18 ديسمبر، 2024 8:49 م

إثنان لا يخافان من الحرب الموعودة

إثنان لا يخافان من الحرب الموعودة

اذا صحت مقولة مؤلف أحد أقدم كتاب عسكري عنوانه(الحرب) الفيلسوف الصيني سون تزو( القرن السادس ق.م) إن تواتر الوفود تنذر باقتراب الحرب، فان الجولات المكوكية لقادة الغرب والوزراء بين موسكو وكييف، تنبأ بتصعيد قد يصل الى حد المواجهة في ساحة يتعين على روسيا تحديد أبعادها، وفقا للاهداف المرسومة في حسابات ألرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
والى الان يبدو ان الكرملين حقق هدفين رئيسين خارج ساحة الحشود العسكرية؛ إرغام التحالف الانغلوسكسوني على التباحث مع موسكو، عبر زيارات لم تنقطع خلال الأيام القليلة الماضية.
والهدف الثاني الاستماع بانتباه الى المطالب الروسية، والتعامل معها بجدية وان كانت مرفوضة، كما يؤكد ممثلو البيت الأبيض.
في سياق متصل، أجبرت الحشود الروسية على الحدود مع أوكرانيا، حلف شمال الأطلسي، على إدراك مدى خطورة الوضع في حال واصل التحالف الانغلوسكسوني تجاهل المخاوف الروسية من تمدد حلف الناتو نحو الشرق.
يدرك صانع القرار في الكرملين ان شروط الانضمام الى حلف شمال الاطلسي لا تنطبق على أوكرانيا وجورجيا؛ لان الدولتين متورطتان في نزاعات على الأرض، وتعانيان من تفشي الفساد، ولا تجريان الاصلاحات الاقتصادية والسياسية المطلوبة للانخراط في المنظومات الأطلسية ، السياسية والعسكرية والاقتصادية؛ الا ان مشروع تحويل أوكرانيا الى قاعدة غير معلنة لحلف شمال الاطلسي والتحالف الانغلوسكسوني لم تتوقف. واكتسبت في الاسابيع الأخيرة زخما قويا بإرسال أطنان الأسلحة والعتاد التي لم تحلم كييف بالحصول عليها فيما مضى، الأمر الذي يفسر الى حد بعيد الهستيريا الإعلامية المرافقة للتحركات الدبلوماسية والتي لم يتردد رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون من الاعتراف بان الهدف الاساسي منها ” مشاغلة روسيا”.
وياتي الإتصال الهاتفي الثالث منذ بدء الازمة بين بايدن وبوتين، السبت،قبل يومين من موعده المقرر سلفا، في إطار التصعيد الرامي الى خلق أجواء ترقب بوقوع الحرب بين لحظة واخرى، بل ان تسريبات البيت الابيض تحدد يوم 16 الجارى موعدا لما يصفونه بالعدوان الروسي على اوكرانيا، دون الالتفات الى النفي الروسي المتكرر بان موسكو لا تخطط لعمل عسكري ضد جارتها السوفيتية السابقة، مع تمسكها بشروط التسوية التي تضمن تخلي حلف الناتو عن التوسع شرقا وحل مشكلة اقليم دونباس باغلبيته الروسية وفق وثائق مينسك التي تضمن حكما ذاتيا، بصلاحيات واسعة لجمهوريتي دونيتسك ولوغانتسك المستقلتين من جانب واحد؛ الامر الذي تعتبره سلطات كييف خطا احمر رغم ان الرئاسة الأوكرانية السابقة وضعت تواقيعها على معاهدة مينسك.
خلافا لأجواء الحرب المشتعلة في الوكالات وداخل البيت الابيض و10 داون ستريت والاليزيه وكل البيوتات الحكومية في التحالف الغربي، يبدو الشارعان الروسي والاوكراني هادئين تماما، ولا توجد اية مظاهر قلق أو خوف من حرب وشيكة، يلّوح بها خبراء “سي اي ايه”، و ” M6″، وتسحب إسرائيل موظفي سفارتها من كييف مع موظفي عشرات السفارات الاخرى الصاغية لطبول الحرب المتناهية من وراء الاطلسي، فيما يقرع عازفو الغيتار في شارع اربات الروسي الشهير للمشاة وسط العاصمة موسكو، الحانا راقصة، ويدعون السياح والمتسوقين الى التبضع من محلات السوفنير والانتيكات.
و لعل الصورة ذاتها في ساحات وشوارع كييف القديمة.
بل ان رئيس أوكرانيا ، الممثل الشهير في احد اقدم خشبات الكوميديا بكييف فلاديمير زيلينيسكي، لا يكف صباح مساء عن التصريح، انه لا يرى حربا قادمة، بل غضب من حليفه بايدن ولامه بشدة على التبشير بالحرب والتشويش على السلم الاجتماعي في بلده الذي يعاني من أزمات اقتصادية .
لا أحد يريد الحرب،ولايصدق الشارع الروسي، ان قيادة بلدهم المحمل بالاف الرؤوس النووية؛ ستتخذ قرار الحرب هكذا ببساطة، فيما تشهد الاسواق، بما فيها أسواق العملة استقرارا نسبيا ، ولم تتاثر بهستيريا الحرب، علما بان الشائعات الأقل اهمية من شائعة الحرب في أوقات سابقة، دفعت المواطنين الى سحب الودائع، وأدت الى تذبذب في الصرف، والى انهيار العملة مراتٍ ومرات.
ويبقى السؤال ما الهدف من هستيريا الحرب؟
يبحث التحالف الانغلوسكسوني، عن ذرائع جديدة، لإحكام الطوق والحصار على روسيا، وفرض مزيد من العقوبات على مصالحها التجارية والاقتصادية في العالم.
يتجاهل التحالف الانغلوسكسوني براسيه في لندن وواشنطن، مصالح الحلفاء الأوربيين، المتضرر الاكبر من المواجهة المتصاعدة في شتاء بارد، يصعب على أوروبا العجوز معاشرة الدفء، بدون غاز الدب الروسي، الذي تسعى الإدارتان الأميركية والبريطانية الى استفزازه، دون ان تحسب للحلفاء مصالحم في الأمن الاقتصادي، ولا تأخذ بنظر الاعتبار،مخاوف شعوب العالم مِن اندلاع حرب نووية؛ قد ينجو القادة من دمارها مختبئين بملاجئ محصنة، لكنها لن تبق ولن تذر.
ترى هل يروق لأصحاب الرؤوس الحامية، ان يحكموا دول الخراب، ينعق فيها غراب البين؛ اثر تساقط الرؤوس النووية على البشر، وتحديدا على المليار الذهبي المتنعم بالعيش بين، الشاطي اللازوردي، وناطحات السحاب؟
بعد صدمات كوفيد وعشيرته، تريد القبائل المالية المتحكمة باقتصاديات العالم، المزيد من اللعب بالأعصاب، والابقاء على التوتر الدائم والقلق والخوف من المجهول.