حاجتنا في بناء وطن مزدهر لا تنتهي فقط في تطوير قطاعات التعليم و الصحه و الصناعه و الى اخره من قطاعات و مرافق تنموية ، بل قبل ذلك نحن بحاجه لبلورة هوية وطنية ليست عابرة للطائفية (بمعنى تجاهل الهويات الفرعية)، بل متفهمة و متقبلة و مدركة للتنوع الطائفي و العرقي في العراق، هنالك فرق كبير بين أن لا نهتم لطائفة الاخر في إطار الوطن بمعنى الإهمال او التجاهل و بين أن نهتم بها و بتراثها و تأريخها و نسعى للحفاظ عليه كجزء من تأريخ الوطن و تراثه.
التنوع ثروة تسعى لتحقيقها البلدان المتقدمة من خلال فتح أبواب الهجرة و برامج التبادل الثقافي كالزمالات و المنح الدراسية. في رحلة البحث عن برنامج ممول لدراسة الدكتوراه حدث اني تقدمت للقبول في احد البرامج الدراسية الممولة، الا ان المشرف أبلغني إن الجامعة تضع معايير غير تقليدية لاختيار الطلبة ،و ذلك لضمان تحقيق تنوع ثقافي و عرقي بين صفوف الطلبة و التدريسيين و لكون أن المشرف لديه في فريقه طلبة من الشرق الاوسط موظفين في مشروعه البحثي اصبحت انا لا أملك أن أضيف إضافة ثقافية (تنوعية) جديدة ، لذلك رُفض طلبي.
“سابقاً لم نكن نعرف ما معنى سنة و شيعة” تستوقفني هذه الجملة التي تردد على السن بعض النخب في العراق، و كأن الإشكالية تبدأ من معرفة ما هية “السنة” او “الشيعة” او غيرهما من الهويات الفرعية ، و ليس في أن تتحول هذه المفردات الى معايير أساسية تتلاعب في إدارة الدولة و مؤسساتها و المجتمع و أخلاقياته و تقاليده. هذه العبارة في الحقيقة تدل على جهل و إهمال و قلة ثقافة و معرفة في الهويات الفرعية التي تشكل الهوية الوطنية الجامعة. بعبارة اخرى ، هنالك فرق في أن تكون متثقفاً في هويتك الوطنية و تأريخها و مكوناتها ، و في أن تكون جاهلاً بها و محظوراً عليك تناولها و التعرف على معالمها، محاولة اثبات الوطنية بدلالة الجهل بالهويات الفرعية، هذا لا يعني غير الجهل بالوطنية و المواطنة ، أيضاً ، عدم الإكتراث بالهويات الفرعية تحت تأثير السلطة الغاشمة لا يعني إنصهارها في جسد الهوية الوطنية ، بل هو التحاشي الناجم عن الخوف من السلطة الغاصبة و المختزلة لكل الهويات الفرعية بهوية السلطة الغاشمة و رمزها المستبد.