نُشرت العديد من النظريات الأدبية سواء كانت في الشعر أو في مختلف الفنون الأخرى ظلالها على العديد من دول العالم وكانت الدول التي تعاني من صراعات سياسية وصراعات اجتماعية من أكثر الدول تأثراً وتقبلاً لهذه النظريات ولعل رياح التغيير الشعري على مستوى الشكل والمضمون والإفادة من أي شكل من أشكال العلائق الجديدة في التعامل مع اللغة أو الحدث والإنفتاح غير المحدود على مفهوم الزمكانية والخوض في المجهول الرمزي وأستحضار التراث بشكلٍ أخر كل تلك الأمور أصبحت من الحاجات الضرورية التي يتطلبها النص الجديد إذا ماأضفنا إلى ذلك التطورات التي دفعت بها عجلة الصناعة في ميادين عديدة من ميادين الحياة بما في ذلك بداية تطور النظم السياسية والنظرة إلى حقوق الإنسان في تلك الدول صاحبة النظريات كنتيجة طبيعية لمخاض الحرب الكونية الأولى ونتائج الحرب الكونية الثانية . وكانت الرمزيةُ التي حملها القرن الحالي ذات تأثير على الشعر الروسي رغم إنتماء معظم الشعراء الروس لأجوائهم الكلاسيكية النقية المفعمةِ بأجواء البطولةِ والفرديةِ وهذا لايعني الإنكفاء وقبول بقاء القديم فقد ظهرت قصائد عديدة لعدد من الشعراء الروس كانت نصوصهم خالصة تماما لمضامين الغرض الرمزي .ولعل الشاعر الروسي فاليري بريسوف قد عبر في شعره وتأثير الرمزية عليه عبر عن ولادتين فهو قد زاوج في قصائده بين حدين شعريين متناقضين بدءا من اعتماده تلك الضبابية والوحدة والحيرة التي انسجمت إلى شكل بعيد مع حبه للشعر منذ صباه وكانت كعادة كل الشعراء البحث عن الغايات الكونية والشك اللامُجدي عن الأسئلة التي لاترافقها أي من الإجابات القابلة للقبول والتي قد تكون مدخلا لقبول السببية الوسطى مابين الأنا الواقفة والأنا البعيدة لذلك لم يكن الألم إلا الطريقِ المبجل الذي يقود إلى الحرية وعدم المؤالفة مع السطحي والواقعي المُعرَف :-
حَسنٌ أن تَجلسَ وحيداً
إلى النافِذَة
القَمَر لم يتغير
وهناك أغوصُ في فوضى
من خيالاتِ الإبداعِ المجهولة
من الكلمات الرائعة السرية
هاهيَ الفكرَةُ _كالذنبِ – بلا قيد
أستطيع أن ألتقط كلَ شئ
أن أفهمَ كل شئ
ومامن داعٍ
لتقبيلك
وإلى جانب تلك الرمزية التي أشرنا إليها فهناك في قصائده مادرج ضمن الموروث التاريخي والذي لايعود إلى التاريخ الروسي بل كانت إشراقاتُه التناقضية في هذا الباب تمتد إلى التاريخ المُدون الإنساني المفعم بالأمجاد والبطولة للآلهة أو للأشخاصِ العاديين عبر الحضارة اليونانية والمصرية والرومانية وحضارة بلاد مابين النهرين لذلك وصف بعض النقاد شعر بريسوف بأنهُ شعرٌ ذهنيٌ يجبر القارئ على توسيع معرفته بتاريخ الثقافة العالمية ومن جملة إعتقاداتنا حول هذا التناقض مابين الرمزية والواقعية في شعره نرى بأن بريسوف لم يقصد التحلل عن القراءات التاريخية ومغادرتها كليا ثم العودة اليها لنسجها شعرياً بل هو شكل من أشكال المحافظة على البنية الرمزية التاريخية وشحنها باللغة الشعرية ذات الطابع الدلالي المتوج بهالة جمالية تهيئ للقارئ ملاذا مقبولاً للتمعن في أحداث الماضي البعيد مع قدر كاف من الشحنات الإنفعالية التي تمد الماضي بقوة الحاضر كي لاتكون الجمل الشعرية غارقة في الوصفية والتباعدية مابين الغايةِ وإستلهام ماتم الكتابة عنه وهذا هو أحد المحاور التي تستحق الإشارة من قبل النقاد أي أن هناك خلطاً سحريا على مستوى الجماليات المطروحة مع التكيف الرمزي أو الدلالي التاريخي الواقعي والذي قد يكون أحيانا لدى بعض الشعراء عائقا للقفز بالجملة الشعرية إلى الفضاء الأرحب بسبب طبيعة اللغة أو قوانين إستخداماتها لذلك تجد في (كتابةٍ أشورية ) يتقمص الشاعر البطولة والتي لايراها تحقق الإنتصار مادامت الوحدة في ذلك الدهليز المظلم من النفس :
لقد أصبحت كلمتي
قانوناً لمصر
وقرأت (عيلامُ )مصيرها
في عيني
وأحسرتاه
من يتفوق عَلي
بل من ذا يُساويني
أيها المجد
لقد إستنفذتك
حتى النهاية
وهاأنذا
أقِفُ مُترعاً بالعظمة
ولكني وحيد
وإذ كان لابد من المقارنة بين نمطي بريسوف ورغم محافظته على ذلك الخيط من التوازن بينهما فلاشك بأنَ ريح الرمزية قد إقتلعت قديم العالم الشعري في بدايات الربع الأول من القرن الماضي حيث قدمت للشعر الروسي أجواءً بد يلةً خارج المكان والزمان والمعنى المتعارف علية في الشعر الروسي وكان مقدمة لإزدهار الشعر العاطفي المنفتح على العاطفة الخالصة حصراً :
كنتِ تمضينَ إلى العذاب
وكأنكِ تمضين إلى كنيسة
مترعة بحزن دائم
صامتةً إستندتِ إلى العمود
توجوك بالقش
ووشموك بالجبين
مُطأطئةً ساهمة النظرات
أردت أن تهمسي
انا أُحب
[email protected]