1ـ دلائل عقلية على وجود الله تعالى.
والإيمان بالله غريزية ونظرية: ففي الأولى كونه الايمان غريزي يكون بالفطرة التي فطره الله بهم، والفطرة هو أن يحس كل إنسان ويشعر بوجدانه أنه يوجد قوة خارقة في الكون وهو الله تعالى وإن لم يدركه العقول والأبصار. وبسبب احتمال وقوع الفطرة أو الوجدان في الخطأ فلابد من استعمال العقل معها. وهكذا يؤمنون بأن الذي خلقهم وخلق الكائنات والذي خلق الموت والحياة والرزق والشفاء هو الله تعالى. فقال تعالى (الَّذِي خَلَقَني فَهْوَ يَهْدِيني وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُني وَيَسْقِيني وَإذا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ، وَالَّذِي يُمِيتَني ثُمَّ يُحْيينِ وَالَّذِي أطمَعُ أنْ يَغْفَرَ لِي خَطِيئَتي يَوْمَ الدِّينِ) الشعراء، 78ـ82. وآيات كثيرة على خلق المخلوقات والكائنات لأجل الإنسان.
وكذلك علمنا بوجود الله نظريًا، وهذا يعتمد على الاستدلال العقلي وبالعلم الذي علم الله أدم الأسماء كلها، وعلمهم بالقلم. وبالعقل المهداة من قبل الله تعالى إلى الإنسان، يكون التعلم والتفكير والتدبر في خلق السموات والأرض. والعقل الإنساني يقول: لو كان في الكون ألهتان أو ألهة كثيرة لفسدت الأرض والسّماء فقال تعالى (لو كان فيهما ألهةً الاّ الله لفسدتا، فسبحان الله ربّ العرش عمّا يصفون لا يُسئل عما يفعل وهم يُسئلون) الأنبياء، 22، 23. والذي علم الآدم، علم الآنبياء أيضًا أن الله واحد أحد الذي لم يلد ولم يولد وهو الذي يستحق الشكر والسجدة له، ونزول المصاحف والكتب السماوية عن طريق الوحي إثبات في وجود الله تعالى، ومعجزات الأنبياء في زمنه دليل أخر على وجود الله تعالى. وأكبر اثبات لوجود الله تعالى هو القرآن الكريم وإعجازه ومنها بيان العلوم وموضوع الإسراء والمعراج ونحوها، والتي يعتبر أساس مصادر العلوم في إثبات وجود الله تعالى. قال تعالى (بَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِين وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ) البقرة، 213. والقرآن الكريم يعلمنا أن الغيب نوعان: الأول. غيب مطلق، مواضيع والموت والحياة والأخرة والجنة والجهنم والملائكة والحساب ونحو ذلك لا يعلمه أحد. والثاني. غيب نسبي، إثبات الله تعالى والتي يمكن للإنسان أن يعلمه ويحس بحواسه وبفطرته. ونتعلم وجوده ببيانه لنا قبل أكثر من 1400 سنة فقال ( له ما في السموات وما في الأرض وما بينهنا وما تحت الثرى) أي تحت الأرض، وكلها من صنع الله لقد بينها لنا معجزاته والعلماء كشفوها بعد القرن العشرين. والله تعالى يبلغنا بعدم إدراك الغيب كلها بالعقول والأبصار القاصرة والمحدودة في قابليتها وقدرتها، لأنه الله خلقهم وحدد واجباتهم.
ونتعلم إثبات الله كذلك في خلق الله الانسان (وفي أنفسكم أفلا تبصرون)، فلينظر الانسان إلى نفسه وكيف أنه خُلق من الطّين ثم من ماء دافق أي من ماء الرجل ودم المرأة، وليفكر من الذي شاء فخلقه؟ وكيف أنه يموت ولا يستطيع أن يحيي نفسه. وكيف أن الله خلق فيهم الفروق في إبهام الانسان وصفاته، وكيف أن النفس البشرية تعرف الله بالفطرة. وعلم الاجتماع والتاريخ الإنساني كله يري أن الإنسان مخلوق متديّن، ذو ميول طبيعية دينية، وحتى أنه لم يوجد شعب في أي عصر أو مكان ما لم نجد فيها بدون ظهور النبي ليثبت لهم وجود الله وأمرهم بهم بطاعته وتقديسه، ولا نجد لغة في العالم خالية من اسم الله أو ممَّن هو في مقام الله. وبما أن اللّغة تعبّر عن أفكار الإنسان وإحساساته يكون ذلك دليلاً على أن شعور الإنسان بوجود الله عميق في قلوب المجتمعات البشرية. لذا لا يقدر أي مخلوق أن يعرِّف الله كما هو، وإنما يمكننا أن نعرِّفه بما يميزه عن كل من سواه.
وهناك شهادات العلماء والفلاسفة المسلمين وغير المسلمين من الدول الغربية على الإيمان بوجود الله منذ الأزل. ومن هذه الفلاسفة (1ـ طاليس. 2ـ أرسطو. 3ـ أفلاطون. 4ـ آنا كساغورس. 5ـ أكزنوفنس. 6ـ بارمنبدس. 7ـ مليسوس “تلميذ بارمنبدس”. 8ـ نيوتن. 9ـ فيتاغورس. 10ـ عمانؤيل. 11ـ عمانئيل كانت. 12 ـ ديكارت. 13ـ سقراط. 14ـ جان جاك روسو. 15ـ جون لوك. 16ـ فرانسيس بوتر. 17ـ شيلر). ونحوهم.
لذا من العبث أن نتعمق في السؤال عن وجوده، لأن الله خلق الكائنات كل شيئ من العدم، وباثبات من العقل الانساني وفطرته، وبتأييد من الأنبياء والأولياء والعلماء المؤمنين والكافرين. ونجيب ونقول للملحدين أنه ليس من المنطق أن تكون الصدفة والانفجار العظيم كما يدعي الملحدون هى المسؤولة عن كل ما نحن فيه من نعمة ونظام دقيق ومحكم ومدبر ومركب بهذا الحجم الكبير، وليس من المنطقي أن ينتج عن الفوضى نظاماً. ولا يمكن أن تنشأ الدنيا من ذرات تحركت تكشفت واتحدت وتكونت الدنيا، ونسأل من أوجد الذرات؟ ومن حركها من السكون؟. “ونقول لا يمكن أن تبدأ الحياة بخلية واحدة في الماء نتيجة تفاعلات كيميائية والتي تمثل نظرية التطور. فنسأل ونقول من أوجد هذه التفاعلات لتصنع الخلية؟، علمًا أن معهد ديسكفري (وهو مناصر لنظرية الخلق) إدّعى عدم وجود تأييد لنظرية التطور لذا يجب عدم تدريسها في المدارس، ولكن المحاكم الأمريكية ألزمت بتدريسها، ومقرها في الولايات المتحدة.” ثم لا يمكن أن يكون أصل الانسان قردًا فهي نظرية غبية، ونسأل ونقول لماذا بقيت القرود ولم تتحوب إلى بشر؟ ومن الذي منعها مادام قد حدث في الماضي؟ ولا من الأنفجار العظيم، وسوف نتطرق إليه. لذا وجب وجود إله يدبر أمور هذا الكون العظيم والمستمد عظمته من عظمة الله عز وجل منطقي وعقلي.
ومن الدلائل الأخرى على إثبات وجود الله كثيرة للذي يريد أن يؤمن يالله منها: ولينظر كيف خلق السموات العلا بقدر، وكيف خلق الشمس وتشرق من الشرق وتغرب في الغرب من دون أن تغيب إلى الأبد، ولا أن تبدل مسارها. وكيف أن مسير النجوم والكواكب لا يتغير ولا تصطدم النجوم مع بعضها؟ ولينظر كيف إلى الحيوانات والنباتات والجبال والكون كلها التي سخرت لأجل الانسان فقط؟ وليدبروا كيف أنه خلق كل هذه المخلوقات والكون ونحوها، فلماذا لا يجتمع الناس ليخلقوا ذبابة؟
2ـ الكمال لله وفاقد الشيء لا يعطيه:
ليس من المنطقي أن ينتج الكون شيئاً وهو لا يملكه، والتي سبق أن ذكرنا بعض الشئ عنها، وكيف أنه لا يمكن أن يخلق صدفة ونحو ذلك. لذا لا يمكن للمادة الغير الحية أن يخلق مادة حيّة، والمخلوق كيف يمكن أن يخلق خلقًا أخر وقد خلقه ربّ السموات والأرض. فلو نظرنا إلى مراحل خلق الله للكائنات لعرفنا قدرة الله أكثر، خلق الإنسان من ماء ثمّ أصبح مضغة ثمّ كسى العظام بمضغة وأخيرًا أصبح جنينًا ثم طفلاً له كامل أوصاف البشر، وأنظر إلى الكتكوت كيف يكسر البيض بالقرن ويخرج منه؟ فمن الذي أعطاه القرن وبعد الكسر يخفيه؟ وأنظر كيف سخّر الله حبة الباقلاء إذا زرعناه بأي شكل من الأشكال سوف يكون سويقها فوق الأرض فمن الذي يحركه ويُعده تحت التراب؟ وأنظر إلى قدرة وكمال الخالق كيف أنه سخّر الجمل الكبير لطفل صغير ليجره إلى ما يشاء! فالذي لا يستطيع أن يملك لنفسه السعادة والصحة والنصرة الدائمة لنفسه أو أن يحفظ نفسه من الهرم والفشل والهزيمة والموت فكيف يمكن له أن يعطي أو ينشر للناس السعادة والصحة والحياة. لقد إدّعى كثير من الطغاة في التاريخ من فرعون ونمرود وإستالين وهتلر من الملاحدة والطغاة ومثلهم في تواريخ مختلفة. أنهم يملكون كل شيئ وأنهم قادرون على كل شئ، يحييون ويميتون ويصنعون المعدات والتكنولوجيا، وإن إدّعوا أنهم كشفوها الشيء وأوجدوها واخترعوها وصنعوها، فهذا لا يعني أنهم هم المصدر الأول والصانع الأول والكاشف الأول وهم الذين خلقوا المواد الأولية لها. لأن الله هو الذي خلقهم وخلق عقولهم، وبعدها أوحى والهم إليهم لكشف ما في السموات والأرض، وبالقرآن الكريم هداهم وبين لهم أُسس ذلك. حيث قال تعالى (وعلّم آدم الأسماء كلها). الإنسان العاجز الذي لا يعرف الغيب، وإلى الآن لم معرفة ورؤية ماهية التيار الكهربائي والموجات والجاذبية والمغناطيس الذي يستعمله. وحتى أنهم عاجزون على رؤية الأشعة فوق البنفسجية والفيروسات والأشياء الموجودة في الغرف وفي البيت، والأشياء الموجودة خلفنا وهكذا فكيف يمكن له أن يرى الله وعرشه في السموات العلا؟
3ـ إثبات الأعرابي على وجود الله تعالى:
سُئل إعرابي عن الدّليل على وجود الله تعالى فقال: البعرة تدل على البعير، والرّوثة تدل على الحمير، وأثار القَدم تدلّ على المسير، فسماء ذات أبراج وأرضٍ ذات فُجاج وبحار ذات أمواج أما تدلّ على الصانع الحليم العليم القدير. هذا هو الأسلوب السّليم في الوصول إلى الحقائق فيكون بالتفكر والتعقل والسّؤال عن الملموسات والمواد، ونحن كبشر مسؤولون عن معرفة الحقائق وصحة الجواب، والقرآن الكريم يؤكد وبشكل مفصل على هذا الموضوع ويأمرنا على السؤال وطلب العلوم في كافة المواضيع عدا الأمور الغيبية ومواضيع ما وراء الطبيعة لأننا لسنا مسؤولون عنها ومهما استطعنا في البحث عن حقائقها نبقى عاجزين أمامها وما علينا إلاّ السمع والطاعة أمام عظمة خالق هذا الكون. وقد يقال الإثبات هنا أثر للمادة، ولكن الله تعالى ليس بمادة. ونقول الذي خلق الكون من المادة هو الله حتى يتلائم قوانين الكون، والله تعالى يستطيع أن يغير هذه المادة، بعد نسفها يوم الحشر إلى شيئ أخر يلائم قوانين ذلك المكان. يعني هناك أرتباط بين قوانين الله وعرشه وجنته وجهنمه، وبين قوانين الأرض وهما مكملان لبعضهما. ووجود الله والجنة والنار والنعيم والعذاب ثابت، ويمكن الوصول إليهم بعد تغيير تركيبنا لكي نلائم قوانين الله تعالى.
4ـ إثبات أرسطو على وجود الله تعالى.
يقول: أن الكرسي من الخشب، والخشب من الشجرة، والشجرة من البذرة، والبذرة من الزارع، فمن زرع البذرة؟ إذا لم يكن الانسان؟ ويمكن أن نقول أن كافة الآديان السمواية وحتى الهندوس والبوذيين يؤمنون بالله تعالى، وإن كانت طريقة إيمانهم محتلفة، ونسب هؤلاء كثيرة جدًا، أما نسبة الملحدين قليلة جدًا، ولكنهم يملكون الإقتصاد والاعلام ويسيطيرون على القوة العسكرية الكبيرة، ولهذا صوتهم مسموع وعملائهم في حدب وصوب موجود.
5ـ يدعي الملحد أن الدنيا تكونت بعد الانفجار العظيم:
الجواب من الإمام الأعظم: في يوم من الأيام حضر رجل لا يؤمن بوجود الله تعالى إلى أحد الخلفاء. وقال له في ثقة:” إنني لا أجد أحداً يقنعني بوجود إله وأتحدى أكبر عالم عندكم وإني واثق من النصر عليه. فسكت الخليفة قليلاً، وقال في نفسه:” إن أمرتُ بقتله فسوف يقول الناس أنني لم أستطع مواجهته
بالدليل، ثم نادى وزيره ليستدعي له الإمام النعمان أبو حنيفة، فلما جاءهم طلب منه الخليفة إقناع هذا الرجل بوجود الله تعالى. قال له الإمام أبو حنيفة :” سوف أثبت له ذلك ولكني أستأذنك لكي أنهي أمراً ضرورياً في القرية المجاورة، ثم أعود سريعاً، فأذن له الخليفة، ولكنه تأخر كثيراً، فأحس الرجل بالغرور والكبر وقال للخليفة : “إئذن لي بالانصراف ، فقد هرب أبو حنيفة لأنه عاجز عن إقناعي”، ولكن أبو حنيفة ما لبث أن عاد، واعتذر عن التأخير،ثم أخبرهم أنه وجد في طريقه نهراً ،ولم يجد قارباً، فجلس ينتظر حضور قارب، وطال انتظاره، ثم فجأة رأى أبو حنيفة أمراً عجيباً..رأى أخشاباً تتجمع ومسامير تقف فوق الخشب وظهرت مطرقة وأخذت تدق على المسامير،حتى رأى أمامه قارباً متقن الصنع، فركبه وحضر. فأخذ الرجل يضحك، وقال :” إن هذا الكلام لا يقوله إلا مجنون، ولا يصدقه أحد، فكيف تطير المسامير والألواح في الهواء ،وتتجمع على الماء ويتكون منها قارب دون أن يصنعه أحد؟!” وهنا تبسم أبو حنيفة وقال:” إذا كان وجود قارب صغير بدون صانع لا يصدقه عقل، فهل يصدق العقل أن هذا الكون بكل ما فيه من أرض وسماء وشمس وقمر قد وُجد بنفسه دون أن يخلقه خالق؟!!!” فبهت الرجل ثم قال:” صدقت، فلابد أن يكون لهذا الكون من خالق هو الذي خلقه ونظمه، هو الله. فهذه هي عقول الملحدين.
يمكن أن نضيف هنا أن الله خلق في الدنيا الخير والشّر أي الهداية والضّلالة والكفر، والانسان مخير في اختيار أحد الطريقين فقال تعالى (أَلمْ نَجْعَل لَهُ عَينَينِ، وَلِسَانًا وَشَفتَينِ، وَهدَينَاهُ النَّجدَينِ) البلد، 8ـ 10. وهديناه النجدين أي الطريقين. وللإنسان النفس التي تأمر بالشّر دائمًا، والعقل والوجدان يقفان ضدهما. فقال تعالى (إن النّفس لآمّارةٌ بالسُّوءِ إلاّ ما رَحِمَ ربّي) يوسف، 53. فالذي يسلك طريق الخير يقرأ الكتب الاسلامية الصحيحة ويحشر معهم، والذي يسلك طريق الشّر يقرأ كتب الملحدين ويحشر معهم. ومن كتبهم النظريات الالحادية التي شغلت عقول معظم عقول الناس: 1ـ كتاب داروين ونظريته مراحل تطور البشر. 2ـ فرويد ونظريته في الجنس. 3ـ ماركس ونظريته المادية. 4ـ دور كهايم (كايم) ونظريته حتمية القطيع الجمعي. يشرح التغيير والتقدم الاجتماعي . ومثل ذلك كتب كثيرة.
6ـ دلائل لعلماء الجيولوجيا والطبيعية على عدم أزلية العالم.
(1) العالم على هيئته الحاضرة متغيّر على الدوام، وكل متغيّر حادث. وإلا لزم وجود سلسلة أزلية من التغييرات، كل حلقة منها غير أزلية، أي لها بداية. وهو محال.
(2) الحقائق الجيولوجية تبيّن أن العالم على حالته المركبة ليس أزلياً، فقد توالت عليه تغيرات عظيمة وكثيرة، وتعاقبت عليه سلسلة نُظُم، آخر حلقة فيها هي النظام الحالي. أما القول بأزلية أصول الكون، أي العناصر المركب منها فيستلزم أن المواد قائمة بنفسها، وواجبة الوجود، أي مما لا نقدر أن نتصوَّر عدم وجوده، وهو باطل. والمادة ليست واجبة الوجود، ولا قائمة بنفسها، ولا أزلية. ويعلّمنا القرآن الكريم أن الكون على هيئته الحاضرة نُظِّم بيد الخالق القدير. وعلى فرض صحة القول بأزلية العناصر، لا ينتج من ذلك أن الكون نشأ على حالته الحاضرة من نفسه، لأن العناصر الأصلية بلا حياة وليس لها عقل ولا إرادة ولا قدرة على إيجاد أمرٍ ما. فإذا سلّمنا بأزليتها بقي لزوم بيان علة كافية لحياة الكون وتركيبه ولعقل البشر وقواه.
والخلاصة أن الاستدلال على أن العالم معلول أزلي هو أنه مركب، وكل مركب حادث، ومعروفٌ أن الكون مركب من عناصر بسيطة، وكل مركب معلول. والعناصر البسيطة إما أزلية أو حادثة. فالأول باطل لأن الأزلي واجب الوجود، بخلاف العناصر البسيطة التي يمكن تصوُّر عدمها. وبما أنه لا يُحتمل التصديق أنها أحدثت نفسها لأنها إن كانت علَّةً لنفسها لزم أن تكون قبل أن تكون، وهو محال. وقد تبرهن فساد القول بأزليتها، فلا بد أنها معلولة، وأن لها علةً أزلية أو محدثاً أزلياً. ومهما تكررت المعلولات لا يمكن أن يكون أحدها العلة الأصلية للباقي. فإذا كانت السلسلة المركبة من ثلاث حلقات لا يمكن ثبوتها في الهواء من نفسها، فكم بالحري إذا كانت مركبة من ألوف الحلقات. فإذا لم نجد في أنفسنا سبباً أصلياً لوجودنا ولا في آبائنا وأجدادنا، فمهما رجعنا إلى الوراء لا نصل إلى العلة الأصلية في نفس السلسلة. فنلتزم حسب مقتضى العقل أن نسلّم بوجود علة خارجية واجبة الوجود لها قوة كافية لإحداث العالم وكل ما فيه. وقد اضطر الفلاسفة في كل قرن للتسليم بذلك، فقد أثبت أفلاطون وأرسطو وجود المحرك الأول من وجود الحركات الظاهرة في العالم.
7ـ علم الجيولوجيا يشهد بأن الأرض معلولة، بدليل:
(1) كل أنواع الحيوان والنبات المعروفة الآن حديثة العهد بالنسبة إلى مدة وجود العالم.
(2) المواد الحالية من الحياة لا يمكن أن تولّد حياة في نفسها ولا في غيرها، بل الحياة وحدها تُحدِث الحياة، أي لا حي إلا من حي.
(3) بعد الفحص الكافي لم يتبرهن أن نوعاً من المخلوقات الحية استحال إلى نوع آخر، فالأنواع الحية ثابتة لا يتولد منها شيء تختلف حقيقته عن حقيقة نوعه. فلا بد لكل نبات وحيوان من بداية، وما له بداية هو مخلوق، والمخلوق لا بد له من خالق. وتشهد العلوم الحديثة أن عمل بعض القوات الطبيعية لا يصح أن يكون أزلياً كالحرارة مثلاً، فإنها على خصائصها المشهورة لا يمكن بموجب تلك الأدلة أن تكون أزلية، ولا بد لها من بداية. فإذا ثبت أن للكون بداية كان السؤال: ما هو سببها، وكيف نشأت؟ والجواب: هو أن ذلك لا يمكن بيانه بل يستلزم التسليم بعلّة أصلية لتلك البداية. ومهما رجعنا إلى الوراء في البحث عن تاريخ الموجودات لا نقدر أن نجيب على هذا السؤال، لأنه وإن صحَّ الرأي السديمي في كيفية تكوين الكون نبقى مفتقرين لمعرفة علة أصلية له، لأنه لا بد له من بداية، وذلك يستلزم مُبدئاً. ثم إن الحياة لا بد لها أيضاً من مبدئٍ، لأن المواد الخالية من الحياة لا تولّد حياة، وكذلك العقل بجميع قواه السامية لا بد له من مبدئٍ. فيلزم وجود خالق هو علة العلل ومبدئ المادة والحياة والعقل.
8ـ القواعد الأربعة للوصول إلى أنّ الخالق ليس بحادث.
1ـ لا بُدّ لكل حادث من محدث: إذن فهذا العالم لابُدّ له من خالق، فإنكارهُ ضلال وخطأ.
2ـ أنّ هذا الخالق كامل مطلق: فنسبة العجز والافتقار إليهِ، ضلال وخطأ.
3ـ أنّ الكامل المطلق لا يفتقر إلى الموجد: فالسّؤال عن خالق الخالق، ضلال وخطأ.
4ـ يُعرف الكامل المطلق ولا يُحاط بهِ: فتوقف الإقرار بهِ على الرّؤية أو الأحاطة، ضلال وخطأ .
والله ولي التوفيق
باحث أكاديمي تركماني ـ تركيا
[email protected]