في سوق الصفارين ، لم يكتفوا بموت أزيد من مليوني عراقي رافديني ، منذ واقعة الثاني من آب ، من عام الرمادة والقحط والخراب ، الف وتسعمائة وتسعون ، ولم تنغسل قلوبهم ، وتتطهر نفوسهم ، بعد أن دسوا نصف ضروع العراق ، في أفواههم الجائفة ، فحلبوا عشرات مليارات الدولارات الحرام ، على شكل تعويضات منفوخة ، بقصص مفبركة ، حتى جاءتهم الفرصة التأريخية المنتظرة ، بعد أن حولتهم أمريكا الوغدة ، إلى بوابة ماخور عملاق ، ولجتْ منه ، كل جيف وقتلة وسفلة وشواذ الدنيا ، ليتم انتاج واحد من أفسد وأتعس بلدان الله فوق أرضه الواسعة ، أرض السواد التي ضاقت بأهلها وضاقوا بها ، فانتشروا خفافاً وثقالاً على مغارب الشتات الموحش ، ومشارقه ، وعند بيبان اللجوء ، حتى صار واحدهم ، لا يدري بأيّ أرضٍ يموت . خارطة مشيخة الكويت الضئيلة ، كبرت وتمددت وأكلت من رمل وماء ونفط العراق وكرامته ، فلا أحد يحكي ، ولا أحد يصيح ، وحكومة الشراكة ومكوناتها ومقترباتها ، مثل عنتر على رعيتها ، لكنها كما عاهرة ، تفتح ساقيها ، أو تنبطح ، حين تتعلق المسألة بشرف وكرامة البلاد والعباد .
شركات سمسرة كويتية عملاقة ، تستثمر وتبيع وتشتري في العراق ، وخراجها مليارات ممليرة ، لكنهم – لعنة الله عليهم وعلى الذين خلّفوهم وظاهروهم وعاونوهم – ما زالوا يرضعون صدر العراق ، ويعضّونه ، حتى تحقيق حلمهم المريض ، بعراق معطوب ، لا حجر فيه قائماً فوق حجر . يضربون صيادينا ، في مياهنا ، ويزرعون حجاجنا ومعتمرينا ورياضينا ، فوق نار حدودهم الجديدة . يبحثون عن مفقوديهم – وهم قطرة من بحر مفقودي العراق – لكننا لا نبحث عن أحبتنا الذين دفنتهم الدبابات الأمريكية الهمجية في صحاري مشيخة كسور الرجال . يواصلون تصنيع ” الهولوكوست ” خاصتهم ، مع ان خسائرهم البشرية من جراء الغزو ومقترباته ، لم تتجاوز كمشة مئات ، مقابل مئات آلاف العراقيين ، وضياع العراق . أغانيهم وتمثيلياتهم السخيفة ، مبثوثة فوق تلفزيوناتنا ، وأغانينا وفنّنا البديع ممنوع بثّه من على شاشاتهم ، وهم يدرون تماماً ، أن ناظم الغزالي لم يكن قائد فرقة من قوات الحرس الجمهوري ، صبحية اثنين آب اللهاب . يشتموننا في كل محفل وفي كل ناد ، وبعض قوّاليهم يصفوننا بلغة ، لا تنطق حتى في مواخير عرض اللحوم البيضاء . خزائنهم مفتوحة لكل مرتشٍ حراميّ لئيم ، من أجل أن يتأبّد العراق ، تحت مكفخة الفصل السابع . ثم يظهر بيننا ، كتّاب وأدباء – وما أدراك ما الأُدباء – وسياسيون ورجال دين ودنيا ، من الصنف الذي يشبه قارضة أظافر مرتزقة ، تكرّز الوسخ ، تحت أقدام دونية ، يدافعون عنهم ، وحجتهم الأبدية ، هي أن البادىء أظلم . شركاتهم وتجارتهم ، تسمن وتغرف وتغتني فوق أرضنا ، فهم يمتلكون ببيتنا ، أكبر شركات الهاتف المحمول ، وشركات المقاولات التي لم تبن داراً تنفع الناس ، بل بنت سفارة أمريكا بوابة الشر ، ومفرخة الحرامية ، بقلب بغداد العباسية ، وساهموا حتى في شركات المرتزقة والقوادين التي أشهرها ، ” بلاك ووتر ” القذرة .
ألآن ، تتجدد قصة مدينة أم قصر ، وتتضاعف ثلماتهم وعضّاتهم المسمومة بجسدها الشجاع الطاهر الشريف ، الذي أذاق حثالة السقطة الإنكليز ، والشواذ الأمريكان ، مرّ القتال .
يا ألله يا كريم يا قوي يا قادر يا رحيم يا جبار :
إحمِ بلدنا ، واهده صراط القوة والحق والكرامة ، وخلّصه وطهره من رجس الخوف والخنوع والجهل والتجهيل والجهلة الفاسدين ، ولا تجعل أهله ، نياماً قانطين مستسلمين ، ناطرين ظهور رجل من أهلك ، مستلاً سيفه ، عاملاً غضبه على رقاب الناس ، مالئاً الأرض عدلاً ، بعد أن ملئتْ جوراً ، وأنت تدري – أيها العزيز الجميل – أن هذا الرجل الإفتراضي ّ الأسطوري الرمزي ، لن يظهر أبداً ، لكن حشداً من عبادك المضلَّلين والمضلِّلين ، قد استعملوا هذه الخرافة ، كما ابرة هيروين منوّمة ، حتى نامت الناس وسكتت واستسلمت ، فبحقك يا رب الكون كله ، لا تجعل نومتنا أبديّة مؤبدة ، ولتكن الجمعة القادمة المبروكة ، في ساحات الشرف والكرامة والحق والعزّ والحرية ، جمعة أم قصر ، واصنعوا لها دبكة عالية ، تماماً ، مثلما صنعتم مع أُخيّتها ، التي رضعتْ من نفس الضرع الطاهر ، الفلوجة العظيمة .
[email protected]