18 ديسمبر، 2024 8:52 م

إثبات وجود الله كمقدمة لكل من إثبات الدين ونفيه

إثبات وجود الله كمقدمة لكل من إثبات الدين ونفيه

إذا كان عند الدينيين إثبات وجود الله على وفق لاهوت (التوحيد) مقدمة ضرورية للوصول إلى إثبات صدق الدين (النبوة)، فإن إثبات وجود الله على وفق لاهوت (التنزيه) عند الإلهيين اللادينيين مقدمة ضرورية للوصول إلى نفي الدين.

اللاهوت الديني للمدارس العقلية لعقيدة التوحيد، يبدأ بإثبات وجود الله، بدليل واجب الوجود، ودليل النظم، وما يتفرع عنهما من أدلة وقوانين عقلية، كقانون العلية، واستحالة تسلسل العلل، واستحالة اعتماد الصدفة، وغيرها، ثم ينتقل إلى صفات الله، وتركز هنا المدارس العقلية للأديان التوحيدية على العدل الإلهي الذي يستوجب الجزاء، ووجوب وجود حياة أخرى، هي حياة الجزاء، وبالتالي تحقُّق العدل الإلهي المطلق، ذلك لعدم تحققهما (الجزاء/العدل الإلهي) في هذه الحياة، ثم يذهبون إلى أكثر من مقولة أو دليل لضرورة وجود أنبياء يهدون الناس إلى ما يريده الله منهم، وما ينهاهم عنه، منها ما يسمونه بدليل اللطف الإلهي، ودعوى ضرورة الحاجة إلى الهداية الإلهية، بسبب اختلاف البشر فيما فيه صلاحهم، ودليل قبح العقاب بلا بيان. ولا أعود إلى تفصيل ما جرى بحثه في هذا الكتاب بهذا الخصوص، بل أقول إن اللاهوتيين الدينيين ينطلقون من الإيمان بالله وتوحيده وإثبات الكمالات المطلقة له، ليخلصوا إلى وجود الأنبياء والرسل، وما يرتبط بذلك من وحي وكتاب ودين وشريعة.

واللاهوت اللاديني المستند حصرا إلى العقل، يبدأ بداية مشابهة للّاهوت الديني، من حيث إثبات وجود الله، وإثبات صفات الكمال المطلق له، ومنها العدل المطلق، الذي يكون من لوازمه الجزاء التامّ الموزون بالميزان الأوفى والعدل الأكمل، مما يستوجب وجود حياة ما بعد هذه الحياة، لا يتكلف لاهوت التنزيه بتقديم تصور تفصيلي عنها، كما تفعل الأديان. ثم يواصل لاهوت التنزيه الطريق إلى أبعد مما يذهب إليه لاهوت الأديان فيما هو تنزيه الله، فالتوحيديون الدينيون لا يمارسون التنزيه إلا بمقدار ما لا يخدش تنزيه الدين، الذي يكون عندهم، من حيث لا يشعرون، متقدما على تنزيه الله نفسه. وبالتالي يكون عند لاهوت التنزيه إثبات وجود الله، ثم توحيده، ثم تنزيهه، ثم بلوغ أعلى درجات التنزيه التي يستوعبها العقل البشري، مقدمة ضرورية لنفي الدين، إذ لا يكون بالنتيجة التنزيه عندهم قد بلغ مبلغه، إلا بنفي الدين عن الله، لعدم تنزيه الدين لله تمام تنزيهه، بما هو أهله وما يستحقه، لما فيه الكثير مما يتعارض بشكل واضح لا شك في مع عدل الله ورحمته وحكمته، ومع المثل الإنسانية ومع الحقائق العلمية.