20 أبريل، 2024 9:31 م
Search
Close this search box.

إجتياح أردوغان لقرى الشمال : إستغلال بنية واقع البهيموت المفترض !

Facebook
Twitter
LinkedIn

يقول الخبراء , والعاقل , أيضآ , يقول أن تفكيك القوة العسكرية بعد السقوط كانت الخطوة الأولى الى تقويض وتحطيم كل أعمدة السيادة الوطنية بكل دلالاتها ومعها هيبة الدولة , وإن غرضه الأخير كان يهدف بشكل متعمد وعلى مراحل الى إنسلال كل خيط في مستوياتها المتمظهرة ,
سواء في مؤسسات الإقتصاد بشكل عام أوالتعليم وصولآ الى الحالة المعنوية للشعب من أجل أن يخضع البلد بدقة الى شكل مفترض لقبضة شبيهة بقيضة بهيموت الأفراد وحماقاتهم سواء من الخارج أو الداخل من ناحية , وقبضة التعارضات السياسية الخارجية والداخلية وسجالات التلاعب بالكلمات التي أغرم بها اردوغان , على سبيل المثال , كجار وجد بهذا الشبه فريسته التي أصبح بها أقل نبلآ من البلاء الذي يمر به العراق من ناحية أخرى .
والبهيموت في التوراة البابلية الأصل يعني الكائن المسخ الضخم , وهو صورة من صور الشيطان الذي يحكم الأرض (=الصحراء) بالفوضى , وهو من ناحية أخرى يقود الى اللادولة والعماء وإنعدام القوانين , والإضطراب والفوضى التي تبتلع حقوق الإنسان وكرامته إلا من بقاء قوانين تنظم شؤون الأفراد الأجتماعية .
وقد تمثل ذلك الشبه بشكل ملموس في النظام النازي الذي سمي فيما بعد بنظام البهيموت الذي سيطر على مساحات واسعة من الأرض , وكذلك تمثل في الحرب الأهلية الأنكليزية في القرن السابع عشر , وهي حرب بين البرلمانيين بشأن حكم إنكلترا التي قادت البلاد الى اللادولة .
إذن تفكيك القوة العسكرية كانت ضمن آيديولوجية الولايات المتحدة الأمريكية , التي شكلت بها بوادر واقع عراقي جديد وبديل عن واقع ما قبل 2003 , ببنية البهيموت سواء كان ذلك معلنآ او غير معلن , ولكن الآن أصبح أمرآ واقعآ من خلال ظهور أطراف سياسية مستبدة على سطح هذا الواقع تقوم بدور البهيموت ,
إختبأت خلف الديمقراطية السياسية بالسلاح المنفلت الذي يقوم بشرعنة قتل كل من يدعو الى تفتيتها او ذوبانها وإن كان القائمين على ذلك من المؤسسين للعملية السياسية , ناهيك عن ظهور الفساد في المؤسسات الحكومية وسوء التربية اللذان يقودان أصلآ الى تدمير المجتمع , مع أن الفساد يحمل الثورة في أعماقه إلا أنها ستكون كسابقاتها ثورة مدمرة تأكل أبدان العباد قبل البلاد.
ولكن هذا الواقع يبدو لم يكن كافيآ لأمريكا , بل وضعت فكرة تقسيم العراق لإبعاده كليآ عن مفهوم الدولة , ليكون كما هو الحال في دولة مايسمى بـ ” أرض الصومال ” .
هذا هو البلاء الذي يمر به العراق , الذي أنجب فضلآ عما ذكر آنفآ , مفهوم سياسة التعالي على القانون تبنته بضعة افراد من المواطنة المجازية المسلحة المنفلته في المجتمع العراقي المنضوية تحت أجنحة تلك الأطراف السياسية المستبدة , بغض النظر عن جائحة كورونا التي باتت تختار ضحاياها ممن لايتمسك بالضوابط التي أعلنتها أعلى سلطة صحية بالعالم , أما الذين يتمسكون بتلك الضوابط فقد تركت لهم هامش الحظ ليتفادوا كتابة أسمائهم في قوائم الضحايا .
هذا الهامش يعتبر , على نحو فلسفي , هامش النُبل الذي أتاحته الجائحة لهؤلاء , بينما أردوغان لم يتح هامشآ من نُبله الى مسألة مساعدة العراق في إسترداد سيادته الوطنية من خلال بناء قوته العسكرية لتتم عملية التوازن بالقوى التي تخدم الإستقرار بالمنطقة وفي مقدمة ذلك إستقرار تركيا ,
بل بدلآ من ذلك إستغل بوادر بزوغ بنية نظام البهيموت التي تلد القوى المضادة لمركزية الدولة لفترة طويلة ليذهب الى الإجتياح لأراضي العراق بنفسه هذه المرة بعد أن أوكل أمر الإجتياح الأول الى قوى الظلام في 2014 التي فشلت في تحقيق مآربه للإبقاء على العراق ضعيفآ ممزقآ .
والقوى المضادة سواء كانت وليدة إستجابة لدوافع خارجية , أو إستجابة لنداءات ذات صلة بقضية تأريخية لم يتوقف شغفها على إعلاء رايتها , هي التي نجمت كرد فعل لما حدث بعد 2003 وحفّزت على الإبقاء على نظام البهيموت الذي يسحق السيادة الوطنية على كامل أراضي الوطن .
ولا شك ان اردوغان لايريد السيادة الكاملة للعراق ولايريد من البلاء الذي يمر به ان ينتهي بل بالإبقاء عليه لأنه الضمانة الوحيدة التي تتيح له الإجتياح لتحقيق حلمه العثماني في عودة كينونة الإمبراطورية العثمانية التي إحتقرت الشعوب وجمّدت كل محاولة لتحريرها ثانية , وما تذرّعه بحزب العمل الكوردستاني إلا ليبدو الإجتياح منطقيآ .
وبرغم الدعوى التي دعا اليها الخبراء الى خطورة العواقب من ذلك التفكيك وأولها الإنجراف نحو سياسات الآراء والقرارات الخجولة التي لا تدين التدخلات الخارجية بشكل يدل على مكانة وثقل العراق من الناحية الجيوسياسية , ومن بين هذه السياسات سياسة القبول بالمساعدات العسكرية المجانية القادمة من الخارج والتي تؤثر في محورين : الأول , خلق الشك في حقيقة هذه المساعدات لدى الدول المجاورة .
والثاني وهو الجدير بالملاحظة , تولّد بعض فصائل من المواطنة المجازية الهامشية المسلحة النافرة من الحقائق على الأرض التي تتطلب الإصلاح كرد على التفكيك , بولاءات متعددة لقوى إقليمية ودولية تمجد الأنانية والغرائز الطبيعية في سياساتها التي رسمت خطآ فاصلآ بين الخضوع للدولة وبين أن تبقى بلا جذور معها لتلعب بشكل حر على حساب القيم والأخلاق التي تشترط ذلك الخضوع على الرغم من تماهيها بالقيم العليا لمجتمع الأغلبية التي تتنافى مع تأويلاتهم للواقع .
من هنا نشأ الفساد الذي غفلت عنه الحكومات العراقية السابقة وتوارثته بعض الأحزاب التي نشأت في حقبة مابعد 2003 , ليشكل التركة الثقيلة للحكومات القادمة , التركة التي تأسست بها النزعة الى السيطرة على مفاصل الدولة , وهذا ماغضَّت عنه القوى الكبرى النظر في بداية تولّد تلك الأحزاب وتركها بعيدآ عن رعاية الدولة بشكل متعمد , طالما هذا المظهر الطافح بالضعف والتناقضات يخدم بنية البهيموت التي هي أصلآ من أجل أمن إسرائيل وخاصة من العراق الذي تهابه إسرائيل نائمآ أو يقظآ بالدرجة الأولى .
ولكن ماذا بوسع الحكومة العراقية ان تفعل لتعيد بناء القوة العسكرية وإزالة ما نشأ في اعقاب تفكيكها ؟
يقول الخبراء ان العراق لايستطيع إعادة بناء قوته العسكرية إذا كان بلا سلطة سياسية واحدة أو مرتبطآ بإتفاقيات سياسية سرية او علنية مع الولايات المتحدة تمنعه من ذلك , وخاصة إذا كانت هذه الإتفاقيات يتمركز فيها التحصين ضد الإنحراف عن التفكيك بشكل مقصود ,
وهذا يعني على الحكومة التي ورثت هذه التركة ان تكشف ذلك امام الشعب بدلآ من تشظية سياستها والوقوف بين حقيقة التفكيك والعزم على إعادة البناء بالمواقف السالبة لتفادي اي هجوم او انتقاد , وهذا الكشف عن شيء غير مسمى من قبل الحكومة هو الذي يقود الى جعل العراق سيدآ على نفسه والى دحر جميع المهاجمين والنقاد .
وفي هذا السياق , يميّز الخبراء بين الحكومة الذكية التي تبحث عن خيط بيت العنكبوت السياسي الذي بني بعد 2003 بكل نصوصه المكتوبة للوصول الى تفسير واضح له من أجل الخروج من متاهتة لتطوير إستراتيجيات سياسية أخرى والبناء عليها على نسق واحد وواضح ,
وبين الحكومة النمطية التي تعمل وفق ثوابت التركة التي ورثتها من الحكومات السابقة التي لايمكن تحت مظلتها إنجاز بناء إستراتيجيات مختلفة تقف بمقدمتها بناء القوة العسكرية او أن تتورط في معترك البهيموت لخلق واقع آخر تراه أكثر إصلاحآ لأن الواقع الآخر لايستبدل البهيموت بالسهولة التي يتصورها البعض ,
وهذا الأمر يذكّر ولو بصلة نسب موضوعية بجريدة ” شارلي إيبدو ” الساخرة الفرنسية وهي إرث الثورة الفرنسية التي دأبت على السخرية من السياسيين والإعلاميين ومن جميع الرموز الأخرى سواء بالمجتمع الفرنسي أو رموز الأديان الأخرى , حيث لم يستطع أحد أن يوقف صدورها أو يغيّر سير خطها التحريري ,
لذلك تكتفي هذه الحكومة النمطية بإستراتيجيات مطاطية يسهل اللعب بها على الزمن , مما يعني أنها تصرّ من دون فكر مكشوف على إبقاء بيت العنكبوت السياسي بعيدآ عن هاوية التقويض لتبقى البلاد في دوار من الفراغ الذي يصب في مصلحة الأعداء على مختلف مشاربهم . وهذا ما أظهرت به حكومة السيد الكاظمي بعدم قدرتها على تفتيت التركة الثقيلة بقواعد الإصلاح المتبعة على سبيل المثال .
ولكن ماذا يفسر جزء من التركة الثقيلة وهو تدخلات أردوغان منذ 2014 الذي يبحث في العراق عمن ينازله لتحقيق مآربه المعروفة لدى الجميع , وماذا يمكن للسيد رئيس الوزراء ان يقول للإجابة عن هذا السؤال ؟
يظن المختصون بالشأن السياسي العراقي أن إجابتة ستكون واحدة ويعلمها الجميع ولاتحتاج الى التنبؤ بها , لكن مايقوله سيظهر ذات المشاعر من أنصار نظام البهيموت المفترض التي تعبّر عن الإمتعاض وإساءة تفسير مقاصده , لذلك سيحوّل مايقوله الى مجرد كلام موجّه الى الشعب ليبقى الشعب يدور في متاهة بيت العنكبوت الى موعد الإنتخابات لتأتي حكومة أخرى لتستمر بالحجج المقنعة لتوطين الجميع على الطريقة التقليدية ,
إذ لايوجد منطق غير ذلك وهذا الذي يلعب عليه اردوغان بشكل فاضح في إجتياحه لمناطق شمال العراق إن لم يكن هناك سر غامض ومنطق آخر قديم لم يلتفت اليه احد يضاف الى ماقلناه , وهذا ما ينبغي أن يكرّس له اي رئيس وزراء قادم جهده وهو يطأ واقع البهيموت مابعد 2003 العبثي المستهتر .

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب