قيادة سيارة تستلزم تدريبا وإختبارا للحصول على رخصة رسمية معتمدة من شرطة المرور؛ تؤهل حاملها للسياقة والنزول سائرا في الشارع.. بين الناس والمراكب المتخاطفة من حوله، كل ينهب سبيله نحو هدف مجهول.. نرى أعراضه ولا يعلم نتائجه إلا الله وصاحب الشأن.. الحياة تتلاطم من حولنا، وكل يعكس تربيته البيتية وأخلاق أسرته وما تعبأ به منزليا.
تضمن إجازة السوق ألا يلحق قائد السيارة ضررا بنفسه والآخرين.. سلاما آمنا في إستخدام الطريق؛ لأنه ليس وحيدا في الشوارع… بل محاط بسلوكيات.. عشرات العوائل تحضر تربويا في لحظة عندما يحتك إنسانٌ بإنسانٍ؛ فنحن نعيش وسط مجتمع.. نعيش أحرارا.. صحيح، لكن حرية الآخرين وحقوقهم وعدم المساس بهم.. ماديا او معنويا.. يشكل حدا شرعيا وقانونيا وعرفا إجتماعيا ملزما لنا ولسوانا وللجميع…
لذا تعد التنشئة السديدة من قبل الأب لأسرته واجبا يجيز له حمل صفة أب.. وجدانيا؛ يحمي المجتمع ويغرس فيه نبتا طيبا “كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَىٰ عَلَىٰ سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ”
تعاقبت شرائع الديانات.. السماوية المنزلة والبشرية الوضعية، والقوانين والاعراف، على تأكيد حسن التربية في خدمة الذات والآخر، وتلك بطبيعتها تتطلب أباً مستقيماً يجيد ضخ السلوك القويم الى أبنائه وإقناعهم بالصلاح؛ ليس ليحمي الناس من شرهم بل ليجعل نافعين لأنفسهم ولسواهم.. خيرا، فـ “إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له” وإذا طاب فعل إنسان دعى الآخرون بالرحمة لمن أنجباه: “رحم الله والديك”.
فلنحمي آخرتنا بإيلاء أبنائنا.. بنين وبنات.. إهتماما متوازنا في الدنيا.. لا يضيق الخناق على أريحيتهم، فتتقمصهم العقد، ولا تغيب رقابتنا التوجيهية عنهم، فيتقمصون الانفلات على أنه حق مكتسب يتذرعون به في تسويغ أخطائهم وإفتراض الإنحراف إستقامة والتخلف تقدما.
علينا أن نعد وعينا تربويا.. كآباء وأمهات.. بما يجعل كل عائلة تبعث تفاؤلا في الحياة من خلال نشر اولاد وصبايا يحملون أسماءنا بأداءات مشرفة.. نفخر بها إن حضرنا او غبنا او طوانا الموت بديلا عن الحياة.
وسوى ذلك دمار لمسرى الدنيا ومجراها في الزمان؛ فإن لم يكن الأساس متينا ومستويا ومعتدلا.. ينتصب على حالة من وعي راسخ وفهم رصين؛ لن يبقى في الجدار حجرٌ على حجرٍ، ننهار وندمر ما حولنا.. تشظيا يفتت كل ما كورناه من أمل يضيء مستقبلنا بشعاع الامل.. فيتحول الرجاء الى يأس… وهذا بكل ما فيه من أسى، يمكن تلافيه بإحتضان أبنائنا.. فكريا وجسديا والطبطبة عليهم لتهدئة القلق والسيطرة على إرتباكهم المستمر في فك المغلق من مجاهيل الحياة…
نحتاج رخصة أبوة مجازة من تأملنا في كتب الهداية السماوية وقوانين الدولة وتقاليد المجتمع ومنطق العقل.. لا نخترق أي منها، في الحس التربوي عند التعامل مع الأبناء.. لأن الابوة ليست شهوة يلقيها رجل في رحم إمرأة، ولا الأمومة جنين تحمله أنثى… إنها رسالة ربانية وأخلاقية، يخدم بها الفرد نفسه وأبناءه والمحيط البشري من حوله.. الأبوة سائق محترف يجتاز الملمات “بعرفة” وليست بجهل يسري الى نجله فيفهم الخطل صوابا والخلل ثباتا؛ لأن الأب قدوة الشاب والام مثال الصبية؛ وتلك أمانة ربانية فلنوفِ الى الله بحسن أدائها، وتلك بحد ذاتها عبادة وتقوى وسعادة ورفاه في الدنيا والآخرة.